إختر من الأقسام
آخر الأخبار
الفائدة على التسليفات لا تزال مرتفعة.. والمصارف تُحقق الربح
الفائدة على التسليفات لا تزال مرتفعة.. والمصارف تُحقق الربح
المصدر : ليا القزي - الأخبار
تاريخ النشر : الجمعة ٢٩ شباط ٢٠٢٤

ردّت جمعية المصارف على قرار البنك المركزي تخفيض الفوائد على الودائع، بإصدار بيان يُفيد بخفض الفائدة على القروض. الإجراء الأخير أتى سريعاً هذه المرّة، بهدف امتصاص نقمة القطاع الخاص، ومحاولة تقليص نسبة القروض المتعثرة. رغم ذلك، لا تزال الفائدة على التسليفات مرتفعة، وتسمح للمصارف بالحفاظ على هامش كبير من الربحية «المدعومة» أصلاً بالفوائد السخية التي يدفعها مصرف لبنان على ودائع المصارف لديه، والتي لم يُظهر بعد أي إشارة إلى نيته تخفيضها!

سريعاً، لبّت جمعية مصارف لبنان طلب حاكم البنك المركزي رياض سلامة، إصدار تعميم لتخفيض أسعار الفائدة المرجعية (BRR) على القروض. أصدرت أمس بياناً ذكرت فيه أنّ الفائدة على التسليفات بالدولار أصبحت 6.75% بدلاً من 8,50%، و9% للتسليفات بالليرة اللبنانية بدلاً من 11,50%. هي الخطوة الثانية، بعد القرار الوسيط تحت رقم 544، الذي أصدره مصرف لبنان أول من أمس، لخفض الفائدة على الودائع (حدّد الفائدة على الودائع بالعملات الأجنبية بـ: 2% على الودائع لشهر واحد، 3% على الودائع لستة أشهر، 4% على الودائع لسنة وما فوق. أما بالنسبة إلى الودائع بالليرة اللبنانية، فقد حدّد القرار فائدتها بـ 5.5% على الودائع لشهر واحد، 6.5% على الودائع لستة أشهر، و7.5% على الودائع لسنة وما فوق). في قراره، أوعز سلامة إلى جمعية المصارف أن تعكس تخفيض معدل الفوائد الدائنة في احتساب معدلات الفوائد المرجعية لسوق بيروت (BRR). وقالت «الجمعية» في بيانها: «تأتي هذه التخفيضات الجوهرية والهامّة كتطبيق مُسبق للتعميم المذكور، أي من دون انتظار فترة استحقاق الودائع التي تراوح بين شهر وستة أشهر». وفي الجملة الأخيرة الكثير من ذرّ الرماد بالعيون. فبعيداً عن «التمنين» المُمارس بأنّها لن تنتظر انخفاض مصاريف دفع فوائد الودائع، حتى تُخفّض الفوائد على الاقتراض، المصارف هي أكثر المُستفيدين من تعميمها أمس. أولاً، لأنّ الفائدة على القروض تُحدّد بموجب عقود بين الطرفين، وهي تنقسم إلى فئتين: فوائد ثابتة، لن تتأثر بتخفيض الفوائد، وفوائد متحركة سيُطبّق الإجراء الجديد فوراً عليها. والمصارف المهتمة بتقليص قيمة القروض المتعثرة، وتُريد «إغراء» الدائنين لإيفائها، تملك «هامش» إدخال تعديلات بسيطة على الفوائد التي تحصّلها على القروض، بعد أن أزاحت عن كاهليها همّ الفوائد التي تدفعها على الودائع، ولا سيّما أنّ القسم الأكبر منها (نحو 85 في المئة) يستحق في غضون شهر وثلاثة أشهر و6 أشهر. كما أنّ المصارف استفادت من إتاحة مصرف لبنان لها دفع نصف الفوائد بالدولار، والنصف الآخر بالليرة حسب السعر الرسمي. في المقابل، لم يُقدم «المركزي» على ما هو أهمّ من كلّ ذلك: خفض الفوائد السخية التي يدفعها على شهادات الإيداع وعلى ودائع المصارف لديه (بحسب تقديرات الخبير الاقتصادي توفيق كسبار، دفع مصرف لبنان عام 2019 وحده نحو 6 مليارات دولار فوائد للمصارف. وهذا المبلغ غير المليارات التي تجنيها المصارف من الخزينة العامة كفوائد على الدين العام).
سابقاً، كانت المصارف تنتظر استحقاق النسبة الأكبر من الودائع لديها، وبالتالي انخفاض الكلفة التي تتكبدها، قبل أن تُجري أي تغيير بنسبة الفوائد على القروض، فتُحافظ على هامش مُرتفع من الربح. فلماذا قرّرت الجمعية الخاصة، غير المُنضبطة في العادة، الردّ على قرار المصرف المركزي قبل انقضاء الأربع وعشرين ساعة؟ يُجيب رئيس قسم البحوث والتحاليل الاقتصادية في مجموعة «بنك بيبلوس»، نسيب غبريل، بأنّ المصارف «تشعر بالأزمة وتجاوبت سريعاً مع قرار مصرف لبنان لأنّها تُريد أن تُخفّض أعباء الفوائد على القطاع الخاص». إلا أنّ مصادر مصرفية وسياسية أخرى، تعتبر أنّ «الضغط الشعبي والرسمي المُمارس على المصارف لخفض فوائد القروض لعب دوراً كبيراً. وسيُستكمل بحملة ينوي نواب من كتل نيابية متنوعة إطلاقها لإجبار المصارف على تخفيض فوائد التسليفات، ولا سيّما على القروض بالعملات الأجنبية إلى مستويات مُتدنية، إذ أنها لا تزال مرتفعة، رغم قرار جمعية المصارف أمس».
ما هي الفائدة المرجعية لسوق بيروت (BRR) التي أعلنت «الجمعية» خفضها أمس؟ هي أداة مُهمّة تُحدّد العلاقة بين «طرفَي العقد»، أي المصارف والعملاء. تُعتمد كمرجع لاحتساب الفوائد على القروض. تُضاف إليها نسبة تتراوح بين 2% و2.5% لمعرفة الكلفة الفعلية على الاقتراض التي يتكبّدها القطاع الخاص والأسر، ما يعني أنّ التخفيض الأخير «مُموّه»، لوجود تكاليف ستٌضاف إليه (الفائدة المرجعية على قروض الدولار 6.75%، ما يعني أن الفائدة التي سيدفعها المقترض ستكون بين 8.75% و9.25%، وهي فائدة مرتفعة جداً). الأهمية الاقتصادية للفائدة المرجعية، وتأثيرها المُباشر على القطاعات الصناعية والمُنتجة في البلدان، يجعلان تحديدها عالمياً من مسؤولية لجان رقابية أو رسمية. أما في لبنان، فتُترك بين يدَي المصارف الخاصة الساعية دوماً إلى مراكمة أرباحها، بمعزل عن المصلحة الاقتصادية العامة. وواحد من الأدلة على ذلك، الحفاظ على هامش كبير للمداخيل والأرباح بين الفوائد على التسليفات والفوائد على الودائع. النائب آلان عون قام بعملية حسابية، مبنية على كلفة الودائع بالدولار والليرة اللبنانية، ونسبة الفوائد عليها، وقارنها بكلفة خفض الفوائد على الاقتراض، فوجد أنّ كلفة الفوائد التي تدفعها المصارف على الودائع بالدولار انخفضت بنسبة 47%، أما على الودائع بالليرة فانخفضت بنسبة 28%. في المقابل، لم تنخفض الفائدة التي تجبيها المصارف على التسليفات بالدولار سوى 21%، و22% على التسليفات بالليرة. النتيجة دفعت عون إلى الطلب من المصارف: «ارحموا المقرضين، أكانوا مؤسسات أم مواطنين، لكي يتمكنوا من الصمود في هذه المحنة».

