إختر من الأقسام
آخر الأخبار
لماذا تلجأ شعوبنا للنكات والسخرية في مواجهة كورونا؟
لماذا تلجأ شعوبنا للنكات والسخرية في مواجهة كورونا؟
المصدر : عربي بوست
تاريخ النشر : الجمعة ٢٩ نيسان ٢٠٢٤

في الوقت الذي يواجه فيه العالم كارثةً وبائية هي الأشد منذ عقود طويلة، يواجه العرب فيروس كورونا بحالة من السخرية وإطلاق النكات، في محاولة ربما لتبديد المخاوف منه، خصوصاً في ظل الظروف المتواضعة واستعدادات القطاعات الطبية، التي تواجه بها حكوماتهم الوباء، وتعرض اقتصادات بلدانهم المرهقة أصلاً لحالة من الركود التام، مع فرض معظم الدول هذه لحظر التجول خشية تفشِّي العدوى.

فما سبب لجوء الناس لهذا الأسلوب في مواجهة كورونا، وكيف كانت تجارب بعض الشعوب في السخرية والتندر على الوباء، وعلى الظروف الراهنة الصعبة التي تمر بها أوطانهم؟

لماذا نلجأ إلى السخرية في هذه الأوقات؟
تقول مجلة ذي أتلانتك الأمريكية، حول تفسير لجوء الكثير من الشعوب إلى إطلاق النكات والتندر على الوباء، إنها فقدت السيطرة والتواصل فيما بينها خلال المعركة مع كورونا، ليس فقط لأننا كشعوب غير قادرين على إيقاف العدوى التي تنتشر بيننا، بل لأننا مضطرون لتحمُّل هذا الواقع ونحن عاجزون ومعزولون في منازلنا. لذا نجد أن النكتة الآن هي درعنا الواقي الأكثر فاعلية، وبالتالي، نحن بالضحك نستطيع استعادة بعض السيطرة والتواصل، لأن الضحك هو في الأساس صوت اجتماعي يربط الناس معاً.

وفي عالمنا العربي، الذي يعيش منذ نحو 100 عام حالة من عدم استقرار، بسبب الاستعمار وتتابع الحروب والأزمات السياسية والاقتصادية التي لا تنتهي وغياب حالة الديمقراطية، يرى كثيرون من رواد مواقع التواصل الاجتماعي أن الأصعب من هذه الأيام قد مر علينا كشعوب، وهذا الفيروس المجهري الصغير الذي بات يرعب العالم هو مجرد “سبب من أسباب الوفاة الكثيرة” في عالمنا العربي، ولا بد من مواجهته بالسخرية وعدم الهلع، حتى نستطيع التغلب عليه.

كيف واجه العرب الوباء بالسخرية؟
مواقع التواصل الاجتماعي في العالم العربي حظيت بتدفق هائل من الميمات ومقاطع فيديو مضحكة والنكات حول فيروس كورونا، رآها كثيرون أنها أحد سبل مواجهة المرض، وأن الناس يجتمعون عليها ضد الوباء، ويستعيدون تواصلهم البشري الذي أجبروا على فقدانه بسبب الحجر المنزلي. في حين حذر البعض الآخر من التمادي بموجات السخرية والنكات، لأنها قد تؤذي مشاعر المصابين، وأنه علينا أن نكون حذرين أيضاً من تحول الفكاهة ضد الضعفاء أو المرضى، أو الأقليات الذين قد يتم اتهامهم بالتسبب في الأزمة.

إليكم بعض النماذج من دول عربية تعاملت بسخرية مع انتشار فيروس كورونا لديها:

مصر
في مصر، البلد الذي يتعامل أهله بكثير من السخرية والفكاهة مع الأزمات على الدوام، دشَّن ناشطون عدةَ وسومٍ ساخرة تتناول الأخبار المتلاحقة ببعض من الكوميديا السوداء، منتقدين ما وصفوه بالتعتيم الحكومي والتعامل الرسمي مع الأزمة، وتكميم أفواه الصحفيين المنتقدين للأرقام الرسمية.

واعتبر مغرِّدون أن اتساع نطاق السخرية والتشكيك في البيانات الحكومية حول محدودية انتشار الفيروس في مصر في بادئ الأمر؛ هو ما دفع دولاً عديدة إلى تصنيف مصر كبؤرة خطر وبلد مصدر للإصابات رغم عدم إعلان مصر تسجيل إصابات بعد؛ مما أدى إلى حظر دخول المصريين في كثير من الدول.

كما علَّق مغرِّدون بسخرية على قرار الحكومة المصرية تقديم مساعدات طبية لدول أخرى كإيطاليا، في حين أن الشعب المصري هو بأمسّ الحاجة لهذه الأدوات، معتبرين أن الكثير من المستشفيات في مصر أماكن غير صالحة للعلاج أصلاً، وهناك نقص حاد في معدات الكشف عن الإصابات في البلاد، وأن الأرقام ستكون أضعافاً مضاعفة عما هو معلن لو تم إجراء الفحوصات بشكل أوسع.

إلى ذلك، فقد أطلق المصريون مبكراً سيلاً من النكات على تصرفات وزيرة الصحة هالة زايد، عندما توجهت الوزيرة إلى المستشفى المخصص للعزل الصحي مرتدية الكمامة بطريقة خاطئة، ورغم تأكيدها أن الأمر كان مجرد تجربة، فإن ذلك لم يشفع لها، وتعرضت لسيل من التغريدات والرسوم الساخرة. كما غردوا بسخرية من إيفاد الوزيرة للصين، في تصرف لم يقُم به مسؤول في أي دولة؛ خشية تفشِّي الفيروس.

