إختر من الأقسام
آخر الأخبار
أمين عام التنظيم الشعبي الناصري: لا تعنينا التوازنات الطائفية
أمين عام التنظيم الشعبي الناصري: لا تعنينا التوازنات الطائفية
المصدر : انتصار الدّنّان - الهدف
تاريخ النشر : الأربعاء ٢٤ كانون أول ٢٠٢٤

الدكتور أسامة معروف سعد، سياسي لبناني، من وجوه لبنان المقاوم المشرقة، ولد عام 1954، وهو أمين عام التنظيم الشعبي الناصري وعضو في المجلس النيابي اللبناني. في هذا اللقاء الذي خص به "بوابة الهدف" يراجع معنا طبيعة وحال الحراك الشعبي اللبناني في أهم القضايا التي تحيط به.

بدأت الانتفاضة في لبنان من أهداف معيشية حياتية، وانتقلت إلى أهداف سياسية وطنية.. بعيدًا عن حديث رسوم الواتس آب الذي اعتبر القشة التي قسمت ظهر بعير صبر اللبنانيين، ما هي فعلًا الأسباب الحقيقية اقتصاديًا واجتماعيًا وسياسيًا التي تقف خلف هذه الانتفاضة؟

هناك غضب شعبي مكبوت عند الناس منذ سنوات، كما أنَّ هناك نقمةً كنا نعبر عنها عبر منتديات، فضلًا عن التحركات والتظاهرات، وكل ذلك من أجل التعبير عن الكبت الذي كانوا يعيشونه. عند وضع موازنة 2019-2020، وصلت الأزمة المالية والاقتصادية إلى انهيار، وطبعًا التداعيات الاجتماعية انعكست على الحياة المعيشية، والحياة اليومية، وأتت إجراءات الحكومة التي تريد أنْ تخرج من الأزمة على حساب الناس الذين هم بالأساس ضحايا الأزمة، أي على حساب الطبقة الفقيرة، وكذلك الأزمات التي نتجت عن طريق الحكومات المتعاقبة، من نسبة الفساد التي وصلت إلى العديد من المؤسسات، بسبب الخصخصة والعنصرية التي تمارسها السلطة، فأتت هذه الإجراءات التي هيّأت الجو، ثم كانت موازنة 2020 التي تقتضي بمتابعة النهب عبر الخصخصة، وكان موضوع (الواتس أب)، فانفجر الناس دفعة واحدة، وخرجوا إلى الشارع، وصار كل واحد منهم يتكلم على وجعه، وظهرت البذور الثورية التي خرجت لتعبر عن شعبها وعن نفسها بهذه الانتفاضة الشعبية التي من أهم ميزاتها أنّها تجاوزت الطائفية، وأنها ترفض هذه الدولة، وهذه الصيغة الطائفية، وأنها تريد دولة عدالة اجتماعية، وهذه الحالة هي جديدة في واقعنا، لكن كيف يصير لها وزن؟، وكيف يجب أنْ يحتسب لها حساب، وتحديد سياسات تجاه الاتجاهات المختلفة، إنْ كانت سياسية أو اجتماعية، أو مدنية؟ هذا التحدي أمام البلد ومدى استطاعة الدولة على تحمل هذا الوضع، ومدى قدرتها على أنْ تسلم بهذا الواقع، وبالاعتراف بهذا الحراك كحالة سياسية بدلًا من إنكارها، فالدولة تقدمت من الحراك بورقة إصلاحية ردًّا على الحراك، لكن الشعب رفض هذه الورقة، وقال "نحن نريد أكثر من هذه الورقة، وكسر الناس القيود مرة ثانية، لأنَّ الناس اعتبروا أنَّ هذه الورقة هي تزييف للحياة السياسية، وللفكرة المعاصرة".

