إختر من الأقسام
آخر الأخبار
'صفقة القرن' وآليات مواجهتها مشروع.. متكامل شعبيّ وإعلاميّ
'صفقة القرن' وآليات مواجهتها مشروع.. متكامل شعبيّ وإعلاميّ
المصدر : بقلم الدكتور بسام إبراهيم حمود
تاريخ النشر : السبت ٢٠ كانون ثاني ٢٠٢٤

شكل فوز الرئيس الأميركي دونالد ترامب (Donald Trump) بالرئاسة (2017)، حدثًا بالغ الأهمية، نظرًا إلى شخصيته الاستثنائية، وتصريحاته المنحازة بشكل كامل للاحتلال وللاستيطان الإسرائيلي في فلسطين المحتلة، خلال حملته الانتخابية. ومع تولي ترامب مقاليد الرئاسة الأميركية، أعلن عزمه التوصل إلى صفقة نهائية للصراع في الشرق الأوسط، وقال إنه سيحقق ما فشل سابقوه في تحقيقه. وقد أُطلق على هذه الصفقة أسماء مختلفة من المؤيدين والمعارضين لها، مثل "صفقة الحل النهائي"، "صفقة القرن"، "صفقة ترامب"، "الصفقة الإقليمية الكبرى"، "مؤامرة القرن". وأعلنت الإدارة الأميركية مرات عدة أنها ستطرح تفاصيل هذه الخطة/الصفقة، وحددت مواعيد مختلفة في خريف 2017، وشتاء 2018، وربيع 2018، لكن الصفقة لم تطرح حتى اللحظة.

ترامب وبلورة صفقة القرن (Deal of the Century):
منذ توليه مقاليد الرئاسة أعلن ترامب بأنه يحمل الحلّ الشامل للقضية الفلسطينية، وبأن الصفقة التي يعدّ لها ستكون "صفقة القرن"، وهي التي ستنهي سنوات طويلة من الصراع العربي – الإسرائيلي، وتدفع عجلة عملية السلام التي تعثرت بشكل كبير خلال السنوات الماضية. ويعمل على إعداد هذه الصفقة والترويج لها في الأوساط العربية صهر ترامب ومستشاره لشؤون الشرق الأوسط جاريد كوشنير، وممثل ترامب للمفاوضات الدولية جيبسون غرينبلات، والسفير الأميركي في "إسرائيل" ديفد فريمان، وتتحدث وسائل الإعلام العالمية عن زيارات سرّية ومعلنة قام بها كوشنير وفريقه إلى عواصم إقليمية تعدّها واشنطن أهم مفاتيح المنطقة، وأهم أدوات الترويج لصفقة القرن المثيرة، ومن بينها الرياض، والقاهرة، و"تل أبيب".
وقد لا يعلم كثيرون أن مصطلح "صفقة القرن" ليس جديدًا، وأنه تردد سنة 2006 عندما تمّ الحديث عن عرض قدّمه "رئيس الوزراء الإسرائيلي" آنذاك أولمرت، أو ما عُرف بـ"تفاهمات أولمرت/ عباس"؛ وما تسرب حينها من أنها اتفاقات رفّ تنتظر الانتخابات الإسرائيلية ونتائجها، وهي الانتخابات التي لم تأت بما يشتهي أولمرت.

