الجولة الانتخابية الاولى: التوازنات الحزبية والعائلية مستمرة باستثناء بعض التغييرات

بقي الاستحقاق البلدي والاختياري في جولته الأولى في محافظة جبل لبنان في صدارة الاهتمام الداخلي لجهة إنجازه من دون إشكالات أمنية أو لوجستية وقانونية، وإن لجهة النتائج التي بدأت تخضع للتحليل والقراءة في أبعادها العائلية والحزبية السياسية، حيث حافظت الى حدٍ كبير على التوازنات الحزبية والعائلية في معظم الدوائر باستثناء بعض التغييرات.
بدأت الأنظار تتجه غداة الجولة الأولى إلى محافظتي الشمال وعكار لرصد صورة الواقع الانتخابي وما يمكن أن يشهده من تحالفات ذات طابع سياسي أو إنمائي أو عائلي، علماً أن العاملين الأساسيين اللذين سيتم رصدهما بتدقيق بالغ في المنطقة الشمالية هما التنافسات السنية في طرابلس والمنية ومعظم عكار، والتنافسات المسيحية من البترون والكورة حتى بشري وزغرتا.
وكتبت" النهار": ستغدو الصورة على هذا المنوال حتى نهاية الجولات الأربع، علماً أن ما أسفرت عنه الجولة الأولى من نتائج في محافظة جبل لبنان يملي تسليط الأضواء على مجموعة خلاصات يرجح أن تتكرر في سائر المحافظات ولو مع تمايزات وخصوصيات تتصل بكل منطقة، ومن أبرزها الآتي:
أولاً: أبرزت النتائج والوقائع الانتخابية في جبل لبنان أن كل القوى الحزبية والسياسية انخرطت في تحالفات مع عائلات ولو في معارك بين بعضها البعض، بما يعني أن الطابع المختلط السياسي – العائلي كان سيّد الساحات في المتن كما في كسروان وفي جبيل أيضاً وهي المناطق التي تعتبر "درّة" المعارك الانتخابية التي ميّزت هذه المناطق عن سواها وتميّزت بحيوية مشهودة عبرت عنها نسب الاقتراع المرتفعة.
ثانياً: كانت الجولة الانتخابية بمثابة اختبار قوة شعبية وقوة تحالفية لكل من الأحزاب والقوى الكبيرة كالقوات اللبنانية والكتائب والتيار الوطني الحر، ولكنها أتاحت فرصة ثمينة للغاية لـ"القوى العائلية" التقليدية إذا صح التعبير لإثبات حضورها وتأثيرها على غرار عائلات البون وافرام والخازن في كسروان والمر في المتن. هذا الطابع لم يكن مشابهاً لدى الدروز والسنّة والشيعة في الأقضية الأخرى بما أتاح للمناطق "المسيحية" "التوهج" بمعاركها.
ثالثاً: بالغ معظم الإعلام الموالي لهذا الفريق أو ذاك في إظهار طابع "كسر العظم" للنتائج، في حين أن لا اجتياحات ولا هزائم كاسرة حصلت، بل أن "الكل" خرجوا بأرصدة شعبية ولو متفاوتة، أما على الصعيد الحزبي الصرف، فإن تقدماً قوياً وملحوظاً سجل للقوى السيادية على خصومها.
رابعاً: لا يمكن الاستناد الى هذه الانتخابات لاعتبارها "بروفة" للانتخابات النيابية المقبلة نظراً إلى الاختلاف بين النظامين الانتخابيين، الأكثري والنسبي، كما إلى طبيعة الاصطفافات والفرز والتنافسات المتوقعة في الانتخابات النيابية، ومع ذلك فإن جسّ نبض القواعد العائلية والشعبية في هذه الانتخابات يصح اعتباره تحفيزاً أولياً يمكن أن تنطلق على أساسه الحسابات العميقة لموقعة أيار 2026 النيابية.