بمقدار ما يبدو أنَّ هدف التغيير الشامل بمعنى الخروج من عباءة نظام الطوائف عصيًا حاليًا، إلا أنَّ إصرار اللبنانيين يبدو حتّى اللحظة على الأقل ليس أقل صلابة من النظام، هل هي صلابة حقيقية تجذرت أم مجرد موجة عابرة سرعان ما سيعود كل إلى هيمنة الطائفية؟

الخطوة الأولى للانتفاضة أنّها كسرت الأسوار الطائفية التي لا تريدها أنْ تتحكم بحياتهم ومصيرهم، ولا أعتقد أنّ هؤلاء الشباب الذين خلعوا عنهم رداء الطائفية سيعودون إليه، حتى لو حيال إجراءات قمعية، أو إجراءات للاحتواء السياسي، إنما الناس خرجوا من البذور الثورية، وإذا حاولت السلطة قمعها أو وقفوا بوجهها، سيقف الناس بوجههم، وسيعبرون عن ذاتهم بشكل أقوى، وأعنف، فالأفضل، للوصول إلى حل وطني وآمن للخروج من هذه الأزمة أنْ تسلم السلطة بهذه الحقائق الجديدة، وتتعاطى معها كحالة لها مطالب سياسية، حول مختلف الملفات، وتتعاطى معها على أساس أنّها حالة صارت واقعًا، وقمعها لا يفيد، إنما المفيد هو الاعتراف بها، ويصير هناك مرحلة انتقالية، ويكون للثورة معالم لتحقيق المرحلة القادمة لمستقبل لبنان، وتكون الانتفاضة شريكًا بهذه المرحلة الانتقالية، حتّى نعبر هذه الأزمة بسلام، كما يجب أنْ تأخذ هذه الثورة حقًا تستحقه، ويجب أنْ لا يهملها أحد؛ لأنّه في الفترة الماضية كان يُحكم لبنان بلا رؤية سياسية ولا رؤية اقتصادية، ومن دون طريقة موحدة للملفات، يعني مثلًا، لا رؤية استراتيجية بالملفات، كالملف الفلسطيني، وموضوع الإصلاح السياسي، فكل تلك الملفات غير متفق عليها، فقد كان البلد يحكم على أساس المحاصصة والنفوذ، وليس على أساس برنامج، وجراء هذا الضعف، فقد وصل البلد إلى هذه الانتفاضة المشروعة، والنقطة الثانية، كلها أجندات تفرض على البلد نوعًا من التبعية، وبالتالي؛ فهو محكوم بالصراعات الدائرة في الإقليم، والخطر كيف يريد الموازنة بين الصراعات الداخلية والأجندات المطلوبة منه، وهذه نقطة تظهر حجم الفساد الذي ترتب عن ممارسات هؤلاء الأشخاص الذين هم في السلطة الذين لم يعودوا قادرين على التستر على الفساد، ولا يستطيعوا إنكاره، وكل شخص يرمي الكرة في ملعب الآخر من دون أي إجراء بحق الفاسد، كما أنّه من نقاط ضعف الدولة أنها دولة مزارع طائفية.

النظام اللبناني بما يملكه من سلطة وأدوات قهر محلية وخارجية وتحالفات عميقة قادر على القتال حتّى الرمق الأخير.. بالمقابل، في ظل حديث كثير يدور حول غياب قيادة واحدة ومعروفة للانتفاضة، وغياب الأهداف المحددة، وبالتالي برنامج واضح ومعلن بما تريد أنْ تصل إليه.. ما هو تصورك للحل؟ وهل تعتقد أنَّ على الانتفاضة الآن الاكتفاء بكسب جولة بانتظار جولة أخرى أم عليها الاستمرار؟

الحل هو بناء دولة مواصفاتها خارج العصر، والحل هو البدء بمرحلة انتقالية بزمن محدد تكون الانتفاضة مشاركة فيه بشكل أساسي، وتتحدد المهام بحسب الأولويات، وتحديد المدة لإجراء انتخابات على أساس قانون وطني، ويكون المجال صالحًا للبذور الثورية، ما يعني أنْ تنتقل انتقالًا سلميًّا وسياسيًّا، بحيث يكون شريكًا فاعلًا، حتّى لو كانت معارضة، ما يعني أنها الجائزة التي تستحقها الانتفاضة في الأيام المقبلة، وهي يجب أنْ تكمل ما بدأته حتّى يصير هناك تسليم بحقيقة السلطة لتسليم مهامها، وخلال هذه الفترة يجب على الانتفاضة أنْ تصعد حتى تفرض هذا الخيار.