- ملامح صفقة القرن:
على الرغم من أن تفاصيل الصفقة غير مُعلنة "رسميًّا" حتى الآن، وفي الوقت الذي صرَّح فيه ترامب أنه تم إحراز تقدم كبير في تلك الصفقة، فقد بدأت ملامح هذه الصفقة – المؤامرة تتضح من أجل تصفية القضية الفلسطينية، والتطبيع الكامل بين العدو الصهيوني والدول العربية، وحسب بعض الدراسات والتقارير الإعلامية (ومنها دراسة أعدّها الدكتور محسن صالح من مركز الزيتونة، ودراسة نشرها المعهد الإسرائيلي للدراسات الاستراتيجية) ومن خلال ما جرى من خطوات سياسية وميدانية، يمكن تلخيص بنود هذه الصفقة بما يلي:
1- إخراج قضايا الحل النهائي من التسوية السلمية، وحسمها وفق وجهة النظر الإسرائيلية، وأبرزها:
أ‌- بقاء القدس (بما في ذلك البلدة القديمة التي تحوي المسجد الأقصى) تحت السيادة الإسرائيلية، واصطناع "قدس جديدة" للفلسطينيين مركزها أبوديس، وانسحاب إسرائيلي من بعض أحياء القدس.
ب‌- لا عودة للاجئين الفلسطينيين، ويتم حلّ قضيتهم من خلال التوطين والتعويض.
ت‌- بقاء المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية (نحو 190 مستوطنة) وشرعنة البؤر الاستيطانية (نحو 100).
ث‌- لا سيادة "للدولة الفلسطينية" المقترحة (الحكم الذاتي/ الكانتون) على الأرض، ولا سيطرة له على الحدود، ولا على مجاله الجوي، ولا على المياه.
ج‌- لن يكون هناك انسحاب إسرائيلي إلى حدود ما قبل حرب حزيران/ يونيو1967، وستبقى السيادة الإسرائيلية على المستوطنات وما وراء الجدار العنصري العازل (نحو 12% من الضفة)، مع طروحات بأن تبقى السيادة على كافة مناطق "ج" في الضفة أي 60% من مساحتها الكلية (تحت النقاش).
ح‌- لن يكون للفلسطينيين جيش عسكري، وإنما قوة شرطة تحافظ على الأمن الداخلي.
2- اعتراف العالم أجمع بـ"إسرائيل" دولة قومية لـ"الشعب اليهودي"، و"بالكيان الفلسطيني" دولة قومية للشعب الفلسطيني. مع إمكانية ترحيل عرب فلسطين إلى خارج الكيان الصهيوني.
3- التركيز على "السلام الاقتصادي"، ومحاولة تقديم الصفقة في صورة عملية تنموية اقتصادية للفلسطينيين وللمنطقة.
4- التطبيع قبل التسوية: من خلال إيجاد موافقات من الدول العربية الرئيسة المعنية بالشأن الفلسطيني (خصوصًا: مصر، والسعودية، والأردن) على الصفقة، بحيث يتم محاصرة الفلسطينيين وعزلهم، ونزع ورقة القوة العربية من أيديهم، باتجاه فرض التسوية عليهم.
إضافة إلى تقارير صحفية عديدة تناولت تلك الصفقة، ويمكن تلخيصها في حل القضية الفلسطينية بتوفير أرض بديلة في شبه جزيرة سيناء لتُقام عليها دولة للفلسطينيين، وهو ما يرفضه الفلسطينيون والمصريون على حدّ سواء، فالجانب الإسرائيلي يرفض حلّ الدولتين على أرض فلسطين التاريخية، بل يرى أن تلك الأرض لا تكفيه، وأنه من الصعب إجلاء المستوطنين من أراضي الضفة الغربية.
ومن ملامح التطبيق للخطة أيضًا الاعتراف الأميركي بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني، ونقل السفارة إلى القدس، وإعلان قانون الدولة اليهودية، ووقف المساعدات الأميركية للأونروا تمهيدًا لإلغائها، والاعلان عن التحالف الأميركي مع دول الخليج ومصر والأردن، ويمكن ضم لاحقًا الكيان الصهيوني، وما يجري من تطورات في القدس من تهويد واعتداءات يومية.
- الموقف العربي الرسمي من صفقة القرن
مع الرفض العربي الشعبي لهذه الصفقة بدأت الإدارة الأميركية الترويج لجوانب أخرى فيها، حيث قال مسؤول في البيت الأبيض إن خطة ترامب للسلام في الشرق الأوسط ستشمل "خطة اقتصادية قوية" للمساعدة في حلّ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
وقد أظهرت القرارات الأميركية حول القدس، وسحبها الدعم عن "وكالة الأونروا" بأنها جادة في المضي بالصفقة على حساب الجانب العربي، وفي تقديم حلّ للاجئين عبر توطينهم، وهو ما يرفضه لبنان والأردن ودول أخرى بشكل قاطع. إضافة إلى الرفض الشعبي العربي، هناك تحفظ علني من ملك الأردن عبد الله الثاني، حيث شكل الاعتراف الأميركي بالقدس استهدافًا للوصاية الهاشمية على المقدسات في المدينة المقدسة.
