أربعة أشهر من الوقت الإضافي الضائع... كيف ستكون نتائجها؟

فيما تحدّد الورقة الأميركية 90 يومًا لتسليم السلاح و 30 يومًا لتطبيق حلول الإصلاح، هناك حوالى 4 أشهر إضافية "ضائعة" أمام لبنان، خالية من أي اتفاقيات دعم أو استثمارات أو مساعدات وإجراءات إصلاحية قد تضخّ تدفقات مالية في البلاد، مع العلم أن الموفد الأميركي الحالي والسابق أكّدا أن لا إصلاح أو دعم من دون الاستقرار الأمني أي نزح السلاح بالكامل، كما أنّ مؤتمر الدعم الفرنسي المنتظر في الخريف يشترط المشاركون فيه أيضًا، الاستقرار الأمنيّ أوّلًا.
كيف يمكن أن تستمرّ البلاد على الصعيد المالي والنقدي بعد انقضاء الموسم السياحيّ الذي استطاع حاليًّا تأمين الدولارات لتغطية الشحّ بالعملة الأجنبية الذي كان قد بدأ بالظهور في السوق؟ وهل إن المؤشرات الاقتصادية التي أظهرت تحسّنًا في النصف الأوّل من العام الحالي يمكن أن تحافظ على مستوياتها أم أنها ستعاود التراجع بعد فصل الصيف؟
من المؤشرات الإيجابية التي لاقت زخمًا بسبب الموسم السياحي الناشط وبسبب الآمال التي كانت معقودة على الحكومة الجديدة واتفاق وقف الحرب، نموّ الواردات بنسبة 16 % خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام، ازدياد الطلب على الليرة اللبنانية، ما أتاح لمصرف لبنان تعزيز احتياطياته بمقدار 1.2 مليار دولار منذ بداية العام لتبلغ حوالى 11.3 مليار دولار في نهاية حزيران، وهو أعلى مستوى لها منذ ثلاث سنوات، ارتفاع أسعار سندات اليوروبوندز إلى حدود 18 سنتًا للدولار الواحد، ارتفاع الودائع بالنقد الأجنبي (الفريش) لدى المصارف بقيمة 800 مليون دولار منذ بداية العام الحالي، لتصل إلى 4 مليارات دولار حاليًا، استقرار سعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار في السوق الموازية، تسجيل ميزان المدفوعات فائضًا بقيمة 1.9 مليار دولار خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام 2025، وغياب العجز في حساب المالية العامة مع توازن الإيرادات والنفقات.
اليوم، ومع تلاشي الآمال بالتوصل إلى اتفاق حول نزح السلاح، وعدم إمكانية استعادة الثقة قبل إتمام الإصلاحات المطلوبة دوليًا وإقليميًا، والاتفاق مع صندوق النقد الدولي، ما هي التوقعات للمؤشرات المالية والنقدية والاقتصادية للأشهر المقبلة؟
في هذا الإطار، أكّد الخبير الاقتصادي وليد أبو سليمان أنّ النموّ الاقتصادي ضرورة ملحّة لتوفر السيولة في البلاد، ومن دون الإصلاحات والدعم المالي من الخارج، سيبقى الوضع هشًّا وغير مستقرّ سياسيًّا، وبالتالي ستبقى الاستثمارات غائبة وسيتراجع معدل الاستهلاك لا بل سيقتصر الاستهلاك على الأساسيات. موضحًا لـ "نداء الوطن" أنّ هذا الواقع سيجعل الدولة وماليتها العامة تستخدم ما جمعته من رصيد مالي في حسابها لدى مصرف لبنان وسيولة إضافية نتيجة زيادة الضرائب وجبايتها.
أما في ما يتعلّق باحتياطي مصرف لبنان، اعتبر أبو سليمان أنّ زيادة احتياطي مصرف لبنان من العملات الأجنبية نتج عن جباية الدولة لصالح البنك المركزي، الدولارات من خلال بيع المكلّفين، الدولارات لتسديد الضرائب والرسوم بالليرة.
وأشار إلى أن استقرار سعر الصرف نتج عن خفض الكتلة النقدية بالليرة في السوق لتصل إلى 700 مليون دولار، ما جعل سعر الصرف مستقرًّا بشكل اصطناعي بسبب سيطرة البنك المركزي على حجم الكتلة النقدية، ولكن في حال عدم حصول نموّ مدفوع بالإصلاحات المطلوبة والدعم الدولي، يمكن أن تستمرّ البلاد على هذا المنحى لغاية نهاية العام، إلّا أنّ المؤشرات الاقتصادية وميزانية الدولة أي سيولتها، ستتراجع.
وقال أبو سليمان: شئنا أم أبينا، فإن الإصلاحات هي ممرّ إلزامي لوضع الاقتصاد والمالية العامة على السكة الصحيحة. ورغم أن الدولة قادرة على الصمود لغاية نهاية العام من "لحمها الحيّ" وكذلك الأمر بالنسبة لمصرف لبنان الذي يستطيع الحفاظ على استقرار سعر الصرف، إلّا أنّ هذا الواقع غير سليم ويحتاج إلى معالجات جذرية مثل توحيد سعر الصرف وتحريره في نهاية المطاف. مؤكدًا أن التعويل على دولارات السياحة ومن ثمّ على دولارات المغتربين ليس حلًّا مستدامًا!
