إختر من الأقسام
آخر الأخبار
تراجع الخطيب يكشف استمرار مناورات الساسة اللبنانيين بينما البلاد على شفا الإفلاس رغم أن الحل يعلمه الجميع
تراجع الخطيب يكشف استمرار مناورات الساسة اللبنانيين بينما البلاد على شفا الإفلاس رغم أن الحل يعلمه الجميع
المصدر : عربي بوست
تاريخ النشر : الخميس ٢٥ كانون أول ٢٠٢٤

فجأة تراجع سمير الخطيب عن الترشح لرئاسة الحكومة اللبنانية بعد أن بدا أن هناك فرصاً كبيرة لتوليه المنصب، وعاد اسم سعد الحريري رئيس الحكومة المستقيلة ليطرح بقوة مجدداً في إطار حملة يقودها هذه المرة مفتي البلاد عبداللطيف دريان.

وجاء تراجع الخطيب الذي قيل أنه يحظى بدعم الحريري بعد لقائه المفتي دريان مفتي الطائف السنية، وقال الخطيب إن دريان أبلغه بأن الطائفة السنية تسمّي الحريري لرئاسة الحكومة.

وكان النائب محمد الصفدي الذي ترشح المنصب منتصف الشهر الماضي (قيل إن الحريري رشحه)، قد تراجع أيضاً عن التقدم لرئاسة الحكومة بعد أن اجتمع رؤساء الحكومات السابقون ليعلنوا رفضهم لترشيحه وتقاطر المتظاهرون أمام منزله بطرابلس.

وقيل إن الحريري قد رشح الصفدي بشكل غامض ليحرق الرجل وليؤكد لحزب الله وحلفاءه أنه لا بديل عنه (الحريري لرئاسة الحكومة وبشروطه)، وقيل إن القيادي بتيار المستقبل ورئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة كان وراء خطة حرق الصفدي.

وتراجع سمير الخطيب هذه المرة لم يكن عن طريق اجتماع رؤساء الحكومات السابقين بل عن طريق مفتي السنة عبداللطيف دريان الذي اعتبر أن الحريري هو مرشح السنة الوحيد، الأمر الذي أثار انتقادات لوصول تدخل الدين في السياسة لهذا الحد في الوقت الذي يطالب فيه المتظاهرون بإنهاء الطائفية في البلاد.

من يتظاهر أمام مقر تيار الحريري؟
واللافت أنه فور الإعلان عن تراجع الخطيب عن الترشح، تم تداول أنباء عن أن متظاهرين يرفضون ترشح الحريري، وتوجهوا لبيت الوسط مقر تيار المستقبل في وسط بيروت القريب من ساحة الشهداء معقل التظاهرات.

وقد يكون هؤلاء المتظاهرون ينتمون للحراك ويرفضون ما يعتبرونه تلاعباً من الحريري بمطالبهم بالتخلص من النخبة السياسية القائمة.

ولكن لا يمكن استبعاد أن يكون المتظاهرون مدفوعين من حزب الله أو قوى من الحراك ليست بعيدة عن حزب الله في إطار مناوأة الحريري في ظل إصراره على مطلبه بتشكيل حكومة تكنوقراط بينما يطالب حزب الله وحلفاءه بتشكيل حكومة تكنوسياسية.

الكل يريد الحريري ولكن بأي شروط
لا تتوقف المساومات في لبنان بين كل الأطراف، حزب الله يريد أن يشكل الحريري الحكومة ليس حباً فيه بل لأنه الوحيد القادر على جلب المساعدات الدولية لإنقاذ البلاد.

الحريري بدوره يريد تشكيل الحكومة ولكنه يريدها حكومة تكنوقراط بالكامل وذلك لأسباب عدة.

فحكومة تكنوقراط ستكون بمثابة فوز له على حزب الله وفي الوقت ذاته إرضاء للحراك الشعبي الرافض بالأخص لحليف الحزب جبران باسيل رئيس التيار الوطني.

والأهم بالنسبة للحريري هو أن استبعاد حزب الله سيكون إرضاء للسعودية التي نأت بنفسها عن لبنان وحليفها الحريري بعدما شعرت بضعفه في مواجهة حزب الله المدجج بالسلاح.

كما أن مثل هذه الحكومة سترضي الغرب ولاسيما الولايات المتحدة باستبعاد حزب الله من الحكومة، الأمر الذي من شأنه تسهيل المساعدات الخارجية.

الغرب من ناحيته يشترط لتنفيذ الإصلاحات وقف الفساد الهائل من قبل السياسيين اللبنانيين.

كما لا يخفي أن الولايات المتحدة والسعودية تريدان أقل دور ممكن لحزب الله وصولاً لمحاصرته.