كما أن هناك عوامل تدفع الأردن للقلق من الصفقة، فإن هناك عوامل تدفع للترحيب بها، أما عوامل الترحيب فيمكن إيجازها في أنها تسعى إلى تحقيق طفرة اقتصادية عبر ربطها بمنظومة طرق وسكة حديدية، وأنبوب النفط، مع الميناء الدولي في غزة الكبرى عبر النفق المصري الأردني بدول الخليج. وهكذا تحصل الأردن، مجانًا، على إطلالة مثمرة على البحر المتوسط (ميناء غزة) ومن ثم تحقق تواصلًا ما زال مقطوعًا مع أوروبا، إلى جانب التخلص من أعباء 70 ألف عائلة فلسطينية من أصول فلسطينية غزاوية "المهاجرين إلى الأردن عام 1967م"، ومقيمة الآن بالأردن دون رقم وطني. بعد أن يتوفر لهم فرص عمل وحياة كريمة في قطاع غزة.
أما ما يُقلق الأردن إضافة لمسألة القدس، هو عدم اشراكها في إعداد صفقة القرن، بالشكل الذي يحافظ على أمنها القومي، خاصة أن الأردن تخشى أن تكون حاضرة في مخططات التغيير الجغرافي القادم من خلال تقديم حلول للفلسطينيين على حساب أراضٍ أردنية (فكرة الوطن البديل) كما تخشى الأردن من انهيار السلطة الفلسطينية (سواء بقرار أو لظرف ما) لتجد الأردن نفسها المسؤولة مرة أخرى عن إدارة الضفة الغربية.
وتوصف مشاركة السعودية في إبرام الصفقة بأنها مشاركة أساسية ومهمة، حيث جمعت اجتماعات عديدة بين ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وكوشنير. وقد وضع مراقبون هذا التقارب الكبير في محاولة لاستثماره في الاصطفاف الإقليمي المتزايد في المنطقة. ولا شك في أن التسويق الأميركي للصفقة يدفع باتجاه تطبيع العلاقات بين دول عربية وخليجية في مقدمتها السعودية والإمارات والبحرين و"إسرائيل".
وقال مسؤولون فلسطينيون لـ"رويترز" في كانون الأول: إن الأمير محمد بن سلمان ضغط على عباس لتأييد الخطة الأميركية رغم مخاوف من أنها لا تعطي الفلسطينيين سوى حكم ذاتي محدود داخل مناطق غير مترابطة من الضفة الغربية المحتلة دون الحق في العودة للاجئين الذين نزحوا من ديارهم في حربي 1948 و1967.
وتتناقض مثل هذه الخطة مع مبادرة السلام العربية التي طرحتها السعودية في عام 2002 والتي عرضت خلالها الدول العربية تطبيع العلاقات مع إسرائيل مقابل الاتفاق على إقامة دولة للفلسطينيين وانسحاب إسرائيل بالكامل من الأراضي التي احتلتها في حرب عام 1967.
اما بالنسبة لمصر ففي حال وافق النظام المصري على صفقة القرن، فان النظام سيكون حريصًا على (آليات الإخراج)، فغالبًا مصر سترفض أن يتم ترحيل أهل غزة بالقوة إلى أي جزء في سيناء، بل في الغالب ستفضل مصر أن يتم ذلك من خلال ممارسة الضغوط السياسية (العصا) على السلطة الفلسطينية، وحركة حماس، ليوافقا على الصفقة، أو أن يوافق أحدهما. مع تقديم حلول اقتصادية كبيرة (الجزرة) في منطقة جغرافية محدودة في سيناء خاضعة للإدارة الفلسطينية والمراقبة الأمنية المصرية، على أن يتم انشاء ميناء ومطار دولي ومنطقة تجارية بداخلها. بحيث تُشكل عاملًا جاذبًا لسكان قطاع غزة أو اللاجئين الفلسطينيين في الخارج بسبب تواجد فرص العمل.
يأتي هذا في ظل وجود رغبة مصرية في تحقيق طفرة اقتصادية عبر هذه الصفقة من خلال سماح تل أبيب للقاهرة بشقّ نفق يربط بين مصر والأردن. على أن يبلغ طول هذا النفق حوالي 10 كم، ويقطع الطريق من الشرق للغرب (على بعد 5 كم من إيلات)، ويخضع للسيادة المصرية الكاملة. وذلك بعد ايصال النفق بسكة حديد مع ميناء غزة البحري المزمع إنشاؤه.
ومن المتوقع أن تحصل مصر من خلال هذا الربط على نصيب كبير من الجمارك والرسوم مقابل كل «حركة» تتم بين الأردن والعراق ودول الخليج في اتجاه ميناء غزة أو مصر. وأن يتم اجراء تعديل على الاتفاق المصري الاسرائيلي الموقع عام 1997م "الملحق العسكري"، بالشكل الذي يسمح بتواجد قوات مصرية على الحدود بالشكل الذي يؤمن المصالح الاقتصادية المصرية. كما أنه من غير المستبعد أن تحصل مصر على محطة للطاقة النووية للأغراض السلمية لإنتاج الكهرباء في ضوء الحديث عن العملية السلمية الشمولية.
إلا أن هذا ربما لا ينفي فكرة تبادل أراضي مصرية مع دولة الاحتلال الاسرائيلي، على أن يراعي هذا التبادل النقاط التالية:
• أن تكون منطقة جغرافية محدودة جدًا، وفي الغالب ستكون أقل مما ذكر في خطة غيورا أيلاند (Giora Eiland) (720 كم)، خاصة أن الحديث عن فكرة التوطين قائمة على مليون فلسطيني فقط، والمنطقة جغرافيًّا كبيرة على هذا العدد نوعًا ما، إذا ما قورنت مع مساحة قطاع غزة (365 كم) البالغ عدد سكانه 2 مليون نسمة. لذا فمن المتوقع أن تكون منطقة تبادل الأراضي لمنطقة ما بين 100- 300 كم فقط لا غير. كما أن هذه المساحة لا تحدث تغيرًا ملموسًا في الخارطة الجغرافية لمصر، وربما يُصبح شكل الحدود الشرقية لمصر مع فلسطين المحتلة، مشابهًا لشكل حدودها الغربية مع ليبيا كخط متعرج ثم يستقيم. ومن يرى أن المناطق العازلة الآن بين غزة وسيناء أكبر من مساحة 300 كم، فإن هذا لا يعني بالضرورة أن كل المنطقة واقعة ضمن حدود التبادل، بل سيكون جزء كبير منها منطقة عازلة بين الحدود الفلسطينية المصرية.
