إختر من الأقسام
آخر الأخبار
مهجَّرو الانفجار لا يدرون إلى مَن يلجأون وماذا سيحلّ بهم!
مهجَّرو الانفجار لا يدرون إلى مَن يلجأون وماذا سيحلّ بهم!
المصدر : فرح نصور - النهار
تاريخ النشر : الجمعة ٢٩ آب ٢٠٢٤

مخلّفات انفجار 4 آب المشؤوم من دمارٍ وويلاتٍ لا تُحصى. الناس تائهون لا يعرفون إلى من يلجأون جراء الكارثة التي حلّت بهم. منهم مَن ترك بيته لتوافر بديل له في منطقة جبلية، ومنهم مَن لجأ إلى أقاربه، ومنهم مَن لم يجد أيّ حلّ، فراوح مكانه فوق حطام منزله، لا يدري ماذا يفعل بحاله. لم يتواصل أيّ من الجهات الرسمية المعنيّة بالمتضررين للتعويض عليهم، أو لتصليح الأضرار، أو حتى لإيجاد أماكن سكن بديلة. مشاهد البيوت المدمرة تدلّ على أنّ حرباً كانت تدور في البلاد وليس "انفجاراً عرضياً". في السطور التالية، بعض المهجّرين يروون حكاياتهم بعد التفجير، وما زال مصير عودتهم إلى منازلهم حتى الآن مجهولاً.

ماري، امرأة كانت تسكن في منزلٍ قديمٍ بين مار مخايل والأشرفية قرب درج الفاندوم. بعد الانفجار-الزلزال، تصدّع منزلها الكائن على الطابق الأول في مبنى مؤلف من طابقٍ أرضي وطابق أول. لحظة الانفجار كانت خارجة من المنزل ودفعها ضغط الانفجار من باب البيت إلى الأريكة حيث أُصيبت بيديها ورجلها. "الرب نجّاني، بيتي غير قابل للسكن حالياً، فـالحيطان متصدّعة وكلّ شيء تهدّم في البيت، إذ لا سقف فوقي يحمي منزلي، والمطبخ تدمّر بالكامل، عليّ تأسيس بيتٍ جديد، لا يمكنني حتّى أن آتي بقشّة من البيت، فهناك خطرٌ عليٌ إن دخلته وهو متصدّع". اضطرت المرأة إلى اللجوء إلى أقربائها للنزول عندهم. لا تدري ماذا ستفعل بحالها. أحد لم يتصل بها للتعويض أو لتصليح ما يمكن تصليحه أو لإيجاد منزلٍ بديل. انفجرت بالبكاء قائلة: "ليس لدينا المال، فماذا عسانا أن نفعل بنصف وربع راتب، أقربائي ماتوا في الانفجار وأصدقائي أُصيبوا، إنّها كارثة كبرى حلّت علينا، لا ندري إلى أين سوف نذهب بعد الآن، وماذا سيحلّ بنا".

كانت غلاديس تعيش في مارمخايل مع والدتها قبل الانفجار وبيتهما يُصنَّف من البيوت الأثرية في المنطقة. انفجر الحائط فيه وطار. دُمّر كل ما فيه، ولم يعد صالحاً للسكن. فالدمار أيضاً حلّ بالبناية كلها. الباطون نُزِع من مكانه وواجهة المنزل كلّها تطايرت. قد يكلّف تصليح الأضرار نحو 50 مليون ليرة بأقل تقدير، ولا تملك غلاديس من المبلغ شيئاً، فدواء والدتها وحده يكلّفها 8 ملايين ليرة. "أنا تائهة لا أدري إلى من ألجأ، أحاول إيجاد رأس خيط يوصلني بمَن يساعدنا في هذه الكارثة لتصليح منزلي، تواصلت مع مختارة منطقتنا، لكنّني لم أصل إلى نتيجة"، تروي المرأة المهمومة. كلّ المباني في محيط منزلها الكائن في مار مخايل مقابل درج جعارة، "مشرَّعة". ابنة أختها ما زالت تحت صدمة الانفجار، فهي من الرعيل الجديد الذي لم يختبر دماراً بهذا الحجم. انتقلت ووالدتها إلى بيتهما الثاني في منطقة غزير، ريثما يجدان الحلّ لهذه الكارثة.

لا أرقام دقيقة حتّى الآن عن عدد الأفراد الذين تهجّروا من الرميل. إنّما، ما لا يقلّ عن 800 أو 900 عائلة هجّرت من هناك، يسرد مختار منطقة الرميل، بشارة غلام. فهذه المنطقة تضمّ جزءاً كبيراً من مار مخايل والجميزة، وتمتدّ إلى الجعيتاوي ومستشفى الروم وفسّوح ومار نقولا. يعمل المختار مع الجهات العربية والأجنبية التي ساندت لبنان في هذه الكارثة، ودعمته في تأمين المواد الغذائية والحاجيات لمَن تضرّر في الانفجار. هناك أعداد هائلة من الأشخاص الذين يقدّمون استمارات لدى المختار للتبليغ عن أضرارهم. لكن "الدولة والحكومة لا تؤديان واجباتهما كما يجب" يشرح المختار. ليس هناك آلية واضحة للمواطن أو للمخاتير لمعرفة ما يجب فعله، فـ "المخاتير لم يبلَّغوا بشكل رسمي عن مهامهم في هذه الكارثة، والناس تائهون لا يعرفون ما عليهم فعله في مصيبتهم ".