والحزب يعلم أنه غير قادر على إنقاذ البلاد اقتصادياً ولكنه لا يريد التضحية بالانتصار الانتخابي الذي حققه هو وحلفاؤه في الانتخابات التشريعية الأخيرة، وغير مستعد لمنح الحكومة على طبق من فضة لخصمه التاريخي تيار المستقبل.

أما الحراك الشعبي فمصر على مطالبه غير الواقعية بالتخلص من النخبة السياسية لصالح حراك لايعرف من أسماء قيادته أحد.

كل ذلك يجري على وقع تدهور اقتصادي للاقتصاد اللبناني.

فقد واصل سعر الليرة اللبنانية في السوق السوداء وعند الصرافين الارتفاع حيث بلغ مقابل الدولار 2000 – 2050 ليرة لبنانية نهاية الأسبوع الماضي في زيادة تقدر بالثلث عن ثمنه الرسمي.

وبينما تمثل هذه كارثة بالنسبة لأي دولة في العالم فإنه يعد أسوأ بالنسبة للبنان الذي يفتقد لأي موارد أو صادرات ذات مغزى ولكن بالأساس تعتمد على ثقة الناس بالنظام المصرفي اللبناني مع ثبات سعر العملة الأمر الذي يؤدي لجذب أموال المودعين خاصة من المغتربين اللبنانيين الذين يودعون أموالهم في المصارف اللبنانية التي تتسم بقدر عال من السرية المصرفية وفي الوقت ذاته فإنها تعطي فائدة مرتفعة.

وحتى على المستوى الرسمي شهد سعر الليرة تراجعاً ملحوظاً رغم أنه أقل بكثير من السعر في السوق السوداء.

إذ خفض مصرف لبنان سعر الليرة إلى حوالي 1509 ليرة لبنانية، وذلك وفقاً للتصريحات التي صدرت صباح السبت الماضي مقارنة الذي بالسعر الذي ظلت العملة اللبنانية لعقود تدور حوله وهو 1502.

ومع انخفاض سعر الليرة بهذا الشكل فإن هذا معناه تآكل مدخرات المودعين في النظام المصرفي اللبناني خاصة بعد فرض قيود على سحب الدولار من المصارف اللبنانية.

الحريري يخاطب زعماء العالم لإنقاذ البلاد
وأعلن مكتب رئيس الحكومة المستقيلة سعد الحريري عن “الجهود التي يبذلها لمعالجة النقص في السيولة وتأمين مستلزمات الاستيراد الاساسية للمواطنين”، وقد نقل الحريري “رسائل إلى رؤساء وزراء عدد من الدول الشقيقة والصديقة طالباً مساعدة لبنان بتأمين اعتمادات للاستيراد من هذه الدول، بما يؤمن استمرارية الأمن الغذائي والمواد الأولية للإنتاج لمختلف القطاعات”.

وشملت الرسائل كلاً من العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز، الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، رئيس الوزراء الصيني لي كيكيانغ، رئيس الوزراء الإيطالي جيوسيبي كونيت ووزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو.

كما شملت كلاً من المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون ورئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز، وذلك في إطار الجهود التي يبذلها لمعالجة النقص في السيولة وتأمين مستلزمات الاستيراد الأساسية للمواطنين.

وطلب مساعدة لبنان بتأمين اعتمادات للاستيراد من هذه الدول، بما يؤمن استمرارية الأمن الغذائي والمواد الأولية للإنتاج لمختلف القطاعات.

الحل الذي يريده الأمريكيون
وبينما يتصارع الساسة اللبنانيون كعادتهم إلى حين الوصول لحافة الخطر المحدق، فإن هناك متغيرات جديدة على ما تعود عليه هؤلاء الساسة القادرون على إنهاك العالم في التفاصيل.

أولاً الاقتصاد اللبناني يواجه أزمة غير مسبوقة، وهي فقدان الثقة في النظام المصرفي مع تضاؤل قدرة البلاد على الحصول على العملة الصعبة، ويخشى أن يصل الأمر إلى عدم القدرة على دفع الدولة للرواتب، وحتى في ذروة الحرب الأهلية لم يصل الأمر بلنان إلى هذا المستوى من التأزم.

الأمر الثاني أن لبنان فقد شبكة الحماية العربية وتحديداً السعودية التقليدية، فالرياض تحت حكم الملك سلمان وولي عهده الأمير محمد قد تخلت عن دورها التاريخي في رعاية لبنان اقتصادياً، واعتبرت أن حزب الله هو المسيطر الفعلي على البلاد، وكان احتجاز الأمير محمد لرئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري نموذجاً لمعاملتها المهينة لحليفها المقرب الذي كان يقال يوماً إنه يعتبر نفسه سعودياً بقدر ما هو لبناني، حسب ما قالت مصادر لبنانية لـ»عربي بوست».