في أي حال، لم تنشر بعد رسمياً النتائج النهائية للانتخابات البلدية والاختيارية في جبل لبنان، إذ أشرف وزير الداخلية والبلديات أحمد الحجار صباح أمس على تسليم محافظ جبل لبنان محمد المكاوي النتائج إلى المديرية العامة للشؤون السياسية واللاجئين، وعزي هذا الإجراء إلى الحرص على ضمان شفافية ونزاهة الانتخابات.
وأوضح الوزير الحجار أنه أشرف على النتائج "بشكل مباشر مع جميع المعنيين، حيث تصدر النتائج عن لجان القيد، وتُسلَّم إلى القائمقام والمحافظ، كما طلبتُ منهم رفعها إلى وزارة الداخلية لأشرف عليها بنفسي، وذلك للتأكد من عدم وجود أي خطأ ولضمان أن تكون النتائج دقيقة ومؤكدة". أضاف: "كما وضعنا برنامجًا على الحاسوب للتدقيق في النتائج قبل إعلانها بشكل نهائي عبر موقع وزارة الداخلية". وأشار إلى أنّ "وزارة الداخلية ستقوم بعملية تدقيق شاملة لكلّ الأسبوع الانتخابي لتدارك الثغرات والمشاكل اللوجستيّة التي حصلت وتلافيها في الأيّام الانتخابية المقبلة. وقال: "ستصدر النتائج تباعًا خلال الساعات القليلة المقبلة، وقد اتخذنا القرار النهائي بإجراء الانتخابات في موعدها، رغم التحفظات وقلة الإيمان بإمكانية تحقق ذلك، ونجاح هذه الانتخابات يعود إلى جهود الدولة وموظفيها، ووسائل الإعلام، ووعي المواطنين ومحبتهم لوطنهم وإيمانهم بإعادة تفعيل العمل الإنمائي في بلداتهم". وأضاف: "ممّا لا شكّ فيه أنّ انطلاق
العهد الجديد وتشكيل الحكومة انعكسا إيجابًا على كلّ البلد". وأجريت اتصالاً مع وزير العدل، فهناك بعض الملاحظات من قبل القضاة في لجان القيد في عمليات الفرز، وسيكون معنا قضاة في عملية التقييم لنقدم عملية انتخابية ناجحة وتفادي كل الثغرات".
وكتب اسكندر خشاشو في" النهار": في قراءة سريعة لانتخابات قضاء المتن الشمالي يمكن تسجيل عدد من الملاحظات الأولية الأساسية، منها:
أولاً - غياب الحدة أو المعارك السياسية في مختلف بلدات القضاء، باستثناء بلدات قليلة، ومنها جديدة المتن التي أخذت فيها المعركة طابعاً سياسياً حاداً وفاز تحالف الكتائب - "القوات" - إبرهيم كنعان، وهي بلدية كانت محسوبة تاريخياً على المر.
ثانيا - لم تسجل مفاجآت كبيرة في القضاء، وغالبية النتائج كانت شبه معروفة، مع بعض الاستثناءات كالذي حصل في ضبيه وأنطلياس والمنصورية.
ثالثاً - حفاظ آل المر على الحضور السياسي وعلى عدد لا يستهان من رؤساء البلديات الموالين، رغم الضجة الكبيرة التي افتعلت قبيل الانتخابات.
رابعا - مسارعة "التيار الوطني الحر" إلى تبني فوز كل اللوائح التي ربحت في مواجهة "القوات" بعد إنكاره مرارا وتكرارا المشاركة مباشرة في هذه الانتخابات، وهي إعلانات وهمية إعلامية أكثر منها واقعية. ففي مناطق عديدة تكاد اللائحة تخلو من أي عوني، ويتبنى "
التيار" فوزها فقط لأنها تواجه لائحة مدعومة من "القوات"، وبدا ذلك محاولة لتعويض ما جرى معه في عملية تشكيل اللوائح وإبعاد العونيين عنها.
- خامساً - عودة ظهور المال الانتخابي وإثارة القضايا الشائكة كملف المجنسين وبيع الأراضي واستعمالها في الانتخابات بعدما كانت خبت لفترة طويلة.
