إختر من الأقسام
آخر الأخبار
ضريبة 'الواتساب' تُشعل لبنان بالاحتجاجات.. طفح الكيل!
ضريبة 'الواتساب' تُشعل لبنان بالاحتجاجات.. طفح الكيل!
المصدر : غسان ريفي - سفير الشمال
تاريخ النشر : الثلاثاء ١٩ تشرين أول ٢٠٢٤

من الواضح شكلا ومضمونا أن ما شهدته المناطق اللبنانية ساحلا ووسطا وجبلا من إحتجاجات وقطع طرقات مواجهات مع القوى الأمنية لا سيما في ساحة رياض الصلح التي شهدت كرا وفرا بين المواطنين وسرية مكافحة الشغب، بأن هذا الحراك لا يشبه ما سبقه، وأن ثمة غضبا غير مسبوق إجتاح اللبنانيين على إختلاف طوائفهم ومذاهبهم ومناطقهم دفعهم الى القيام بهذه الاحتجاجات التي إستمرت حتى ساعات الفجر الأولى وإتخذت منحى عنفيا أسفر عن سقوط جرحى وتحطيم ممتلكات والى فوضى عارمة إضطرت القوى الأمنية عند الساعة الثالثة فجرا الى إستخدام القنابل المسيلة للدموع لتفريق المتظاهرين الذيت حاولوا إقتحام السراي الحكومي.

صحيح أن الضرائب الجديدة التي أقرتها الحكومة على الواتساب وعلى الدخان والتبغ والتنباك وعلى البنزين تسببت في إندلاع هذه الاحتجاجات، لكنها أيضا كانت بمثابة الشعرة التي قصمت ظهير البعير، وأخرجت الشعب اللبناني عن طوره بعدما تأكد بما لا يقبل الشك أنه في واد وحكومته في واد آخر، وأن دولته تسعى جديا الى إفقاره وتهجيره من وطنه بقرارات أقل ما يمكن أن يقال فيها أنها إعتباطية وإرتجالية، وإنتقامية من اللبنانيين الذين بات السواد الأعظم منهم يسألون الله أن يعطيهم خبزهم كفاف يومهم بعدما إلتهمت الضرائب والرسوم أكثرية مداخيلهم.

طفح الكيل لدى الشعب اللبناني، فخرج الى الشوارع غاضبا مناديا بالثورة وباسقاط النظام، نظام الفساد والمحاصصة والصفقات والسمسرات والهدر والمحسوبيات والفبركات والزبائنية كما وصفه المحتجون الغاضبون على وسائل الاعلام.

طفح كيل اللبنانيين من إقتصاد منهار، ودولار مفقود، وليرة مهددة، وكهرباء مقطوعة، ومياه ملوثة، ونفايات متراكمة، وضرائب متنامية، ورسوم جائرة، ومن زحمة سير لا حلول لها، ومن حرائق تأكل الأخضر واليابس من دون تأمين أدنى مقومات المواجهة، ومن أمراض تفتك بالناس، ومن مستشفيات لا تتوفر فيها السقوف المالية.

طفح كيل اللبنانيين، من الارتجال الحكومي، ومن تجاذبات السياسيين وخلافاتهم وصراعاتهم ومماحكاتهم وتهديداتهم ووعيدهم، وخرقهم للقوانين، وهيمنتهم على الأمن، وسيطرتهم على القضاء، وتحريضهم الطائفي، وشحنهم المذهبي، وتضييقهم لمساحات الحرية، وسعيهم الى كم الأفواه، وتحريك الأجهزة باتجاه أصحاب الرأي والفكر، وتقديم مصالحهم الشخصية على مصالح البلد والشعب الذي بدأ يلمس أنه يعيش في غربة، وأن وطنه لم يعد له.

بالأمس حكّت الحكومة على جرح الفقير، فمن يشتري أياما للانترنت بدولارين فقط في الشهر وجد أنه سيدفع نحو سبعة دولارات (إذا ما إحتسبنا الضريبة على القمية المضافة) من أجل إستخدام مكالمات الواتساب الذي يعتبر المتنفس الوحيد للفقراء وأصحاب الدخل المحدود لقضاء حوائجهم هاتفيا، إضافة الى زيادة الرسوم على “فشة الخلق” المتمثلة بالسجائر والتنباك والمعسل الذي يلجأ إليها الفقير على قاعدة “نفخ عليها تنجلي”، ليجد أن حتى التنفيخ بات يحتاج الى ميزانية خاصة، فضلا عن زيادة خمسة آلاف ليرة على البنزين ما سيؤدي الى إرتفاع كل السلع الأخرى، وكان قبل ذلك وزير البيئة أتحف اللبنانيين بفرض رسوم على 99 سلعة بحجة أنها غير صديقة للبيئة وكأن اللبنانيين يعيشون في أحد البلدان الأوروبية وليس في بلد يفتقر الى أبسط مقومات العيش بكرامة.

اللافت أن ثلاثين وزيرا في الحكومة، لم يفكروا أو يناقشوا قضية فرض رسوم على الواتساب، وكيف يمكن للدولة أن تفرض رسوما على تطبيق مجاني في كل أنحاء العالم، وأن قرارا من هذا النوع قد يعرض لبنان للملاحقة القانونية من الشركة المعنية التي لن تقبل بفرض أي رسم على تطبيق تضعه مجانا بين أيدي الناس، علما أن الدولة يحق لها حظر مكالمات الواتساب كما يحصل في بلدان عربية لكنها لا يحق لها فرض أي رسم عليه، ما يؤكد الارتجال في القرارات.

خرج الناس إحتجاحا على مصادرة حقهم في إستخدام الواتساب، فتراجع وزير الاتصالات بتوجيهات من رئيس الحكومة سعد الحريري عن الفكرة ودراستها، لكن الناس لم تتراجع وأعلنتها ثورة دواليب ومواجهات وإضرابات وعصيان مدني، ما أدى الى إقفال المدارس اليوم، كذلك بعض المصارف والمؤسسات الرسمية والخاصة، بانتظار ما سيقوله رئيس الحكومة المُطالب بالاستقالة، فهل يستقيل فعلا؟، أم سيقنع اللبنانيين بمنطقه فيخرجهم من الشوارع؟، وهل سيتراجع عن الرسوم والضرائب التي تم فرضها؟، والأهم من كل ذلك، هل يستطيع أن يفعل كل هذا ويتخذ مثل هذه القرارات بمفرده؟!..


عودة الى الصفحة الرئيسية