إختر من الأقسام
آخر الأخبار
خطوة جيّدة: الطائفة السنية ترفع سن الزواج إلى الـ 15... ماذا عن التطبيق؟
خطوة جيّدة: الطائفة السنية ترفع سن الزواج إلى الـ 15... ماذا عن التطبيق؟
المصدر : جودي الأسمر - النهار
تاريخ النشر : الأربعاء ٢٤ أيار ٢٠٢٤

يشكّل قرار المجلس الإسلامي الشرعي الأخير برفع سن الزواج إلى 15 سنة لدى الطائفة السنية وإشراط هذه السن بمعايير، خطوة إيجابية نحو الحد من الارتدادات المهولة التي يرتبها الزواج المبكر على الأنثى والأسرة والمجتمع، وتطورًا في النظرة لقوانين الأحوال الشخصية لجهة الإقرار بجانبها الوضعي، وبأن تمتثل أقلمة هذه القوانين لمصلحة المجتمع والإنسان.

ووحّد القرار سنّ الزواج بـ18 لكلا الجنسين، بينما كان قبل التعديل 18 سنة للذكر، و17 سنة للأنثى، وكان بإمكان القاضي الإيذان بزواج القاصر الذي أتمّ الـ12 سنة والقاصرة التي أتمّت الـ9 سنوات في حال بلوغها وبعد إذن وليّ الأمر.

وصدر القرار بموافقة أكثرية أعضاء المجلس الشرعي الإسلامي على تعديل نظام أحكام الأسرة رقم 46/2011، ليشمل فصلا جديدا في زواج #القاصرات والقاصرين، ونُشر في الجريدة الرسمية بتاريخ 22 نيسان 2021.

وفيما يجسد هذا التعديل تغيراً في معادلات الزواج لدى الطائفة السنية في لبنان، وتتناوله الأواسط السنية ومنظمات غير حكوميّة نسويّة من مناظير بعضها مؤيد وبعضها يعتبره غير مكتمل أو قابل للتحسين، نتناول هذه الخطوة في جوانبها الشرعية والقانونية والاجتماعية.

شرعياً: 3 تصنيفات لطلب الزواج

رئيس المحاكم الشرعية السنية العليا، القاضي الشيخ #محمد عساف، يقول لـ"النهار": "إن قانون حقوق العائلة العثماني المعمول به لدى المحاكم الشرعية السنية في لبنان، كان ينصّ على أن الأنثى تزوج بعمر 9 سنوات والذكر بعمر 12 سنة، بإذن ولي الأمر. أما الأنثى البالغة 17 سنة والشاب البالغ 18 سنة، بإمكانهما تقديم طلب زواج بدون موافقة ولي الأمر".

الجديد في هذا التعديل هو "توحيد سن الزواج بـ18سنة للذكر والأنثى، وارتفاع السن الأدنى للزواج وتحديده بـ15 سنة بشروط. وما دون هذه السن، يمنع الزواج نهائيا، وتحت أي ظرف، لن تقبل المحكمة بالزواج".

أما للفئة العمرية بين 15 و 18 سنة، يلزم عقد الزواج بـ"إذن خاص من القاضي، بشرط عرض الأنثى على طبيبة صحة وطبيبة نفسية، للتأكد إذا بنيتها مهيئة للزواج ولديها استعداد نفسي للزواج والتأكد من أن الأنثى غير مجبرة عليه"، وفي حال أشارت التقارير إلى غياب الأهلية النفسية والجسدية، يتعين عليه رفض إعطاء الإذن بتزويج القاصر بين 15 و18 سنة.

وعليه، يقسم القاضي عساف طلب الزواج الى ثلاثة أصناف:

- لا يستوجب إذنا خاصا نهائيا: من سن 18 وما فوق، ويتطلب العقد شروطاً إدارية روتينية (أوراق ثبوتية وفحوصات دم...)
- يُمنع زواجه نهائيا: ما دون سن الـ15.
- يستوجب إذنا خاصا من القاضي الشرعي: بين 18 و15 سنة، في حال توفر الشروط العقلية والنفسية والجسدية.
ويشير إلى أن "تطبيق القرار يخضع القضاة للرقابة على القضاة لأنه نص قانوني نافذ، وأي قاضٍ مخالف سيحال الى تدابير مسلكية".