الانتفاض الشعبي ربطًا بواقع لبنان الخاص، سواء على صعيد تركيبة النظام الطائفية وحجم التدخلات الخارجية، والصدام اليومي المباشر مع العدو الصهيوني المعني بوضع لبنان كما فلسطين.. في إطار كل ذلك وغيره.. إلى أي مدى تشكل حماية المقاومة أولوية عند قوى الانتفاضة؟ وما هي المنهجية التي تعتمدها القوى الشعبية النظيفة وأنتم في طليعتها من أجل توحيد الجهود في مواجهة المخاطر على لبنان؟

نحن في التنظيم الشعبي الناصري، والقوى الوطنية عمومًا، مارسنا واجبنا، وحقنا بالمقاومة، وما زلنا على استعداد لذلك، حتى لو لا نمتلك إلا سكين المطبخ، وهذا خيار استراتيجي لا نتنازل عنه، ونحن على هذا الخيار ثابتون، أما بالنسبة للوضع الداخلي، فنحن ضد هذا النظام الطائفي، وهذه التركيبة، وهذا التوازن الطائفي لا نؤمن به، ونعتبره كارثة على لبنان، ونحن بهذه النقطة حاسمون، ولا تعنينا التوازنات الطائفية التي يتمسك بها البعض، ونحن نريد دولة عصرية، مدنية، ودولة حقوق الناس، ودولة عدالة اجتماعية، وهذا المناخ نريده في البرلمان، وبالشارع نعبر عن هذا، والموضوع ليس موضوع ملفات سياسية فقط، فإذا لم تكن هناك سلطة سياسية نظيفة، ومجال سياسي نظيف، لا يمرر ولا أي ملف فساد، وكلما كانت حياتنا السياسية جيدة، وكلما كانت الملفات سليمة، وطنية، وغير حاضنة لأجندات خارجية، أو اعتبارات طائفية مذهبية، تكون المعالجات صحيحة، لكن إذا كانت ملفات بحجم ملفات استراتيجية، كملف العلاقات السياسية السورية، أو العلاقات السياسية الفلسطينية، والملفات التي عليها خلاف، فإذا حاولنا معالجتها يجب أنْ نأخذ بعين الاعتبار الطائفية أو اعتبارات إقليمية، لذلك نحن نتمنى على أصدقائنا أنْ يعالجوا كل ما يتم طرحه بحل وطني وسياسي، بما فيها الخيارات الاستراتيجية.

لماذا لا يتم تظهير الموقف السياسي المشترك مع العديد من القوى بالتركيز على مخاطر المخطط الأميركي الإسرائيلي الخليجي من الأزمة وأدواته لإجهاض المطالب الاقتصادية والاجتماعية؟