• أن يتم توسيع جزئي لغزة على حساب جزء من سيناء، وذلك مقابل حصول مصر على أراضٍ من صحراء النقب الواقعة داخل حدود الكيان الصهيوني.
• ألا تحتوي المناطق المستهدفة في خطة التبادل، أي أهمية اقتصادية كوجود آبار نفط أو غاز، أو أي اشكاليات أمنية لدي الطرفين المصري والصهيوني.
- هل صفقة القرن تخصّ القضية الفلسطينية وحدها؟
تؤكد مفاعيل الصفقة أن هدفها الأساسي هو إنهاء القضية الفلسطينية بشكل كامل، وجعل "إسرائيل" ليس الكيان القوي في المنطقة فحسب، بل أيضًا الكيان الطبيعي والمرغوب فيه بين الدول العربية المحيطة التي تعاني من مشاكل داخلية، أو من حروب وخلافات مع الجيران، أو الساعية إلى الخروج من عباءتها التقليدية. وهو ما يدفع إلى رفع الوعي بمخاطر هذه الصفقة وبأنها تستهدف الوجود العربي والإسلامي، عبر إنهاء ملفات القضية الفلسطينية بشكل متتابع، وانعكاسات هذه الملفات على البيئة الإقليمية العربية.
ويشكل التوطين واحدًا من تجليات سحب الولايات المتحدة دعمها عن وكالة غوث اللاجئين "الأونروا"؛ ففي 31-8-2018 قالت وزارة الخارجية الأميركية إن الولايات المتحدة قررت إيقاف أي تمويل للأونروا، ووجهت متحدثة باسم وزارة الخارجية انتقادات لاذعة لطريقة عمل الوكالة، قائلة إنها "معيبة بشكل لا يمكن إصلاحه"، وكتب كريس جانيس المتحدث باسم "الأونروا" في سلسلة تغريدات على تويتر "نرفض انتقاد مدارس الأونروا ومراكزها الصحية وبرامجها للمساعدة".
ويعدّ "ملف اللاجئين الفلسطينيين" من أكثر الملفات أهمية في مسألة الصراع العربي الصهيوني، خاصة بعد أن اتخذت واشنطن قرارًا بتجميد مبلغ 65 مليون دولار من أموال المساعدات الأميركية المخصصة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) علمًا أن الأونروا هي المسؤولة عن تعليم اللاجئين الفلسطينيين وتشغيلهم وعلاجهم سواء في قطاع غزة والضفة الغربية أم في دول العالم المختلفة.
ويرى الكيان الصهيوني ملف اللاجئين الفلسطينيين هو أخطر ملفات الصراع، وفقًا لمسألة (الصراع الديمغرافي)، الذي يسعي للتخلص منه بشكل أساسي في أي تسوية. وقد قدمت مبادرات السلام السابقة العديد من الحلول لمسألة اللاجئين الفلسطينيين إلا أنها باءت بالفشل. وسبب ذلك يرجع إلى أن غالبية الشعب الفلسطيني لاجئ، وهذا يعني انها مسألة مرتبطة بكل بيت وشارع، كما يتميز ملف اللاجئين الفلسطينيين ببعدين مهمين: الأول (البعد الإنساني)، والثاني (البعد الدولي) نتيجة لوجود اللاجئين الفلسطينيين في العديد من الدول حول العالم كالأردن وسوريا ولبنان ومصر وفنزويلا وتشيلي والخليج وجنوب افريقيا وغيرهم من الدول.
وعليه فمسألة اللاجئين الفلسطينيين، قد تعدّ إحدى المعطّلات الرئيسة لأي تسوية أو صفقة، انطلاقًا من تشعباتها. فمن الصعب جدًا على بعض الدول أن تقوم بتوطين الفلسطينيين على أراضيها، لكون الفلسطينيين يشكلون عددًا كبيرًا كما هو الحال في الأردن ولبنان وسوريا.
تأتي هذه الخطوة (التوطين) في إطار إنهاء المطالبة بعودة الفلسطينيين إلى أراضيهم، وإيجاد حلّ نهائي في أماكن وجودهم، وبحسب مصادر صحفية سيتم البدء في توطين اللاجئين الفلسطينيين على مرحلتين: المرحلة الأولى ستتم في الأردن والضفة الغربية، أما المرحلة الثانية فستشمل قطاع غزة وسوريا ولبنان، وسيتم تأجيلها إلى حين إيجاد الظرف الإقليمي والداخلي المناسب. وفي هذا السياق ذكرت إحدى الصحف أن جاريد كوشنير حاول الضغط على الأردن لإلغاء صفة اللاجئ عن مليوني فلسطيني يحملون الجوازات الأردنية.
تأتي كل تلك الملامح والأفكار والتحضيرات مع تصاعد اعتداءات الاحتلال في المسجد الأقصى، واستهداف المنطقة الشرقية من المسجد بالتقسيم المكاني، وتهميش الإدارة الأردنية للأقصى، وفرض قيود على موظفي الأوقاف الإسلامية وحراس الأقصى، ومنع عمليات الترميم اللازمة للمسجد، في إطار الدفع نحو المزيد من التدخل في إدارة المسجد، وصولًا لتحقيق أهداف الاحتلال في نزع الوصاية الأردنية عن المسجد بشكل كامل.
