حريق نفايات يؤرق صيدا... وموجة الحر تخترق السراي الحكومي

تحت وطأة موجة حرّ خانقة ورطوبة لزجة تلفّ سماء لبنان، وجد اللبنانيون أنفسهم في مواجهة صيفٍ يلهب الأجساد ويثقل الأنفاس. الحرارة المرتفعة لم ترحم أحدًا، فتسللت حتى جدران السراي الحكومي، حيث اشتكى الموظفون من اختناق المكاتب بعد انقطاع التيار الكهربائي لساعات طويلة، وتوقف المكيّفات عن صدّ لهيب النهار.
في الخارج، الشوارع تلمع تحت أشعة الشمس الحارقة، والهواء الساخن يلتصق بالبشرة كأنه طبقة لا تُنزع، بينما في الداخل تذوب الأوراق على المكاتب تحت أنفاس الصيف الثقيلة، في مشهدٍ يلخص معاناة بلدٍ يرزح بين شمسٍ لا ترحم وكهرباء غائبة.
تواصل موجة الحر التي تضرب لبنان تسجيل معدلات غير مسبوقة لهذا الوقت من العام، في ظل رطوبة خانقة وانقطاع متكرر للتيار الكهربائي، ما جعل الموظفين في الإدارات العامة يواجهون صيفًا قاسيًا يضاعف من إرهاقهم وسط الأزمات الاقتصادية والمعيشية التي تثقل كاهلهم.
ولم يعد لهيب الشمس محصورٍا في الشوارع والفضاءات الخارجية، بل تسلل إلى أروقة سراي صيدا ومكاتبها. فبينما ينعم المراجعون في الطابق المخصص لدائرة العقارية والمساحة بتبريد يسهّل إنجاز معاملاتهم، يختلف المشهد كليًا في الطابق الذي يضم دائرة الاقتصاد ومصلحة الصحة، حيث النوافذ مفتوحة بحثًا عن نسمة هواء – حتى لو كانت ساخنة – مع انقطاع مستمر للكهرباء الرسمية. حتى مكتب جهاز أمن الدولة في الطابق نفسه لم يسلم، إذ عاش بدوره بين فترات من العتمة وحرارة الصيف اللاهبة.
وفي دائرة الصناعة، اضطر بعض الموظفين إلى مغادرة مكاتبهم مع توقف أجهزة التبريد، بينما أُغلقت دائرة النفوس بالكامل بعد تعطل كابل الكهرباء بفعل شدة الحرارة، لتتوقف خدماتها حتى انتهاء أعمال الإصلاح. أما تعاونية الموظفين، فقد تمكنت من معالجة عطل كهربائي كان قد شلّ عملها في اليوم السابق.
المعاناة انسحبت أيضًا على المنطقة التربوية، ودائرة التنظيم المدني، ودائرة الأشغال، التي تأثرت بسوء التغذية الكهربائية وارتفاع درجات الحرارة، في حين بقيت دوائر المالية ومحافظة الجنوب قادرة على متابعة عملها بفضل الاعتماد على مولدات خاصة.
أمام هذا الواقع، وجّه عدد من رؤساء الدوائر والموظفين مناشدة إلى محافظ الجنوب، منصور ضو، للتدخل العاجل وتأمين استمرارية التيار الكهربائي، خاصة مع توقعات بارتفاع إضافي في درجات الحرارة خلال الأيام المقبلة، حفاظًا على بيئة عمل تسمح لهم بأداء مهامهم على الوجه المطلوب.
وسط ارتفاع الحرارة والرطوبة، اندلع حريق كبير في جبل النفايات قرب مركز معالجة النفايات في منطقة سينيق في صيدا وقد هرعت سيارات الإسعاف لإخماده وتمت الاستعانة بطائرة مروحية تابعة للجيش اللبناني، حيث يتواجد بالقرب منه مراكز لتعبئة الغاز والأوكسجين ما يشكل خطرًا كبيرًا على السلامة العامة.
وهذا الحريق ليس الأول الذي يندلع في ذات المكان، وقد طالب أبناء المدينة وزير الداخلية والبلديات أحمد حجار فتح بتحقيق مفصل حول أسبابه لمعرفة ما إذا كان مفتعلًا كما يشك الصيداويون في كل مرة.
وتوجّه النائب الدكتور عبد الرحمن البزري بالشكر والتقدير إلى قيادة الجيش اللبناني، وعلى رأسها العماد رودولف هيكل، لاستجابتها السريعة لنداء مدينة صيدا في مواجهة الحرائق، منوّهاً بإرسال طوافات الجيش للمشاركة في عمليات الإطفاء.
وتابع النائب البزري عن كثب تطورات الحريق الممتد في جبال النفايات، بالتنسيق مع قائد الجيش، ورئيس بلدية صيدا المهندس مصطفى حجازي، والجهات المعنية، مثنيًا على الجهود الكبيرة التي تُبذل لإخماد النيران، رغم الإمكانات المحدودة التي تعمل بها فرق الدفاع المدني وأفواج الإطفاء.