موجةُ الحرّ تُهدّدنا... الموضوع "مش مزحة"

موجة حرّ؟ بل موجة غليان، إنّها sauna فعلاً. الصّيف الطّبيعي لم يعد موجوداً وحلّت مكانه درجات حرارة قياسيّة تخنقنا يوميًّا، واليوم نتحدّث عن موجة شديدة شهد مثلها لبنان في العام 2023.
"الجَدّ بلّش"، يقول رئيس قسم التقديرات في مصلحة الأرصاد الجويّة في مطار رفيق الحريري في بيروت، محمد كنج الذي يلفت في حديثٍ لموقع mtv إلى أنّ "المُشلكة الحقيقيّة تقع إذا امتدّت موجة الحرّ، لأنّها قد تتسبّب بدخول حالاتٍ صحيّة إلى المُستشفيات إذا ما استمرّت طويلاً".
إذاً، الموضوع "مش مزحة" والنّصائح والإرشادات لم تعد رفاهية بل هي ضرورة ملحّة حفاظاً على صحّتنا. وهنا ينصح كنج بتجنّب النّشاط البدني المفرط والتّقليل من المجهود البدني خصوصاً في ساعات الذّروة (من 11 صباحاً إلى 4 عصراً). وإذا كان لا بدّ من العمل، يُفضّل أخذ استراحات متكرّرة والإكثار من شرب الماء مع الحفاظ على التغذية الخفيفة مع وجبات غنيّة بالخضار والفواكه المليئة بالمياه مثل البطيخ والخيار. من دون أن ننسى الحرص الدائم على ترطيب الجسم والاستحمام المتكرّر والقيام بكلّ ما يُعيد درجة حرارة الجسم إلى طبيعتها.
من المهمّ أيضاً، وفق كنج، حماية الفئات الأكثر عرضة لتداعيات موجة الحرّ مثل الأطفال وكبار السنّ والمرضى لأنّهم يتأثّرون أكثر من غيرهم بضربات الشّمس والتداعيات الصحيّة قد تكون خطيرة مثل اضطرابات ضغط الدم والإرهاق والإغماء وغيرها... كما يجب عدم ترك الأطفال أو الحيوانات في سيّارة مغلقة أبداً ولو لدقائق معدودة.
هذا في ما يتعلّق بالصحّة، ولكن ماذا عن التغيّر المناخي؟ وماذا ينتظرنا في المُستقبل؟ هل تختفي الفصول في بلد الاعتدال؟ ينفي كنج ما يُحكى عن اختفاء الفصول الأربعة، ويرى أنّ "كلّ المؤشّرات تبيّن أنّ الصّيف يطول والشّتاء يتأخّر وهذا ما لاحظناه في السّنوات الماضية مع تأخّر الصّقيع وتساقط الأمطار"، ويُتابع: "تأخّر تساقط الثلوج في العام الماضي إلى كانون، وللأسف هذه السّنة كانت من الأسوأ على صعيد كميات الأمطار، إذ شهدنا أقلّ من 50 في المئة من المعدّل الطّبيعي". ويُضيف أنّ الفصول الأربعة لا تختفي في لبنان، "يُمكن أن تضمحلّ أو تطول على حساب غيرها، والأرجحيّة أنّ فصل الشتاء يقلّ وفصل الصّيف يطول، والربيع والخريف قد لا يبدآ كما اعتدنا في 21 آذار و21 أيلول".
أمّا ما يُمكن أن نقوم به لمواجهة هذا الواقع، فهو التأقلم عبر نشر ثقافة استهلاك المياه وتعزيز تدريب التّلاميذ في المدارس على أهميّة المياه وكيفيّة الحدّ من الهدر لأنّه عنصر بالغ الأهميّة في حياتنا. ويُضيف كنج مُشدّداً: "إذا تكرّر نمط التّساقط القليل لكميات الأمطار بشكلٍ أقلّ من المعدّلات، يبدأ من الضّروري دقّ ناقوس الخطر".
هنا يُصبح واجباً على الدّولة أن تُشارك عبر كلّ مؤسّساتها لوضع خطّة لمُكافحة الوضع أو للتأقلم معه، موضحاً: "يجب إعداد خطّة لترشيد استهلاك المياه عبر سدود أو تدريب تلاميذ في المدارس على كلّ ما يتعلّق باستهلاك المياه، مع ضوابط من قِبل كلّ مؤسّسات الدولة، وهذا أمرٌ لا مفرّ منه".
في بلدٍ نحسب فيه ألف حساب قبل استخدام المياه للشّرب أو الاستحمام أو التنظيف، لم يعد الحديث عن إدارة استهلاك المياه تفصيلاً بيئيًّا بل صار عنواناً لحياتنا اليوميّة وحفاظاً على صحّتنا. وبين التغيّر المناخي الذي يسرق فصولنا وموجات الحرّ التي تُنذر بما هو أخطر، نكتشف أنّ الجفاف لا يُصيب الأرض فقط، بل يطالنا نحن، بصحّتنا وأعصابنا، وحتى قدرتنا على العيش بسلام.