"التوك توك"... من وسيلة إنقاذ إلى فتيل أزمة

بين الاعتصامات وقطع الطرقات، تحوّل "التوك توك" في لبنان من مركبة اقتصادية صغيرة إلى أزمة متنقّلة تشغل الرأي العام، وتثير انقساماً واسعاً بين مؤيّدين يعتبرونه مصدر رزق أساسي، ومعارضين يرون فيه سبباً للفوضى والخطر على السلامة العامة.
أصحاب "التوك توك"، الذين ينظرون إلى مركباتهم كمتنفّس اقتصادي وفرصة عمل نادرة، خرجوا إلى الشوارع في صيدا وبعلبك وطرابلس، محتجّين على قرار وزير الداخلية والبلديات أحمد الحجار القاضي بمنع نقل الركاب بواسطته، إذ يعتبرون أنّ القرار يهدّد لقمة عيش مئات العائلات. وأقفلوا طرقات رئيسة ووجّهوا رسائل واضحة إلى الدولة للمطالبة بالعودة عن القرار وتنظيم عملهم بدل وقفه.
ومع تفاقم الأزمة الاقتصادية في لبنان، لم يعد "التوك توك" مجرّد وسيلة نقل فردية محدودة، بل تحوّل إلى خيار عملي أساسي يلجأ إليه الكثيرون في مختلف المناطق. وتنوّعت مهامه ليشمل نقل البضائع والمنتجات، وتوفير خدمات التوصيل للمطاعم والمتاجر، وصولاً إلى نقل الأطفال إلى المدارس. وهذا التحوّل ساهم في توفير فرص عمل جديدة، وتحريك عجلة الاقتصاد المحلي، خصوصا في القرى والمناطق النائية. إلا أنّ هذا التوسع العشوائي في استخدام "التوك توك" كشف في المقابل عن مشاكل أعمق، أبرزها ضعف البنية التحتية، وغياب منظومة نقل عامة متكاملة تلبّي حاجات الناس بشكل منظم وآمن.
وفي هذا السياق، كشفت مصادر خاصة لموقع mtv من وزارة الداخلية والبلديات أنّه يُمنع تمامًا نقل الركاب بواسطة مركبات "التوك توك"، استنادًا إلى قانون السير اللبناني. وأوضحت المصادر أنّ "التوك توك" يُسجّل كدراجة آلية ذات ثلاث عجلات وفق المادة 301 من القانون، التي تحدّد استخدامه حصراً في نقل البضائع، وتمنع تسجيله كوسيلة نقل عموميّة أو سيّارة أجرة، وبالتالي لا يمكن وضع لوحة عموميّة عليه.
كما شدّدت الوزارة على أنّ المادة 123 من القانون تفرض معايير صارمة على سيّارات الأجرة، أبرزها وجود أربعة أبواب، مقاعد مريحة ونظيفة، إنارة داخلية، ملصقات تعريفية رسمية، وهي شروط لا تتوفّر في مركبات "التوك توك" التي تفتقر أيضاً للمعايير الفنيّة والأمنيّة المطلوبة لنقل الركاب.
ومع الارتفاع الكبير في سعر "التوك توك"، من نحو 2000 دولار في بداياته إلى حوالى 3000 دولار اليوم، يخشى السائقون من الخسائر الكبيرة التي قد تلحق بهم نتيجة أي قرارات حظر أو تقييد عشوائيّة، ما يهدّد سوق البيع والشراء ويدفع المزيد من العائلات إلى دوامة البطالة والفقر.
في النهاية، يبقى "التوك توك" في لبنان أكثر من مجرد مركبة صغيرة. فهو أمل للكثير من العائلات التي تعتمد عليه لتأمين رزقها، وفي الوقت نفسه مصدر قلق للدولة بسبب الفوضى ومشاكل السلامة. وبين الحاجات الاقتصاديّة والمخاطر، يبقى الحلّ بيد الدولة: هل تنجح في تنظيم عمل "التوك توك" بشكلٍ عادلٍ وآمن، أم سيبقى هذا الجدل مستمرًا بلا حلول؟