عن خلفيات الدفع لإقرار قانون إعادة هيكلة المصارف...تكرار لأخطاء الماضي

في سياق الجهود المبذولة لتمرير قانون إعادة هيكلة المصارف، تبرز مجددًا محاولات بعض الأطراف الحكومية، لا سيما الفريق المحيط برئيس الحكومة القاضي نواف سلام ووزير الاقتصاد عامر البساط، إلى جانب وزير المال النائب ياسين جابر، للدفع بهذا القانون قدمًا في البرلمان، على رغم الملاحظات القانونية الجوهرية التي تقدّم بها مصرف لبنان، انطلاقًا من موقعه المؤسسي ودوره المنصوص عليه في قانون النقد والتسليف.
من منظور سياسي، تقول مصادر معنية بالملف لـ"المركزية": يبدو أن جزءًا من هذا الإصرار يرتبط برغبة بعض القوى في إعادة تشكيل موازين الصلاحيات داخل القطاع المالي، بما يتجاوز مجرد الإصلاح التقني. فثمة من يرى أن تقليص صلاحيات مصرف لبنان، ولا سيما موقع الحاكم، يندرج ضمن سعي أوسع لإعادة توزيع النفوذ المؤسسي بين المكونات الطائفية والسياسية، خصوصًا في ظل تولي شخصية مستقلة وغير منتمية للحسابات التقليدية قيادة المصرف المركزي.
بالنسبة للوزير جابر، تتابع المصادر تتأثر تحركاته برغبة في كسب ثقة الأطراف الدولية، لا سيما صندوق النقد الدولي والدول الشريكة، من خلال إظهار موقف داعم للإصلاح، حتى وإن كان مشروع القانون المطروح لا يلبّي فعليًا المعايير المطلوبة، سواء من حيث الهيكلية أو الصياغة القانونية، أو حتى توازن السلطات بين المؤسسات.
ومن الملفت ايضا، تضيف المصادر "انخراط عدد من النواب الإصلاحيين في دعم هذا التوجّه، ربما عن حسن نية أو نتيجة قراءة غير متكاملة للتجربة السابقة منذ عام 2019. إلا أن ما يغيب عن هؤلاء أن العديد من شخصيات الطبقة السياسية والمالية التي ساهمت في مراكمة الدين العام وتغذية نموذج الاستدانة – سواء من خلال سياسات الدولة أو عبر الهندسات المالية – هم أنفسهم من يدفعون اليوم تحت شعار الإصلاح" بقوانين تُعيد إنتاج منظومة التأثير ذاتها، ولكن بلبوس مؤسسي جديد".
وتشدد المصادر على ان حاكم مصرف لبنان كريم سعيد الذي يتميز بخلفية قانونية ومهنية مستقلة، وسجل خالٍ من أي مشاركة في الممارسات التي أدت إلى الأزمة يمكنه من موقعه المهني والقانوني الرصين، مخاطبة الأطراف الدولية المعنية بملف الإصلاح، لا سيما صندوق النقد والجهات الممثلة في مجموعة الخماسية.
وعليه، فإن أي نقاش جدي حول قانون إعادة هيكلة المصارف يجب أن ينطلق من مقاربة شاملة توازن بين ضرورة المحاسبة والعدالة من جهة، وبين الحفاظ على استقلالية المصرف المركزي ومنظومة الحوكمة المالية من جهة أخرى. وإلا فإننا نخاطر بتكرار أخطاء الماضي تحت مسميات جديدة.