الضحية الشابة زينب معتوق أمسكت أمراً خطراً على الجاني.. والعائلة تنفي فرضيّة الاغتصاب
يرزح المجتمع اللبنانيّ في الأيام الأخيرة تحت وطأة جرائم من النوع الذي يهزّ الرأي العامّ وامتداداته على "السوشيل ميديا".
من باسكال سليمان الذي اقتيد غدراً من جبيل، إلى نزيه الترك الذي صُفّيَ في شقّته بالأشرفية، إلى ضحايا عصابة الإتجار بالبشر عبر "تيك توك". وبين هذه الجرائم وقبلها وربما بعدها، الكثير من الجرائم الجنائيّة، والجنائيّة- السياسيّة التي لم يضع تسلسلها وما صاحَبَها من إجراءات حدّاً لبروز ما هو أعظم دائماً.
آخر فصول الإجرام كانت ضحيّته الشابة زينب معتوق ابنة الـ33 عاماً التي استفرد بها الجاني في غرفة جانبيّة أسفل فندق "يونيفرسال ريزيدانس" في الروشة، موجّهاً إليها ضربتين قاضيتين على الرأس، أصابتاها بنزيف حادّ لم تقوَ على مقاومته، فأسلمت الروح في مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت بعد ظهر أمس. وترجّح مصادر متابعة أن يتراوح توقيت حصول الجريمة بين الثامنة والعاشرة من صباح السبت.
وتعمل زينب، وحيدة أمّها ولها شقيقان، موظفة استقبال في الفندق منذ نحو خمس سنوات، ويبدأ دوامها في الصباح الباكر. ووالدها هو أحد ضحايا حادثة "طائرة كوتونو" في العام 2003.
الأمن يعمل بموجب مذكرة بحث وتحرّ عن المشتبه فيه الذي توارى عن الأنظار، وقد داهم شقّة يقطنها في منطقة الأوزاعي.
وتقول رواية مصدرها مقرّبون من العائلة أنّ زينب كانت قد أمسكت أمراً خطراً على الجاني الذي يعمل في الفندق منذ أشهر وقد خرق خصوصيّة بعض النزلاء، وأنّ الأمر كان دافعاً وراء مهاجمته لها، نافين فرضيّة الاغتصاب. الغرفة التي حصلت فيها الجريمة قريبة من عدّادات الكهرباء التي يقوم موظّفون برفعها وتنزيلها يوميّاً، وأيضاً يَعدّ بعضهم أكواب القهوة في المكان أحياناً. قد تكون زينب اتّجهت إلى المكان لأحد هذين السببين، وفق ترجيحات عائليّة، وقد كمن لها المجرم الذي خطّط لتنفيذ جريمته.
وللطبّ الشرعيّ كلمته بطبيعة الحال، لكنّه لا يكتفي بالترجيحات البصريّة، فينتظر نتائج الحمض النوويّ والتحليلات للخروج بتقرير نهائيّ في اليومين المقبلين. وهو إن أكّد فرضيّة الضربة القاضية على الرأس، وتفهّم ميل العائلة إلى نفي وجود اغتصاب، فإنّ نتيجة التقرير من شأنها أن توضح علميّاً آثار الاعتداء على الشابّة المغدورة.
وقد استفاد الجاني من خلوّ المكان. ووصف مصوّر "النهار" حسن عسل مبنى الفندق الذي وصل إليه أمس مع حلول الظلام بالمهجور المظلم في شارع خال، ولم تكن قد أضيئت الأنوار سوى في طابقين، مع وجود طاقم صغير جدّاً من الموظّفين.
إلى صير الغربيّة، البلدة الجنوبيّة في محافظة النبطيّة، اتّجهت العائلة اليوم مصطحبة جثمان ابنتها الشابّة الجميلة التي لم تشبع من الدنيا، وامتلكت طموحات وأحلاماً كأيّ شابّة في مثل سنّها. اليوم دفنت زينب في التراب. هي التي يظهر من فيديوهات نشرتها على مواقع التواصل احتفاظها بكمّ جيّد من الطاقة الإيجابيّة يدفعها للاحتفاظ بخيط أمل، سرعان ما قطعه جانٍ فالت من العقاب حتّى الآن.
لا يخلو مجتمع من جرائم مماثلة، لكنّ انحلال المؤسّسات، والأرضيّة الخصبة التي تسمح للموبقات وأرباب العصابات بالنموّ والتمدّد، كذلك التّقصير في معالجة النزوح السوريّ والظواهر الاجتماعية التي تتغذى من العوز والبطالة، كلّها جزء هام من مشهد الأسباب لبروز جرائم مماثلة.
يحاجج رجل الأمن بأنّ عدد الجرائم لم يزدد، مبرزاً أرقامه السنويّة، ومورداً أمثلة لاكتشاف رؤوس مدبّرة وجناة في فترات قياسية لا تشهدها دول معافاة ومتقدّمة في أنظمتها الأمنية.
يُصفّق للأمن حين يقوم بإنجاز وبواجباته، ونحن مرّة جديدة في انتظار الكشف عن هوية قاتل زينب وإنزال أشدّ العقاب به. وعلى الأمن أن يسمع صدى ما يتردّد في البيوت بأنّ الناس لا تشعر بالأمان في كثير من الأحيان حقاً. وترتفع هذه الأصوات مع كلّ جريمة تصبح حديث الناس وتثير رعبهم.
شوارع بيروت المظلمة ليلاً مخيفة. محسوم أنّ السير في عدد منها مغامرة. طريق المطار تُحاك حولها الأساطير والوقائع. في شوارع المدن والقرى، ينتشر عاطلون عن العمل مصطفّين بالعشرات، نظراتهم فيها الكثير من اليأس والانتظار. خزنات المصارف انتقلت إلى البيوت بعد نهبة العصر التي تعرض لها اللبنانيّون، ما يضاعف الأخطار والهواجس.
أطفال الشوارع حدّث ولا حرج. ترقبهم وهم يسألونك شراء وردة. ترى هل سيحتاج أمثال حلّاق مجرم إلى مجهود لإنتاج فيديو على "تيك توك" لاستدراجهم أو استمالة فتيات بعمر الورد؟
وحين ننقل صدى الرأي العام تجاه هذه الجرائم، لا نضمر أذى ببلدنا ولا نضرّ موسماً سياحياً مرتقباً رغم حرب الجنوب، ولا ننكر فورة الأعياد ودورتها الاقتصادية الاستهلاكية وحفلاتها وصخب المقاهي والأندية الليلية، وأنّ بلدنا هو الأجمل بطبيعته وناسه وطعامه ومبدعيه... لكنّنا نرفع الصوت لإنزال أشدّ الأحكام بالمجرمين، وتعزيز وجود الأمن حيث يجب أن يكون، وتفكيك شبكة الخوف والإفلات من العقاب!
قد لا تكون زينب آخر الضحايا. وإن ثبت أنّ قاتلها هو المشتبه فيه السوريّ الجنسية المتواري عن الأنظار، سنسمع الكثير عن ضرورة ترحيل النازحين بمعزل عن مساعدة الاتحاد الأوروبي التي وُصفت بالرشوة. الإجرام لا جنسية له صحيح، لكن النسيج الاجتماعي المريض ينفجر بمن فيه.