وكان القاضي محمد عساف قد طرح هذا التعديل أمام المجلس الاسلامي الشرعي منذ عام 2016، في موازاة مقتراحات قوانين مدنية طرحت قضية زواج القاصرين في البرلمان.

ويتابع "إحدى الدوافع لإقرار القانون، جاءت من نسبة عالية لحظها تزويج السوريات القاصرات منذ وفود السوريين في عام 2011. وخلال عملي سابقا قاض للزواج منذ عام 2000، كثيرا ما رفضت معاملات تزويج من لم تتعدّ أعمارهن 13 سنة، لأنهن أطفال، إلا أن بعض القضاة كانوا يبيحون ذلك بموجب القانون".

لذلك، "كان لا بد من إقرار قانون يلزم جميع القضاة بسن أعلى لقبول عقد الزواج".

ويذكر أنه في عام 2011 "رفعنا سن الحضانة من 7 للذكور و9 للاناث إلى 12 سنة للجنسين"، وهي خطوة سابقة في سياق تعديلات بقوانين الأحوال الشخصية، وهي "عرضة دائما للاجتهاد في التشريع مثلما لحظنا اليوم، بالاستناد إلى غياب النص الديني الملزم وأهمية المصلحة العامة".

قانونيا: إيجابيات ورقابة
ويلحظ هذا التعديل، نقاط التقاء واختلاف مع اقتراح قانون "تنظيم زواج القاصرين"، الذي تقدم به النائب السابق المحامي #غسان مخيبر الى البرلمان اللبناني في أيلول 2014.

وأنتج المقترح حينذاك أخذا وردا بين اللجان البرلمانية (حقوق الإنسان، الإدارة، المرأة والطفل) وعدد من مؤسسات المجتمع المدني، والهيئات النسائية اللبنانية التي اتخذ بعضها منطق المفوضة بتسجيل "موافقة مع التحفظ". كما شاركت الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية بتعديلاته.

وفي اقتراح مخيبر الذي يراعي قوانين الأحوال الشخصية المعمول بها في لبنان، لا تعديل في سن الزواج. إلا أنه فرض ضوابط قانونية، إذ يشترط تزويج القاصر بإذن خاص من قاضي الأحداث، مع إمكانية الاستعانة بالضابطة العدلية للتحقيق. ويعاقَب الاقتراح رجال الدين الذين يعقدون الزواج، والأهل الذين يتجاهلون موافقة القضاء.

في ضوء مقاربته لهذا الملف، يرى غسان مخيبر أن نظام المجلس الإسلامي الشرعي الجديد "متقارب في إطاره العام مع القانون المدني الذي طرحناه، لجهة الحد من تزويج القاصرات وحمايتهن من التزويج المبكر. ويوفر هذا القانون ضمانات بإمكان بعض الطوائف أن تحذو حذوها، وقد أجاز زواج "القاصر المميز" بشروط محددة"، منوّها بأن "هذا المنطق يبدو اليوم الأكثر فعالية، لأن المشرع اللبناني لا يزال يوكل تنظيم شؤون الأحوال الشخصية للطوائف الدينية (المادة 9 من الدستور)، وتبدو معايير #المحكمة الشرعية جيدة إلى حين تعديل هذه المادة، إلى أن يصار لإقرار #قانون مدني موحد للأحوال الشخصية".

ومن إيجابياته أيضا "جعل سن الرشد للزواج 18 سنة للإناث والذكور، لناحية أن المحكمة الشرعية لم تعد تحصر أهلية الزواج بسن البلوغ (9 لدى الاناث و12 لدى الذكور)، واشترطت إثباتات نفسية وصحية، كما أنها تساوي بسن النضج العقلي بين الذكور والإناث".

من ناحية أخرى، يقول مخيبر "إنّ القانون بصيغته الحالية يحتاج لإسناده بقانون مدني يضع ضوابط ذات طابع جزائي يجرم القضاة المخالفين، لأن #قانون الأحوال الشخصية حاليا يحصر رقابته بالاطار الداخلي للطائفة، ولا يمكن أن يتضمن عقوبات جزائية ".

