الانتخابات البلدية في صيدا تكشف موازين القوى

مع كلّ استحقاق بلديّ، تتحوّل مدينة صيدا إلى مسرح سياسيّ نشط يتخطّى الإطار المحلّي إلى مشهد وطنيّ أوسع، بفعل موقعها المحوريّ وتشابك القوى الوطنية والإسلامية داخلها. لهذا تُلقّب صيدا بـ "أم المعارك البلدية".
ورغم الطابع الإنمائي للانتخابات البلديّة، فقد حمل الاستحقاق الأخير بصمة سياسية واضحة، تجلّت في التحالفات والنتائج التي أعادت رسم خريطة النفوذ داخل المدينة. تنافس 96 مرشحاً ومرشحة، وتصدّرت لائحة "سوا لصيدا" المشهد، برئاسة المهندس مصطفى حجازي، مدعومة من رئيس البلدية السابق محمد السعودي، ومؤيدي "تيار المستقبل"، إلى جانب عدد من العائلات الصيداوية.
صيدا تقلب المعادلات
في ما أفرزته صناديق الاقتراع، صرّح عضو المجلس البلدي، المحامي حسن الزعتري، الفائز ضمن لائحة "سوا لصيدا"، لـ "نداء الوطن"، موضحاً أن اللائحة حصدت 11 مقعداً من أصل 21، مع الحفاظ على التمثيلين المسيحي والشيعي، ما يعكس توازناً طائفياً وسياسياً حرصت عليه المدينة تاريخياً.
وأكّد الزعتري أنّ المهندس مصطفى حجازي سيتولّى رئاسة المجلس البلدي، فيما يتولّى الدكتور أحمد عكرة منصب نائب الرئيس. لكنه شدّد على أنّ "الأهم من النتائج هو نجاح الاستحقاق بحدّ ذاته، حيث أثبتت صيدا مجدّداً تمسّكها بانتظام عمل المؤسّسات واحترام المسارات الدستورية والديمقراطية".
تحالفات رمادية
في المقلب الآخر من المشهد الانتخابي، تنافست لائحة "سوا لصيدا" مع لائحة "نبض البلد"، برئاسة المهندس محمد الدندشلي، بدعم من النائب أسامة سعد، والتنظيم الشعبي الناصري، وتجمّع "علّي صوتك"، وتجمّع مهندسي صيدا والجنوب. وقد تمكّنت هذه اللائحة من انتزاع سبعة مقاعد، ما شكّل حضوراً قوياً في المعركة، خاصة في ظلّ الزخم الشعبي الذي رافق حملتها الانتخابية.
بدورها، نجحت لائحة "صار بدها ونحن قدها"، برئاسة الصيدلي عمر مرجان، في حصد ثلاثة مقاعد. وعلى الرغم من نفي النائب الدكتور عبد الرحمن البزري تقديمه دعماً مباشراً لهذه اللائحة، تشير المعطيات المتداولة في المدينة إلى أنه كان من أبرز داعميها، ما أضفى بعداً رمزياً على نتائجها، خصوصاً في ظلّ طبيعة المعركة المتشابكة.
أما المفاجأة الأبرز، فكانت في أداء الجماعة الإسلامية، التي خاضت الاستحقاق بلائحة خاصة تحت اسم "صيدا تستاهل"، وقدّمت في الوقت نفسه دعماً تكتيكياً لمرشحين موزّعين على لائحتي "نبض البلد" و "صار بدها". وأسهم هذا الدعم في إيصال أربعة مرشحين مقرّبين منها إلى المجلس البلدي، ضمن تحرّك انتخابي أثار الكثير من التساؤلات.
وقد تحوّل هذا الدعم إلى مادة سجالية، بعدما انتشرت عبر مواقع التواصل صورة تُظهر ثلاثة فائزين من لائحة "صار بدها" داخل مركز انتخابي تابع للجماعة الإسلامية. ما دفع المعنيين إلى إصدار بيان يؤكّدون فيه استقلاليّتهم السياسية، موضحين أن علاقتهم بالجماعة "شخصية بحتة"، في محاولة لاحتواء ردود الفعل ودرء الشبهات حول وجود تنسيق غير معلن.
الدقدوقي: صيدا فوّتت الفرصة على الشائعات
وفي هذا السياق، قال الناشط السياسي حامد الدقدوقي لـ "نداء الوطن" إن الانتخابات البلدية في صيدا جرت عموماً بهدوء، باستثناء بعض الحالات الفردية. وأكد أن نتائج الاقتراع تعكس تمسّك أهالي صيدا بالإرث السياسي للرئيس الشهيد رفيق الحريري، معتبراً أن دعم "التيار الأزرق" كان له دور حاسم في فوز لائحة "سوا لصيدا" بأغلبية المقاعد.
كما أشاد الدقدوقي بالتنوّع الطائفي والسياسي الذي ضمّته اللائحة الفائزة، معتبراً أنه يعكس روح العيش المشترك والتوازن الذي تحتاجه المدينة، في مقابل ما وصفه بـ "ضعف الانسجام" بين قوى "الثنائي الشيعي" وحلفائهما.
محطة انتخابية مفصلية
وعليه، لا تُقرأ نتائج هذه الانتخابات من منظور بلدي فحسب، بل تُعدّ محطة مفصلية تمهّد للاستحقاق النيابي المقبل. فقد كشفت صناديق الاقتراع عن الحجم الفعلي للقوى السياسية، ومدى قدرتها على الحشد والتأثير، ما يجعل من هذا المجلس البلدي الجديد مؤشّراً أولياً على رسم معالم المشهد السياسي في صيدا خلال المرحلة المقبلة.
وفي مدينة تعجّ بالرمزية والتحدّيات، يبقى الرهان الأكبر على تحويل هذا التوازن الانتخابي إلى مشروع عمل بلديّ متكامل، يعيد الثقة بالعمل المؤسساتي، ويضع حدّاً للانقسامات التي لطالما كبّلت مسيرة الإنماء المحلي.