إضافة إلى استهداف الأقصى والقدس، يشكل التطبيع العربي مع الاحتلال أبرز الأهداف التي يعمل عليها فريق إدارة الصفقة الأميركية، وتشير ملامح الصفقة التي تم تسريبها عبر العديد من وسائل الإعلام إلى إقامة مفاوضات سلام إقليمية بين "إسرائيل" والدول العربية.
وتشير معطيات الصفقة إلى مرحلة لبناء ثقة، يتم خلالها تثبيت عدد من الملفات الأساسية لـ"إسرائيل"، على رأسها الأمن ونزع سلاح المقاومة، على أن تستمر 10 سنوات، تدخل خلالها الدول الإقليمية في مشروع التسوية والتطبيع والتعاون في شتى المجالات الحيوية، وعلى رأسها أمن "إسرائيل" والأنظمة الرسمية.
- الصفقة بين الفشل والنجاح
إن تشابك الصفقة وتعقيداتها وحساسية الملفات التي تتناولها تجعل هناك صعوبة في إمكانية تطبيقها، في ظل الاعتبارات التالية:
• الاشكاليات السياسية التي يعاني منها الكيان الصهيوني، بسبب غموض مصير رئيس الوزراء الصهيوني "نتنياهو" بعد استدعائه للقضاء الصهيوني مؤخرًا. فقد شهدت قضيته "الاتهام بالفساد"، تطورًا ملحوظًا. علمًا أن نتنياهو، آخر القيادات التاريخية لدولة الكيان، خاصة أن القيادات الصهيونية البارزة التي ربما تأتي خلفًا لنتنياهو، في الغالب هي قيادات تنقصها الخبرة، وذات فكر يميني متطرف، ومن الممكن أن تتورط في إشكاليات وحروب، على أن تؤثر سلبًا أو ربما تعطل صفقة القرن.
• الاشكاليات السياسية داخل الولايات المتحدة الأميركية، فإدارة الرئيس الأميركي "ترامب"، تتخذ خطوات متسارعة في اتجاه صفقة القرن التي ربما قد لا تكون بتنسيق دولي، مما سيؤدي إلى تعارض بين المخططات الدولية وتحديدًا بين تركيا وأميركا، وروسيا وأميركا، وبالتالي تعطيل الصفقة. فعلى صعيد العلاقات الأميركية الأوروبية في مسألة تصريح ترامب حول نقل السفارة الصهيونية للقدس، أدت هذه الخطوة إلى إيجاد فجوة، وأزمة ثقة في العلاقات بين بعض الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأميركية.
• الموقف الرسمي الفلسطيني أكد أن ما تحمله صفقة القرن للقضية الفلسطينية "خطير جدًا"، ويهدف إلى تصفيتها وانهائها. فعلى الرغم من الانقسامات التي تعاني منها الحالة السياسية الفلسطينية، فالمعلن حتى اللحظة أن كلًا من السلطة الفلسطينية وكافة الحركات والتنظيمات الفلسطينية تأخذ موقفًا معارضًا ضد الصفقة. وتعمل على افشالها بكافة السبل سواء أكانت دبلوماسية عبر خطوات رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في هذا الاتجاه، أم ربما عسكريًّا من خلال اشعال حرب بين قطاع غزة والكيان الصهيوني. كما أثبتت التجارب السابقة أنه لا يمكن فرض حلول على الشعب الفلسطيني بالقوة خاصة إذا ما تعلق الأمر بالقدس والمسجد الأقصى وقضية اللاجئين.
• الشرعية الدولية: يعلم ترامب تمامًا أن قراراته واجراءاته وما يريده من "صفقة القرن" تتعارض مع القرارات والقوانين الدولية، وأنها انتهكت هذه القوانين والقرارات. في حين يمتلك الرئيس الفلسطيني أوراق قوة وهي المؤسسات الدولية والاقليمية الداعمة له خاصة الجمعية العامة للأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية ومنظمة الوحدة الاسلامية. كما يتسلح أيضًا عباس بمرجعية عملية السلام التي تقوم على أساس قراري مجلس الأمن 242 و338، وإن انهاء الصراع لا يكون بفرض حلول على الطرفين وانما من خلال طاولة المفاوضات.
• خطورة الملفات التي تتناولها صفقة القرن خاصة البعد الاقتصادي بها وقضايا "الغاز"، وهي مسائل أمن قومي بالنسبة للعديد من الدول، وأن حلّ هذه القضايا بالنسبة لها ليس بهذه السهولة عبر صفقة ما، مما قد يؤدي إلى اشتعال حرب اقليمية مستقبلًا.
والعامل الذي ربما يعدّ الأسرع في اشعال حرب اقليمية بهذا الخصوص، يتمثل في الصراع بين لبنان والكيان الصهيوني، خاصة بعد قرار وزير الطاقة اللبناني سيزار أبي خليل أن النزاع مع "إسرائيل" لن يمنع لبنان من الاستفادة من الاحتياطيات المحتملة تحت البحر في "المنطقة 9" محل النزاع. وهي الخطوة التي أثارت غضب "إسرائيل"، حيث أدانها وزير دفاعها أفيغدور ليبرمان الذي وصف الأمر بأنه خطوة "استفزازية للغاية"، كما حثّ الشركات الدولية على عدم المشاركة، في حين أكد وزير الطاقة "الإسرائيلي" يوفال شتاينتز أن جزءًا من المجمع رقم 9 يوجد في المياه التي تقول "إسرائيل" إنها تابعة لها، بينما هدد الأمين العام لحزب الله اللبناني السيد حسن نصر الله باستهداف منصات الغاز الصهيونية، في حال تعدّى الكيان الصهيوني على الغاز اللبناني.
- تقييم الدور الشعبي بعد قرارات ترامب:
على الرغم من حالة التردي العربي، وغياب الصوت العالي للرفض الرسمي لصفقة القرن، وما تقوم به سلطات الاحتلال الإسرائيلي من اعتداءات بحق الفلسطينيين ومدينة القدس المحتلة. استطاعت الشعوب العربية إحداث خرق في هذا الواقع المترهل، حيث شهدت كثير من الدول العربية حملات شعبية ومظاهرات رافضة للقرارات الأميركية، أبرزها في لبنان والسودان والأردن وتونس والمغرب ومصر والجزائر واليمن والكويت وغيرها.
وعُدّت مسيرات العودة التجلي الأبرز لرفض صفقة القرن على الصعيد الفلسطيني والعربي، فكانت التحدي الأوضح للمشروع التصفوي الأميركي "صفقة القرن". وبدأت المسيرات في ذكرى يوم الأرض في 30-3-2018، وتوالت أيام الجُمع، وقادت الجماهير الدفة، وأبدعت في أساليبها، حتى أحسّ الاحتلال بالخطر، فبات يهدد ويتوعد، لكنه فشل في رد شعب قرر العودة إلى أرضه، وجعل قبلته القدس والمسجد الأقصى. وأكد استمرار مسيرات العودة، بأدواتها البسيطة المبتكرة، ومشاركة الكل الفلسطيني فيها، والالتزام برفع العلم الفلسطيني فيها، فكانت إحدى أهم وسائل توحيد الشعب الفلسطيني. ويشير مراقبون إلى أن نموذج مسيرات العودة سيرهق الاحتلال ويستنزفه، لأنه سيدان أمام العالم لاستخدامه القوة المفرطة أمام العُزّل.
وفي مواجهة التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي، شهدت دول خليجية حملات لرفض كل أشكال التطبيع مع الاحتلال، ففي بداية عام 2018 أطلق نشطاء قطريون حملة على مواقع التواصل الاجتماعي بعنوان "شباب قطر ضد التطبيع" لرفض التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي من قبل مؤسسات وأشخاص قطريين، على خلفية مشاركة لاعب إسرائيلي في بطولة أقيمت في قطر. وفي الكويت أطلق الاتحاد الوطني لطلبة جامعة الكويت ورابطة شباب لأجل القدس حملة تحت شعار "كويتي ضد التطبيع" لمناهضة التطبيع مع الإحتلال الإسرائيلي، ونشر القائمون على الحملة لوحات إعلانية كبرى في شوارع الكويت، عبرت عن رفضهم الكامل للتطبيع بأشكاله كافة.
ويشير مراقبون إلى أن هذه الحملات والرفض الشعبي للتطبيع من أهم الأسباب التي تمنع القيادة الرسمية من المضي في خطوات التطبيع، في مقابل إطلاق كُتّاب وشخصيات شهيرة على الصعيد الخليجي للترويج للعلاقات الودية مع الإحتلال الإسرائيلي، في إطار تغيير الوعي الجمعي للشعوب الخليجية، وتقديم التطبيع على أنه مصلحة عليا للدول العربية الخليجية، وأن الاحتلال كيان طبيعي في هذه البيئة.
- كيف يمكن أن تواجه الشعوب العربية قرار ترامب؟
أمام الواقع العربي الرسمي المنبطح والمؤيد ضمنًا لهذه (الصفقة- المؤامرة) كان لا بدّ للشعوب أن تقول كلمتها، وتسعى إلى إجهاض هذه الصفقة عبر مشروع متكامل يجب العمل عليه، ومن أهم أشكاله:
- التظاهر الشعبي المستمر على غرار مسيرات العودة الكبرى في قطاع غزة، خاصة أمام مراكز الأمم المتحدة ووكالة الأونروا في البلدان العربية التي توجد فيها المؤسسات الأممية، وتحويل هذه التظاهرات إلى اعتصامات دائمة إن دعت الحاجة.
- رفع الضغط على الحكومات العربية، للاضطلاع بدورها حيال القضية الفلسطينية. خاصة الدول التي لا تمارس أي دور مباشر وواضح في دعم الفلسطينيين والتخفيف من معاناتهم.
- تنظيم حملات شعبية من خلال اللوحات الإعلانية والفاعليات المختلفة، إضافة إلى الحملات الإلكترونية لوقف التطبيع مع الإحتلال الإسرائيلي، وفضح المطبعين على مختلف الصعد والأشكال كافة.
- التظاهر أمام السفارات الأجنبية للدول الكبرى، لحمل هذه الدول المعنية على الضغط على دولة الاحتلال لوقف اعتداءاتها، وعدم التجاوب مع صفقة القرن.
- تنظيم فعاليات شعبية دائمة رافضة لصفقة القرن، تشمل فئات المجتمع، وخاصة فئات الطلاب والشباب.
- تفعيل المقاطعة الاقتصادية للبضائع الأميركية، والبدء بحملات مقاطعة للسلع ذات البدائل في البلدان العربية، وفي مقدمتها المطاعم والأجهزة الإلكترونية، وجعل حملات المقاطعة جزءًا من حراك شعبي مستمر ومتراكم.
- رفع الأحزاب والمؤسسات الأهلية من فاعليتها، وجهودها على صعيد التثقيف والتحريك الجماهيري، وتنظيم اللقاءات التفاعلية الرافضة للصفقة.
- تشكيل هيئات شعبية جامعة، تجمع نخب المثقفين والوجهاء والقيادات الحزبية، لقيادة حراك فاعل ودائم، وتحويل هذه الهيئات إلى لوبيات ضغط قادرة على إيصال نبض الشارع العربي لصناع القرار في العالم العربي.

