إختر من الأقسام
آخر الأخبار
إسرائيل تحاول إفراغ الجنوب من السكان... وأهالي العرقوب صامدون
إسرائيل تحاول إفراغ الجنوب من السكان... وأهالي العرقوب صامدون
المصدر : نذير رضا - الشرق الاوسط
تاريخ النشر : السبت ٢٧ أذار ٢٠٢٤

جدَّدت «مجزرة الهبارية» التي ذهب ضحيتها 7 مسعفين من البلدة في استهداف إسرائيلي لمركز طبي فجر الأربعاء، الإرث النضالي لأبناء منطقة العرقوب في جنوب لبنان ضد إسرائيل، من غير أن تبدد مسافة الاختلاف السياسي مع «حزب الله».

ومنطقة العرقوب هي مجموعة قرى تقع على الهضبة الغربية لجبل الشيخ، وتفصل جنوب لبنان عن الجنوب السوري، وتسكن قراها غالبية من المسلمين السنَّة، إضافة إلى الدروز والمسيحيين، وتحاذي تلك القرى مناطق تسكنها غالبية شيعية في مرجعيون، وتقع فيها الأراضي التي تحتلها إسرائيل منذ عام 1967، وهي مزارع شبعا وتلال كفرشوبا.

ومع أن الحزن يلف قرى العرقوب في جنوب لبنان، إثر الضربة الإسرائيلية لمركز الطوارئ والإغاثة الإسلامية في الهبارية فجر الأربعاء، فإنها جددت تاريخاً من «نضال» أبناء منطقة العرقوب التي «تدفع ضريبة الدم منذ 60 عاماً في مواجهة العدو»، كما يقول سكانها، على ضوء استضافتها للمقاومة الفلسطينية، وتحويلها إلى منطلق لعمليات الفدائيين ضد إسرائيل، مطلع السبعينات، وتعرضت قراها لتدمير متواصل أكثر من مرة، إثر هجمات إسرائيلية منذ الستينات.

وعُرفت العرقوب خلال الستينات والسبعينات بأن الغالبية الساحقة من سكانها كانوا ينتمون إلى «الحركة الوطنية» المتحالفة مع «منظمة التحرير الفلسطينية»، إضافة إلى أحزاب «البعث» العراقي والسوري، و«الحزب الشيوعي» و«منظمة العمل الشيوعي» و«الحزب التقدمي الاشتراكي» والمنظمات الفلسطينية.

ويقول الباحث السياسي والأستاذ الجامعي باسل صالح إن المنطقة «تمتاز بإرث نضالي طويل في مواجهة الاضطهاد المباشر والاعتداءات المتكررة، وقدمت تضحيات كبيرة على مدى حِقَب متنوعة، ودُمّرت قراها واحتُلّت»، لذلك «لم يتخلَّ أبناؤها عن الإرث الوطني وعن دعمهم للفلسطينيين، وعن تضامنهم معهم». ويشير إلى أن هذا التضامن اكتسب أخيراً بُعداً جديداً في المعركة الأخيرة، من خلال مشاركة «الجماعة الإسلامية» في القتال، ولو ضمن إطار محدود، بالنظر إلى «خصوصية» الجماعة وارتباطها بالإسلام السياسي وتفاعلها مع حركة «حماس».

وجرى التعبير عن التعاطف والتضامن والتأييد، بالمواقف، وبقتال محدود قادته «الجماعة الإسلامية» وحدها انطلاقاً من المنطقة ضد المواقع الإسرائيلية المقابلة في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا. ولأن النشاط العسكري لم يكن واسعاً، بقي معظم السكان في قراهم، وهو ما أكدته مصادر ميدانية في الفرديس وكفر حمام لـ«الشرق الأوسط»، قائلة إن غالبية المقيمين على مدار السنة في البلدتين لم يغادروها، ومَن غادرها خلال الأسبوعين الأولين من المعركة عاد إلى بلدته وتآلف مع أصوات القصف والمخاطر».

غير أن هذا الواقع تسعى إسرائيل لتغييره، وذلك في الضربة التي وجَّهتها لمركز مدني وإسعافي، كما يقول صالح الذي يتحدر من المنطقة لـ«الشرق الأوسط»، موضحاً أن «استهداف المسعفين والمدنيين هو تقصُّد إسرائيلي لاستهداف أي تجمع بشري مدني»، لافتاً إلى أن هذه الضربات «تحاول إسرائيل به إفراغ الجنوب من السكان عبر التدمير الممنهج، مما يتيح لها التعامل مع الموجودين في المنطقة على أنهم مقاتلون، وبالتالي تشرع استهدافهم». ويرى صالح أن الجانب الإسرائيلي يسعى لإفراغ المنطقة، لأنه يتوجس من كتلة سنية على امتداد فلسطين تتفاعل مع الفلسطينيين، وهي تمثل امتداداً مذهبياً وجغرافياً.

ورغم الرابط الوطني مع الفلسطينيين، الناتج عن التنوع السياسي والطائفي، إن ذلك لا يبدد المسافة السياسية بين سكان هذه المنطقة و«حزب الله»، وهي مسافة بدأت في عام 2005، وتكرست في الحرب السورية والانقسامات السياسية الداخلية، وأنتجت اقتراعاً ضد الحزب وحلفائه في الانتخابات النيابية الأخيرة، في عام 2022، حيث أنتج تصويت أبناء العرقوب خرقَين في لائحة الحزب وحلفائه، ووصل النائب إلياس جرادة، كما وصل النائب فراس حمدان إلى البرلمان.

ويؤكد السكان أن «الاختلاف السياسي حق، وهو أمر مشروع، سواء بالاختلاف مع (حزب الله) في السياسة الداخلية، أم في ملفات أخرى»، لكن الموجة الأخيرة من التعاطف مع الفلسطينيين وتأييد بعضهم للنضال ضد إسرائيل، لم يقربهم من الحزب، أو يلغي التباعد والتباين السياسيين.

ويقول صالح: «لا يمكن القبول بهذا النموذج من الاعتداء الإسرائيلي المتواصل، والأهالي هنا يرفضون العودة إلى حالة الاحتلال، وهذا حقهم المشروع»، لافتاً إلى «نقمة كبيرة على إسرائيل على ضوء القصف الممنهج والمتواصل»، لكن أكد أن هذا الرفض لإسرائيل لا يعني إلغاء للخلاف السياسي مع الحزب. ويشير إلى «خصوصية التعدد السياسي والطائفي في العرقوب وحاصبيا، والعلاقات الاجتماعية بين الدروز والسنة والمسيحيين التي تستدعي هذه البانوراما القائمة على التمسك بالهوية اللبنانية والأرض».


عودة الى الصفحة الرئيسية