النقطة الثانية التي وردت في بيان جمعية المصارف، أنّ «منحى التخفيض الكبير لهذه المُعدلات المدينة المطبّقة على القطاع الخاص ستشمل قريباً تخفيضاً موازياً لكلفة المديونية العامة، والتي من المتوقّع التوصّل إليها بالتعاون مع وزارة المالية كمدخل لإعادة جدولة الدين العام وإعادة هيكلته، بحيث تُصبح خدمة المديونية العامة قابلة للاحتمال، وبحيث تتحرّر موارد للخزينة العامة يُمكن استعمالها لتعزيز وظائف الدولة الاقتصادية والاجتماعية». بعيداً عن الخلط بين مفهومَي «إعادة الهيكلة» (شطب الدولة لنسبة من قيمة السندات) و«إعادة الجدولة» (أن يُفرَض على حاملي السندات تأجيل الدفع وإعادة الاكتتاب على فترات طويلة مع تغيير في الفوائد)، تُبدي المصارف للمرة الأولى استعداداً لتخفيض الفوائد على الدين العام. يأتي ذلك بعد نشر «كابيتال إيكونوميكس» يوم الأربعاء تقديراً بأنّه «قد يتعين على حائزي السندات اللبنانية شطب 70 بالمئة من استثماراتهم... وسيلتهم ذلك رؤوس أموال البنوك، وستصل كلفة إعادة رسملة البنوك إلى حوالى 25 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي». تقول مصادر متابعة إنّ «الأزمة الحادة التي تُعانيها المصارف، وخطر الإفلاس الذي يُهدّدها، والخوف من الخسائر التي ستتسبب بها عملية قصّ الديون، دفعت بها إلى هذا الإعلان»، الذي لا يزال بلا قيمة عملية له. أضِف إلى ذلك أن المصارف تريد تقديم «رشوة صورية» للدولة، من خلال التلويح باستعدادها لإعادة جدولة الدين الداخلي (بالليرة اللبنانية)، لإغراء الحكومة بدفع الديون الخارجية (اليوروبوزدر - بالدولار)، التي تحمل المصارف اللبنانية الجزء الأكبر منها، وتستحق الدفعة الأولى منها لهذا العام في آذار المقبل.


عودة الى الصفحة الرئيسية