ويورد مثالاً، أن "اقتراح "قانون تنظيم زواج القاصرين" يعتبر أن مخالفة قواعده جريمة قانونية، وتناط الملاحقة القضائية بالنيابة العامة أو قاضي الأحداث"، لكن آليات الضبط والرقابة والعقاب لم ترد بشكل واضح في نظام المحكمة الشرعية. وفي حال المخالفة، يقدم القاضي الشرعي فقط على فسخ الزواج بطلب من الطرف المتضرر (المادة 42)".

اجتماعياً: التوعية والرقابة
الخبيرة الجنسانية #عبير شبارو، تجد في هذا التعديل "خطوة جريئة على طريق إصلاح المنظومات القانونية الطائفية"، وتكتسب أهمية في المساهمة بـ"حماية الفتيات من التزويج المبكر، وسد ذرائع التراضي التي يرفعها متورطون في اغتصاب القاصرات".

ويأتي القرار "في توقيت على مستوى من الأهمية، حيث ارتفعت نسبة تزويج القاصرت لمستويات غير مسبوقة بعد فرض الحجر المنزلي، وبالتزامن مع ارتفاع معدلات الفقر في لبنان".

إلا أن الخبيرة تطرح بعض التساؤلات حول "كيفية التحقق من توافر شروط الأهلية للزواج في حالات الاستثناء للفتيات ما بين 15 و18 سنة. فماذا في تفاصيل المعايير ومن يحددها؟ وهل تكفي إلزاميتها للتثبت من عدم وجود "مانع جسدي ونفسي"، أو إكراه على الزواج"؟

وفي ثغرات القرار "لم يؤتَ على ذكر المسلك العقابي للقضاة المخالفين، وكيف ستفعل الرقابة على حسن تطبيقه".

وتتساءل شبارو عن سبب تأخر ورود التعديل في الجريدة الرسمية لغاية 22 نيسان، وعدم إعلان دار الفتوى عنه سوى اليوم، فيما كان أقرّ في اللجنة التشريعية في المجلس الإسلامي الشرعي منذ 17 حزيران 2019، وصدر عن المجلس الإسلامي الشرعي الأعلى في 12 كانون الأول 2020، وفق بيانات الجريدة الرسمية.

في هذا الصّدد، تبرز "ضرورة التوعية على وجود هذا التعديل، والإلمام بتفاصيله، من خلال دار الفتوى وكذلك الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية، ولجنة المرأة والطفل النيابية، والمنظّمات النسوية وجمعيات حقوق الطفل والإنسان"، موصية بـ "تكثيف استهداف الفتيات في بعض البيئات الريفية ولدى اللاجئين ولدى جماعات الغجر"، وفق التعديل الجديد الذي لحظ في نصه أن زواج القصر في لبنان غالباً ما ينتشر في هذه البيئات. كما يجب تدريب القضاة المعنيين بتطبيق القرار".

وإذ تشجع عبير شبارو بقية الطوائف أن تبادر بخطوات مماثلة، تعتبر أن المسؤولية الكبرى لرفع التمييز والظلم ضد النساء والفتيات في الأحوال الشخصية، تقع على عاتق الدولة.

هذه الضمانات، لا تتحقق بصورة ناجزة بدون "إقرار قانون موحد للأحوال الشخصية، يؤمن العدالة والمساواة"، حيث أن الأحوال الشخصية لدى الطوائف لا تزال تميز بين النساء أنفسهم في سن الرشد للزواج (هي مثلاً 15 لدى السنة، 9 لدى الشيعة، 18 لدى الأرثوذكس، 14 لدى الكاثوليك، 16 لدى الطوائف الانجيلية).

وتختم بأن "القانون المدني الموحد للأحوال الشخصية ضمان للمساواة بين الرجل والمرأة، وعلى مستوى النساء، لأنّ مفهوم المساواة مطلق"، ما من شأنه الحد من مأساة المرأة والطفل في أروقة المحاكم وداخل الأسر.

عرض الصور


عودة الى الصفحة الرئيسية