سادساً - عدم إمكان صرف النتائج البلدية في الانتخابات النيابية، وخصوصاً أن الانتخابات تخاض عبر نظامين انتخابيين مختلفين بالكامل، بالإضافة إلى نسبة التحالفات المحلية الهجينة التي طغت ومن المؤكد أنها ستتغير في الانتخابات النيابية.
وكتب محمد بلوط في" الديار"؛ يؤكد مصدر سياسي ان المبالغة في الاعتماد على نتائج الانتخابات ، لتقدير احجام القوى والاحزاب مسألة في غير محلها، نظرا الى تداخل العامل السياسي والعائلي فيها بشكل كبير. كما ان تجاوز هذه النتائج وعدم التدقيق في ارقامها، هو ايضا امر في غير محله .
وفي القراءة العامة لنتائج جبل لبنان يمكن استخلاص ما يأتي :
١- تمكن حزب "القوات اللبنانية" من تأكيد حجمه الذي حققه في الانتخابات النيابية في الشارع المسيحي في هذه المنطقة.
٢- خرج "التيار الوطني الحر" من هذه الانتخابات " راضيا سالما غانما " ، رغم خسارته بلدية جونيه.
٣- تمكن
الثنائي حركة "امل" وحزب الله من تحقيق فوز كاسح وكامل للوائحه في بعبدا والشوف وجبيل ، عدا عن فوز عدد منها بالتزكية.
٤- برهن حزب "الكتائب" انه لاعب قوي واساسي في المتن ، مكرسا حضوره الشعبي.
٥- تعامل الحزب "التقدمي الاشتراكي" في الشوف وعاليه وبعبدا مع هذا الاستحقاق، بكثير من الحنكة والاريحية.
٦- استطاع "التغييريون" لا سيما في عاليه والشوف وبعبدا من دخول الانتخابات البلدية كما فعلوا في النيابية.
٧- نجح الحزب "الديموقراطي اللبناني" بالتحالف مع الحزب "التقدمي الاشتراكي" من الفوز ببلدية الشويفات وببلدات اخرى في عاليه . كما حافظ تيار الوزير السابق وئام وهاب على حضوره الشعبي في الشوف وبلدات في عاليه .
8- سجل الحزب "السوي القومي الاجتماعي" حضوره الشعبي ايضا، لا سيما في المتن وعاليه وبعبدا والشوف.
وكتبت بولا مراد في" الديار": صحيح ان انجاز الاستحقاقات في مواعيدها الدستورية، يفترض ان يكون امرا تلقائيا وعابرا في اي بلد في العالم، لكن السلطات المتعاقبة في لبنان، ونتيجة خروقاتها المتواصلة للقوانين وللدستور، جعلت تطبيق المواد القانونية واحترام المهل الدستورية اقصى طموح للبنانيين، الذين بدأوا يستبشرون خيرا بالعهد الجديد. الخلاصة الاولى من الجولة الاولى من الاستحقاق البلدي، هي انه من حيث الشكل النجاح حتمي، خاصة وان الاشكالات التي سُجلت والشكاوى التي وصلت بقيت محدودة جدا. اما باقي الخلاصات فتطال المضمون:
- اولها: تراجع نسب المقترعين من 57.8% عام 2016 الى 45.08% هذا العام.
- اما الخلاصة الثانية فتشير الى ان حزب "القوات اللبنانية"، ورغم صعود نجمه كثيرا في الاشهر الماضية، الا انه لم ينجح بفرض نفسه ممثلا اولا او اوحد للمسيحيين.
بالمحصلة، شكّلت الجولة الاولى من الانتخابات البلدية "بروفا" للقوى المسيحية للانتخابات النيابية المقبلة، على ان تشكل باقي الجولات "بروفا" لباقي المكونات، على ان تبدأ الاحزاب مطلع حزيران المقبل استعداداتها الجدية للكباش النيابي المصيري