حصريّة السّلاح... والتحدّي الأكبر أمام اللبنانيين

تشير النصائح الدولية والعربية المتكاثرة في الآونة الأخيرة إلى ضرورة أن تكون مسألة حصرية السلاح في لبنان ثمرة قرار لبناني داخلي، يقوم على خطة تنفيذية واضحة تنبع من توافق وطني جامع، لا أن تُفرض من الخارج تحت وطأة ضغوط أو إملاءات.
هذا التشديد يعكس إدراكًا عميقًا لطبيعة الواقع اللبناني المعقّد، حيث أي محاولة لفرض حلول من خارج السياق الوطني تتحول سريعًا إلى فتيل تفجير داخلي، وتهدد الاستقرار الدقيق الذي لا يحتمل تجارب جديدة. لذلك؛ فإن نجاح أي خطة لحصر السلاح بيد الدولة يقتضي أن تتشكل ضمن بيئة سياسية متماسكة، تنطلق من مبدأ حماية المصلحة الوطنية العليا، لا من مقايضات أو رهانات خارجية متقلبة.
على هذا الأساس، يبرز إجماع داخلي ضمني على أن المصلحة اللبنانية العليا تفرض ألا تشعر أي طائفة بأنها مكسورة أو أنها مستهدفة بالهزيمة. فالتجارب التاريخية علّمت اللبنانيين أن أي إحساس بالهزيمة أو الإقصاء يولد ردة فعل مدمرة تعصف بالسلم الأهلي وتدخل البلد في دوامة من اللااستقرار. ولعل هذا ما يفسر التحفظ العميق حيال مقاربة السلاح من زاوية استهداف الطائفة الشيعية، إذ من شأن ذلك أن يعيد إنتاج المعضلة التاريخية نفسها التي عانى منها لبنان منذ الاستقلال، وهي أن شعور مكوّن رئيسي بأنه خاسر في معادلة السلطة أو الأمن، يؤدي إلى ردات فعل قاسية على المستوى الوطني.
لكن الخطر الأكبر يكمن في قابلية إسرائيل لاستغلال أي خلل في التوافق اللبناني الداخلي حول هذه المسألة، ولا سيما إذا برز انقسام داخل الحكومة بشأن خطة حصرية السلاح. مثل هذا الانقسام قد يشكل الذريعة المثالية لحكومة بنيامين نتنياهو، الساعية لتبرير أي عدوان جديد على لبنان تحت شعار استكمال تدمير البنية العسكرية لـ "حزب الله". إذ إن الخطاب الإسرائيلي يجد دائمًا في الانقسامات الداخلية منفذًا لتحويلها إلى مبرر لسياسات عسكرية هجومية، تحت غطاء الدفاع عن النفس أو تطبيق ما عجزت عنه القرارات الدولية التي تعتبرها إسرائيل ملزمة للآخر وليس لها.
وتزداد الخطورة مع المعطيات الدبلوماسية المتداولة عن رفض إسرائيل للورقة الأميركية التي طرحت في الآونة الأخيرة كإطار للحل، ووجود توجه لدى نتنياهو لتوسيع رقعة الاحتلال الإسرائيلي في بعض المناطق اللبنانية. الأخطر أن السيناريوات المطروحة لا تقتصر على الجنوب وحده، بل تشمل احتمال لجوء إسرائيل إلى عمليات كوموندوس في منطقة البقاع، على غرار ما تنفذه في سوريا، بحيث تستهدف منشآت أو مخازن أسلحة لـ "حزب الله". وهذا يعيد إلى الأذهان حقبة الثمانينات عندما أقدمت إسرائيل على اختطاف قيادات لبنانية مثل أبو علي الديراني والشيخ عبد الكريم عبيد، في خطوات كانت تهدف إلى إرباك الواقع الداخلي وتغيير موازين القوى.
ولا يقتصر التهديد عند هذا الحد، بل يتعداه إلى احتمال توسع إسرائيل في منطقة جبل الشيخ، حيث تعمل على تعزيز مواقعها العسكرية وفتح طرقات جديدة تسهل لها التوغل باتجاه الداخل اللبناني. في حال تحقق هذا السيناريو، سيجد لبنان نفسه أمام معادلة شديدة الخطورة، وهي احتلال في الجنوب واحتلال آخر في البقاع، وهو ما يعني خلطًا شاملًا للأوراق العسكرية والسياسية، وتفجيرًا لمعادلة الاستقرار الممسوك، وربما إدخال لبنان في مرحلة أشد تعقيدًا من الحرب الإسرائيلية الأخيرة.
التحدي المطروح أمام اللبنانيين اليوم يتجاوز مسألة إقرار خطة الجيش لحصر السلاح بيد الدولة، وهذا الأمر يفترض أن يكون من البديهيات، ليصل إلى مستوى رسم معادلة وطنية متماسكة تحصّن الداخل وتمنع إسرائيل من استغلال أي شرخ. فالقرار يجب أن يكون لبنانيا بالكامل، وأن يُبنى على شراكة حقيقية بين المكونات كافة، لأن أي إخلال بهذه القاعدة سيجعل من الساحة اللبنانية مسرحًا مفتوحًا أمام مشاريع خارجية لا ترى في لبنان سوى ساحة لتصفية الحسابات، وهنا تكمن مسؤولية "حزب الله" في الاقتناع بأن الحل هو بأن تكون الدولة بمؤسساتها هي الحامية للجميع، وأن يكون الجميع على قدم المساواة تحت سقف الدستور والقانون