أهميّة الوقت
من جهته، أكد الأكاديمي والباحث في الشؤون الاقتصادية والمالية جهاد الحكيّم أنّ سرعة الإصلاح لا تقلّ أهميّة عن الإصلاح بحدّ ذاته، "وكلّما طال الإصلاح أصبحت الأمور أسوأ"، وبالتالي فإنّ الزخم الذي كان قائمًا للإصلاح والنهوض بالبلاد على كافة الأصعدة، والآمال التي كانت معقودة حول إمكانية استعادة الاستثمارات وضخ الأموال عبر الدعم المالي الخارجي، قد بدأت تتلاشى اليوم. "ومن كان يأمل أو يخطط للاستثمار في لبنان، بدأ يفقد الأمل والاتجاه الإيجابي positive trend لم يعد بالوتيرة عينها".
وقال: الظاهر أنه لا توجد نيّة للإصلاح في لبنان حاليًا في حين أن الغالبية تعارض التوصل إلى برنامج مع صندوق النقد الدولي، ولا بوادر لأي دعم مالي خارجي قبل التوصل إلى حلّ جذريّ لمسألة السلاح وتوفر الاستقرار. كما أن الوضع في لبنان سيبقى على حاله في حال عدم تطبيق الإصلاحات المطلوبة وإلى حين انقضاء مهلة الورقة الأميركية لنزع السلاح وحصول لبنان على أي دعم مالي، "لأننا بلغنا الحضيض منذ عامين، ووصلنا إلى القعر وإلى أسوأ ما يمكن للاقتصاد أن يصل له، وبالتالي كلّ ما نراه من تحسّن في المؤشرات حاليًا هو موسميّ وغير مستدام، جاء نتيجة موسم الصيف والآمال المعلّقة على الحكومة للتغيير، معتبرًا أن زيادة احتياطي مصرف لبنان من العملات الأجنبية وارتفاع الودائع في المصارف هي مجرّد أدوات للتسويق، طالما لم تحلّ مشكلة المودعين والمتقاعدين وكل من تضرر من أزمة الانهيار، وتستعيد شريحة كبيرة منهم حقوقها ومدّخراتها وتعويضاتها وشدّد أيضًا على أهميّة التخلّص من الاقتصاد النقدي.
ولفت إلى أن تحسّن حجم الواردات ناتج عن الموسم السياحي وتدفّق المغتربين، "أما المؤشر الذي يدلّ على النموّ فهو نموّ الصادرات وزيادة فرص العمل والإنتاج الصناعي وثقة المستهلك، بالإضافة إلى نمو الاستثمارات وزيادة العمران ورخص البناء وليس زيادة الواردات". كما أن استقرار سعر الصرف لم يعد مؤشرًا يدلّ على التعافي بعدما أصبح الاقتصاد مدولرًا بشكل تام، وبعدما فقدت العملة المحلية دورها ولم تعد عملة ادّخار أو وسيلة للتداول. بالإضافة إلى ذلك، فإن مؤشر غياب العجز في حساب المالية العامة أمر طبيعي في ظلّ اعتماد موازنة محاسبية تعتمد فقط على موازنة تركيب أرقام من الإيرادات مع أرقام النفقات من دون تحقيق فائض ومن دون ربطها بأي خطة إصلاحية اقتصادية ومالية تشمل النفقات الاستثمارية كما إعادة الإعمار وتأهيل البنى التحتية وغيرها....
وأشار الحكيّم إلى أن الإصلاحات التي يجب على الحكومة تنفيذها بغض النظر عن مسألة نزح السلاح والحصول على دعم مالي خارجي، لم تطبّق بعد، وبالتالي"نحن ندور في حلقة مفرغة، وسيستمرّ الوضع على ما هو حاليًا، أي سيواصل الاقتصاد النقدي استفحاله، وهو المرادف للفقر ومرتع لعمليات تبييض الأموال، ما سيقضي على التأثير المضاعف multiplier effect ويمنع الاقتصاد من النمو في ظلّ عدم الاستفادة من عامل الاستهلاك بغياب القروض المصرفية نتيجة عدم حلّ أزمة المصارف وإعادة هيكلتها واستعادة دورها كمحرك للاقتصاد".
وفيما شدّد على أن البلد الذي يعتمد على أموال السياحة فقط للصمود هو اقتصاد فاشل، أوضح أنه مع انقضاء الموسم السياحي، سيعود التعويل على تحويلات المغتربين لتأمين الدولارات، وعلى هجرة الشباب مقابل صمود الفئات العمرية الكبرى في البلاد، مع الإشارة إلى أن اقتصاد المعرفة نما بشكل ملحوظ في الفترة الأخيرة عبر الهجرة الافتراضية للشباب، ما ساهم في تأمين فرص العمل للشباب اللبناني.
وأشار إلى أنه في ظلّ قيام اقتصاد نقدي هو مرتع لتبييض الأموال، فإنّ التدفّقات المالية يمكن ألّا تنقطع عن البلاد من دون إمكانية تحديد مصادرها أو حجمها، إلّا أن مفعولها يظهر جليًا في السوق. خاتمًا "أن البلاد تعاود النهوض ظاهريًا على غرار بناءٍ يعلو على أساسات غير سليمة!" مؤكدًا أن حالة عدم اليقين منعت بلورة أو تنفيذ الاستثمارات المنتظرة والتي كانت قد أخذت دعمًا وزخمًا من العهد الجديد الذي بدأ يفقد بريقه مع تأخره في تطبيق الإصلاحات.