إنَّ الاستهداف الأمريكي، الإسرائيلي، الرجعي العربي للبنان، وللعديد من الدول العربية لم يتوقف في يوم من الأيام، ولن يتوقف، وهو متواصل، وسيستمر في محاولات لاحتواء بلدان عربية، وفرض إيرادات أمريكية وإسرائيلية، وهذا الأمر متوقع، والبعض يريد أنْ يربط هذا الاستهداف بحركات لبعض الأطراف في لبنان وفي غير لبنان، ونحن نقول: إنَّ هذه الانتفاضة بصيغتها الوطنية، وبهويتها الوطنية، وبتوجهاتها الوطنية هي بالتأكيد في الموقع المعادي لهذا المشروع الأمريكي الإسرائيلي الرجعي العربي، فهي تعتبر هذه المنظومة الأميركية الإسرائيلية الرجعية العربية تستهدفها أيضًا؛ لأنَّها تريد أنْ تفرض إرادتها عليها، ومَنْ يستهدف المقاومة هم موجودون بمواقع السلطة، وليس الموجودين بالشارع؛ لأنَّ الذين في الشارع يدافعون عن حقوقهم المدنية، ويريدون حلًا وطنيًا لكل الأزمات، بعيدًا عن أي شيء أميركي أو إسرائيلي، وهذا الأمر من جهدنا، وتعبنا، وعرقنا، وقادرين أنْ نبني أحسن طرقات، وأحسن جامعات، وأحسن بنى تحتية، فالشعب تعب، وهذه الأزمة هم سببها، فنحن نستطيع أنْ نبني البلد، ونستطيع أنْ نعمل كغيرنا، لكن المشكلة هي أنه تتم سرقتنا، وأطراف السلطة هم الذين يتحملون هذا الأمر بطبيعة الحال؛ لأنَّ الأزمة لم تأتِ من فراغ، فقد أتت من السياسات، وهذه السياسات أتت من الحكومة، ونحن نحملهم المسؤولية بهذه الأوضاع، في وقت يحاول الكل رمي المسؤولية على الطرف الآخر، ونرى أنّ كل الأطراف يحاولون تحسين شروطهم داخل السلطة، وبرغم كل شيء يحصل، هناك اختلاف بالدولة؛ لأنَّ ذلك الاتفاق اهتز نتيجة ما حصل في البلد، وإنَّ التحالف أو الاتفاق الذي حصل منذ سنوات يحتاج من كل طرف أنْ يحسن شروطه في التسوية، وإذا أصابها شبه انهيار فهي تحتاج إلى ترميم؛ لأنّه لم يعد أمام السلطة إلا هذا الخيار.

فلسطينيو لبنان ينتمون إلى دائرة الحرمان ذاتها التي مثّلتها صرخة الناس، وهم ضحايا التركيبة الطائفية البغيضة التي حكمت الذهنية السياسية الرسمية اللبنانية، ولطالما اعتبروك ومَن تمثل ناطقًا غير رسميٍ باسمهم، هل لك أنْ توجه لهم كلمة بالمناسبة؟

أنا أقدر تمامًا هذا التقدير وهذا الاحترام، وهذا الحب من الشعب الفلسطيني لتيارنا ولتنظيمنا، ولي أنا شخصيًّا، وأقول له: إننا كما كنا على العهد عهد النضال من أجل الحقوق الاجتماعية، والسياسية، والمدنية للشعب الفلسطيني، وإننا سنبقى إلى جانبه في تعزيز استعادة الحقوق الوطنية، وفي طليعتها حق العودة، ونحن ندرك أنَّ السياسات الحكومية على مدى سنوات طويلة كانت مجحفة، وما زالت مجحفة بحق الشعب الفلسطيني، وبعضها كان عنصريًّا تجاه الشعب الفلسطيني، ونحن كنّا على الدوام في مواجهة هذه السياسات، ومعترضين عليها، وكنا ندعو إلى التعاطي مع الوجود الفلسطيني في لبنان على أنّ الشعب الفلسطيني له قضية عادلة، ونحن كحكومة وكلبنانيين يجب أنْ نكون داعمين لهذه القضية، وأنَّ أكذوبة إعطاء الحقوق سيؤدي إلى التوطين كذبة كبيرة، فليس لها أساس سوى أنَّ البعض يتوهم أنّه إذا حجب الحقوق عن الفلسطيني سيترك لبنان ويهاجر، ونحن نريد للشعب الفلسطيني أنْ يبقى في لبنان، وأنْ يؤمِن له كل ما يحتاجه، فلم يعد هم لدى الفلسطيني اليوم سوى كيف سيدخل إلى المخيم، وكيف سيخرج منه، وكيف يريد تأمين معيشة أولاده، وكيف يريد أنْ يتعلم ويتعالج، ويتنقل. كل هذه الأمور صارت أولوية يومية للشعب الفلسطيني، وتراجعت اهتماماته بقضيته التي ضاعت، وكلمتي لهم: نحن نناضل ليس فقط من أجل اللبنانيين، بل أيضًا من أجل الفلسطينيين، والعيش بكرامة لكل المقيمين في لبنان؛ لأننا لسنا عنصريين، البعض عنصريون، لكن ليس الجميع.


عودة الى الصفحة الرئيسية