في حين تندَّر نشطاء مواقع التواصل على مظاهرة خرجت في الإسكندرية ضد فيروس كورونا، منتقدين التجمع في الشارع في الوقت الذي ينادي فيه الجميع بضرورة التزام المنازل لمكافحة انتشار الفيروس، حيث اعتبروا هذا التجمع بؤرة للعدوى وانتقال الفيروس.

الجزائر
تنوعت ردود الفعل تجاه حالة الفزع التي صاحبت المجتمع الجزائري، عقب تفشي وباء كورونا في البلاد، منها ما كان طريفاً وساخراً، وآخر غريباً. ورغم حالة الفزع التي أصابت المجتمع، عقب ارتفاع حالات الإصابة بالفيروس، فإن البعض وجدها فرصة لإيجاد روح الدعابة والطرافة.

ومن ضمن اللقطات الطريفة التي تداولها ناشطون، صورة لرجل ارتدى قناعاً من البصل عوضاً عن القناع الطبي. كما تغيرت بعض العادات خلال أيام الحجر المنزلي، فانتشرت صور لرجال يطبخون بدل زوجاتهم، أُرفقت بتعليق ساخر: “قشر الجلبانة خير ما تروح للجبانة” أي: “قم بتقشير البازلاء بدل أن تذهب إلى المقبرة”.

وفي تعبير احتجاجي على رفع أسعار مواد الوقاية الطبية، مثل الكمامات والقفازات، تداول ناشطون جزائريون فيديو لشاب تجوَّل في العاصمة الجزائر، مرتدياً كيساً بلاستيكياً أخضر اللون، وذا حجم كبير، عوضاً عن ارتدائه الأدوات الوقائية المعروفة (القفازات والكمامات).

وفي حين تفاعل ناشطون مع الأوضاع التي آلت إليها بلادهم في أيام كورونا بنوع من السخرية والتهكم، رفض البعض التعاطي مع ذلك، كما وجهت انتقادات لقناة خاصة، مؤخراً، انتحل صحفيوها صفة أطباء، ونزلوا إلى شوارع مدينة وهران (غربي البلاد)، لتصوير برنامج كاميرا خفية حول كورونا، تحضيراً لبثه في شهر رمضان. وعمد أصحاب البرنامج إلى فحص المارة والادعاء بأنهم مصابون بكورونا، ما خلَّف غضباً واستياء في أوساط الجزائريين.

لبنان
تعاني لبنان من أوضاع اقتصادية صعبة للغاية وربما كارثية، وقد جاء وباء كورونا ليزيد الطين بله من أوضاع اللبنانيين، حيث أعلنت الحكومة اللبنانية في مطلع مارس/ آذار، عن تخلّفها عن دفع الديون للمرّة الأولى في تاريخ البلد، ما يُعدّ شبه إعلان إفلاس. إلى جانب ذلك كله، تفتقر البلاد إلى بنى تحتيّة، ويعاني القطاع الصحي من مشاكل متراكمة، ونقص في الإمدادات والأجهزة والمعدات.

وسط هذا كله، واجه اللبنانيون وصول الفيروس لبلادهم بحالة من الكوميديا السوداء، إذ رأى البعض أن هذه “نهاية العالم” و “بدء القيامة” بالنسبة لهم، في حين اعتبر آخرون أن فيروس كورونا غير مرغوب فيه في لبنان، لأن البلاد تعاني بالأصل من “كورونا السلطة”.

وفي ظل “الحبسة” داخل المنازل منعاً لتفشي الوباء، انتشرت عشرات مقاطع الفيديو تُظهر لبنانيين يحتفلون ويغنون على شرفات المنازل، كنوع من التسلية والتضامن الجماعي عن بُعد.

وتأثر التفاعل مع الفيروس أيضاً بالحراك السياسي الذي ظل يشهده لبنان لعدة أشهر قبل وصول فيروس كورونا إليه، منتقدين أيضاً الحضور البارز لإيران في المشهد السياسي اللبناني حتى في ظل كورونا. ففي البلد الذي عرفت أول إصابة الطريق إليه عن طريق شخص قادم من إيران قبل أن تتوالى الحالات، ركز بعض رواد مواقع التواصل على هذه النقطة وتعاملوا أيضاً معها بسخرية. فقد كتب أحدهم على فيسبوك معلقاً: “حتى إنت يا كورونا؟ كل العالم إجاهم كورونا من الصين إلا نحنا إجانا من إيران!”.

سلاح جماعي يوحِّدنا
ولم يختلف الحال كثيراً بين رواد التواصل الاجتماعي في الدول العربية الأخرى، التي تعاني جميعاً تقريباً من أزمات اقتصادية وفقر وبطالة وعدم استعداد في القطاع الصحي، إذ سجلت تقريباً جميع الدول العربية حتى اللحظة وجود إصابات أو وفيات بسبب فيروس كورونا، ما عدا اليمن، البلد الذي ما زالت الحرب تمزقه، وربما يكون عدم تسجيل أي إصابات في تلك البلاد، هو لعدم وجود أي فحوصات أو اختبارات للفيروس من الأساس.

وفي النهاية، قد ترسم لنا حالة الفكاهة والسخرية في التعامل مع هذا الوباء في العالم العربي درجة من الوعي الجمعي على المستوى الاجتماعي والسياسي والثقافي الذي وصلت إليه مجتمعاتنا، وما تزال النكتة تجمع شعوبنا وتقرب فيما بينها على اختلاف المنابع والأصول والمعتقدات واللهجات، لتشكل النكتة الجماعية سلاحاً في وجه الخوف والهلع من المرض، ولتؤكد لنا أننا جميعاً متشابهون في الألم والمحنة، ومواجهة البلاء والوباء الذي لم يفرق بين أحد، وعمّ البلاد من أقصاها لأدناها.


عودة الى الصفحة الرئيسية