في المقابل فإن الدعم الغربي المحتمل، (إذا كان هناك دعم غربي) لابد له من شروط، وهي شروط تجاهلتها النخب اللبنانية عقب مؤتمر سيدر الذي نظمته فرنسا لإنقاذ الاقتصاد اللبناني منذ فترة، خاصة ما يتعلق بمحاربة الفساد في قطاعات مثل قطاع الكهرباء.

والآن يتوقع أن تضاف شروط أخرى مدفوعة برغبة الحراك في إزالة أو زحزحة النظام الطائفي ورغبة الأمريكيين في إقصاء حزب الله.

وتقول حنين غدار الباحثة في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى في تقرير مقدم إلى اللجنة الفرعية لشؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا والإرهاب الدولي في مجلس النواب الأمريكي إن هناك وعياً واضحاً في الشوارع اللبنانية بأنه لا يمكن إحياء الاقتصاد مع النظام السياسي الطائفي نفسه، مؤكدة أن البلاد لن تستطيع النجاة بدون المساعدات الخارجية.

وتتوقع غدار إفلاس الدولة اللبنانية وتوقفها عن دفع الرواتب للموظفين بما في ذلك القوى الأمنية والجيش وتقول هنا سيكون تدخل المجتمع الدولي حتمياً ولكن بشروط.

ويبدو أن الولايات المتحدة ومعها الدول الأوروبية على غرار الفرقاء اللبنانيين تتنظر بدورها إنضاج نار التسوية اللبنانية عبر ترك الأزمة تستفحل والاقتصاد يقترب من الإفلاس.

وهدف الأمريكيين كما يظهر من التقرير السابق هو استغلال الأزمة المالية الحادة وغضب اللبنانيين من النظام الطائفي لإضعاف الهيمنة السياسية لحزب الله، وهو الأمر الذي يجعل الحزب يتمسك في المقابل بهيمنته هو وحلفائه على الحكم.

ولكل الحل الواقعي هو ما نطق به المشنوق
وبين مساومات كل الفرقاء يبدو أن الحل الأكثر معقولية جاء على لسان السياسي السني المخضرم وزير الداخلية اللبناني السابق والقيادي بتيار المستقبل نهاد المشنوق.

وهو الرجل المعروف بعلاقاته العربية وباعتباره أحد صقور سنة لبنان المعادين للنفوذ السوري، ولكنه أيضاً الرجل الذي عقد التسوية الأمنية التاريخية مع حزب الله خلال فترة توليه حقيبة الداخلية أثناء ازدهار داعش والنصرة في لبنان.

وهي التسوية التي سمحت بتهدئة بين السنة والشيعة والتعاون بين القوى الأمنية والجيش وحزب الله للتصدي لداعش وعدم استغلال التنظيمات المتطرفة للغطاء السني للعمل في البلاد، حسب رواية مصدر لبناني مطلع على تجربة المشنوق لـ»عربي بوست».

يقول المشنوق الذي يوصف في لبنان بأنه يحمل كلمة سر عربية (في إشارة لعلاقاته العربية الواسعة): “لا أحد يقول بنزع سلاح حزب الله، والحزب هو فئة ممثلة ومنتخبة وموجودة، ولكن هناك خطاً فاصلاً كان دائماً موجوداً بين الدولة بمفهومها حتى لو انقسمت، وبين حزب الله بقراءته السياسية للوضع في المنطقة.

والمطلوب حسب ما نسب للمشنوق تشكيل حكومة مصالحة مع العرب والغرب وليس مصالحة مع طرف آخر.

وأضاف فالحصار القائم سببه أنّ هناك صداماً أمريكياً – إيرانياً في المنطقة، والأمريكيون يعتمدون حرب الدولار.

واللافت أنه بعد إعلان الخطيب الانسحاب أعلنت الرئاسة اللبنانية إجراء الرئيس ميشال عون اتصالات شملت رئيسي مجلس النواب نبيه بري، وحكومة تصريف الأعمال، سعد الحريري.

فهل يختصر اللبنانيون والقوى المعنية ببلادهم الطريق أم يواصل الفرقاء المساومات بينما نار الأزمة الاقتصادية تحرق البلاد وقد لا تبقي ولا تذر بها شيئاً، ويتوصلوا لحكومة ترضي الغرب والحراك بتقليل الطائفية والفساد وهيمنة حزب الله.


عودة الى الصفحة الرئيسية