وأكد محافظ بيروت بيروت القاضي مروان عبود لـ"النهار" أنّ "عملية مسح أعداد المهجرين والأضرار مستمرّة بالتعاون مع الجيش والمكاتب الهندسية، ونظراً إلى أنّ حجم الدمار فإنّ عمليات المسح لن تنتهي في غضون بضعة أيام". وأضاف عبود أنّ "قيمة الخسائر في مستشفى الروم تُقدّر بـ44 مليون دولار".

أحد سكان مار مخايل المتضرّرين أيضاً، ربيع فغالي، ينام لدى أخته في منطقة طريق الجديدة منذ وقوع الانفجار. لا يمكنه البقاء في منزله فهو خالٍ من جميع النوافذ والأبواب، والمطبخ مهدّد بالوقوع فهو متصدّع بالكامل. "البيت مُخيف، ومليء بالتشققات في الحيطان"، يروي فغالي. فضّل فغالي ألّا يكمل حديثه، فالحال الاقتصادية صعبة، وقد اتّفق سكان المبنى المكوّن من ثلاث شققٍ أن يتقاسموا تكاليف الأضرار، لكنّ ربيع ليس باستطاعته. سيبقى لدى أخته حتى الفرج، إذ أحد لم يتواصل معه من أيّ جهة لتصليح منزله أو تأمين منزل بديل.

ريتا، تسكن في المنطقة عينها. كانت والدتها في المنزل عند وقوع الزلزال. نجت من الموت، إذ كانت تقف على شرفة من شرفات منزلها، حيث وقع حيط المبنى المحاذي لهم على شرفتهم الأخرى. البيت "دمار لا يُوصف، حتّى أساطيل المياه تفجّرت، علينا بناء بيت جديد الآن"، تقول الصبية. طبعاً اختفت النوافذ والأبواب. ثمّة أناس على الأرض عرضوا عليهم بيتهم الكائن في منطقة الحمرا لكي يسكنوا فيه، وهذا ما حدث. لا يدرون ماذا سيفعلون الآن وما عليهم فعله. تواصل معهم كلّ من الصليب الأحمر، بعض الجمعيات، منظمة اليونيسف، والبلدية للمساعدة.

جيرانهم في المبنى الذي وقع على شرفتهم، توفّيت السيدة المسنّة التي كانت تعيش فيه، وزوجها كسر حوضه، وهو غير موجودٍ بطبيعة الحال هناك.

لم يبقَ شيء من البيت بتاتاً لدى توفيق. "البيت انتُزع من أساساته"، الأبواب والشبابيك والزجاج خرقت الخزائن، ومن المستحيل السكن فيه. صودف أنّه خرج من المنزل قبل عشر دقائق من الانفجار وكان قد أوصل والدته إلى بيتهم في الجبل قبل ساعتين. ربّنا أراد أن يشفق عليهما. إنّها المرة الخامسة التي يتضرّر فيها منزله منذ أن وُلد في لبنان، والهيئة العليا للإغاثة لم تتواصل معه حتى الساعة.

يعيش أحمد، من الجنسية السورية مع ابنه وابنته وعائلتيهما في منطقة الجميزة، حيث دمّر الانفجار معظم بيته. يحاول إيجاد منزلٍ بديلٍ، إذ لا يمكنه البقاء من دون شبابيك ونوافذ، لا سيّما أنّ الزجاج المتناثر اخترق الأغطية والفرشات والستائر، وأصبح لا بدّ من تلفها لأنّ شظايا الزجاج تشكّل خطراً على من يلمسها. حتّى أغراض المطبخ لم تعد صالحة للاستخدام. يعيش في لبنان منذ 23 عاماً، لكن تدهورت أحواله منذ اندلاع الثورة في العام الماضي. الأوضاع صعبة، فهو حاول ترميم الزجاج لكنّ الأسعار المطلوبة خيالية. فمنزله من المنازل القديمة المليئة بالنوافذ، ذو واجهة كبيرة، كلّها تهدّمت، وعليه تصليح هذه الأضرار قبل حلول الشتاء. بقي وعائلته في المنزل لعدم وجود منزل بديل، ولم يتواصل أحد معه، وهو لا يدري ما هي حقوقه كأجنبي في حالات كهذه.

مختار منطقة الأشرفية، إيلي صباغة، يؤكّد على أنّه حتّى الآن ليس ثمة أرقام عن عدد الأشخاص الذين تهجّروا من المنطقة. لكنّهم لم يسمعوا أنّ أحداً تهجّر جراء الانفجار، فالأضرار من تحطّم زجاج وأبواب، لم تدفع بالناس إلى التهجير، وبقوا في منازلهم رغم هذه الأضرار.

تركّزت الأضرار الجسيمة التي لحقت بمنطقة الكرنتينا، على المؤسسات مثل sleep comfort وmercedes ومعمل للحديد. كما أنّ السيارات معظمها دُمِّرت. أمّا في المباني السكنية، فكانت الأضرار خفيفة كتحطّم زجاج وأبواب، ما لم يدفع بسكان المنطقة إلى الانتقال إلى أماكنَ بديلة للسكن، وفق مختار منطقة المدوّر، أحمد دعيبس. وهناك مبنى صغير مهجور قد تصدّع، وطلب المختار من القوى الأمنية هدمه كيلا يكون مصدر خطر.


عودة الى الصفحة الرئيسية