- تضمين خطاب رفض الصفقة في خُطب الجمعة، وتوجيه علماء الأمة الجماهير العربية لرفض الصفقة والتحرك الفاعل انطلاقًا من المساجد.
- على الهيئات العلمائية العربية بيان حرمة التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي في كل مناسبة متاحة، والدفع لتبني المؤسسات الرسمية الدينية العربية لهذا الخطاب، وعدم التنازل عنه مهما كانت الضغوط الرسمية كبيرة.

- توجيه الدعاة والإعلاميين والفنانين الرساليين، الذين يمتلكون قاعدة جماهيرية كبيرة على وسائل التواصل الاجتماعي، للمشاركة في الحملات الرافضة للتطبيع، وبثّ الوعي بمخاطر القرارات الأميركية وصفقة القرن.

- نشر الوعي بأخطار صفقة القرن بين مختلف الأطر الشعبية، لرفع مواجهتها، وتحويل هذا الخطاب من خطاب نخبوي لا يصل إلى فئات الشارع، إلى خطاب للشباب والنساء والفتيان في إطار تثقيفي عام.

- تغليب خطاب الحوار والوحدة ضمن الشارع العربي، ونبذ الخلافات التي تشتت الجهود، في سياق تمتين الصف الداخلي في مواجهة الصفقات والتآمر الخارجي، واستعادة مظلة القدس وفلسطين كقضية جامعة توحد الجهود في وجه الصلف الأميركي المنحاز بشكل متزايد نحو الاحتلال الإسرائيلي.
- تنظيم حملات تبرع مالي في البلدان العربية لدعم الرباط والملفات الحياتية للفلسطينيين في الداخل، في إطار المشاركة في الهم الفلسطيني، ووضع التفاعل في مسارات التفاعل المباشر والتأثير.

- ملاحظة قصر النفس العربي في التفاعل مع قضايا الأمة، وضرورة جعل التحرك لا يرتبط بالأحداث الآنية فقط، بل يكون تفاعلًا دائمًا، ترفده الهيئات المدنية والشعبية، وتقوم بتفعيله النخب والمثقفين وقيادات المجتمع المدني.

- الدفع نحو إعداد مجموعات من الشباب، لقيادة هذه التحركات، واختيارهم على أساس الإنتماء الصادق لفلسطين والأمة، في إطار تشكيل الرأي العام العربي.

- تنظيم فعاليات فنية ورياضية وثقافية وأدبية حاشدة، وتمرير الرسائل المناسبة والمؤثرة خلالها.

- دفع المؤسسات التربوية إلى تبني مواجهة صفقة القرن لا سيما المدارس والجامعات والمعاهد حيث آلاف الشباب والشابات.
- كيف يمكن مواجهة قرار ترامب اعلاميًا؟

- في المصطلحات والرؤية: يجب إعادة الصراع إلى قواعده الأولى، والعودة لشعار "فلسطين كل فلسطين من البحر إلى النهر"، لأن المعركة ستكون في المرحلة المقبلة حول كل فلسطين وخصوصًا أراضي العام 1948.

- رفع شعار المعركة الشاملة، وبكل الوسائل، وتجنيد كل الوسائل الإعلامية الحديثة والتقليدية والجديدة ومواقع التواصل الاجتماعي للتركيز على كل التاريخ الفلسطيني (القرى، اللاجئون، العادات، التقاليد، الأغاني والأناشيد والأعراس، وأسماء المدن والقرى والعائلات) وكل ذلك بهدف حماية الهوية الفلسطينية.

- إيجاد شبكة تضم كل الهيئات العالمية من أجل أن تبقى القضية في أولويات الإعلام العربي والإسلامي والدولي، وهناك شبكات بدأت العمل منذ فترة، سواء من خلال المؤتمر الإعلامي العالمي من أجل فلسطين واتحادات الإذاعات والتلفزيونات الإسلامية ومؤسسة القدس والمؤتمرات القومية والعربية والإسلامية، أو المؤتمر الشعبي لفلسطينيي الشتات، أو مؤتمر حق العودة أو من خلال كل المؤسسات الفلسطينية العريقة أو الجديدة كمؤسسة الدراسات الفلسطينية أو مركز الزيتونة أو مركز باحث.

- التشبيك مع كل المؤسسات والجهات المؤيدة للحق الفلسطيني في العالم وخصوصًا الكنائس العالمية أو المؤسسات العربية والإسلامية ولا سيما في أوروبا وأميركا ودول آسيا، والتركيز على عنصرية الكيان الصهيوني وأنه يشبه نظام جنوب افريقيا خلال مرحلة التمييز العنصري.

- إعادة التركيز على النضالات اليومية للفلسطينيين من خلال قصص يومية في وسائل الإعلام وخصوصًا البعد الإنساني، وإعادة تسليط الضوء على المخيمات الفلسطينية سواء في الشتات أو في داخل فلسطين.

- إشراك الشباب والإعلاميين الجدد في العمل الإعلامي وتحويل كل بيت وكل انسان إلى منصة اعلامية للدفاع عن فلسطين وقضيتها وعدم الاعتماد فقط على الإدارة المركزية للعملية الإعلامية، مع أهمية وجود شبكات مركزية للإنتاج أو وضع الشعارات أو الخطط العامة.

الدكتور بسام حمود - نائب رئيس المكتب السياسي للجماعة الاسلامية في لبنان


عودة الى الصفحة الرئيسية