رؤية الرياض للبنان: الاقتصاد طريق الخلاص

لطالما كان دعم السعودية للبنان ركيزة أساسيّة لاستقراره السياسي والاقتصادي، بدءًا برعايتها اتفاق الطائف الذي أنهى الحرب الأهلية، مرورًا بمساهماتها في إعادة الإعمار، وصولًا إلى مبادراتها المستمرّة لإنهاء الفراغات السياسية ودعم المؤسّسات. تؤكّد المملكة أنّ استقرار لبنان ليس خيارًا ترفيهيًا، بل ضرورة استراتيجية لتعزيز الأمن الإقليمي، وأنّ الوقوف إلى جانبه التزام تاريخي ينبع من رؤية عربية شاملة تهدف لترسيخ السلم والتنمية.
فرصة تاريخيّة للنهوض الاقتصادي
يواجه لبنان اليوم منعطفًا تاريخيًا يمنحه فرصة نادرة للخروج من أزماته الاقتصادية المتفاقمة، في ظلّ تجدّد الاهتمام الدولي بقضاياه. ويبرز في هذا السياق الموعد المرتقب لزيارة المبعوث الفرنسي جان إيف لودريان والمنسّق العام للمؤتمر الاقتصادي لدعم لبنان جاك دو لاجوجي يومي 10 و 11 أيلول، تمهيدًا لإطلاق مؤتمر دولي شامل يعيد لبنان إلى خارطة الاستثمار العالمي. كذلك من المتوقع زيارة الموفد السعودي الأمير يزيد بن فرحان هذا الأسبوع، الذي ترتدي زيارته اهمية سياسية بعد جلسة 5 أيلول، ولن تكون الأبعاد الاقتصادية بعيدة من متناول البحث إذ تربط السعودية ودول الخليج صراحة التقدم في بسط السيادة والإصلاحات وتقديم العون الاقتصادي اللازم.
وبعد زيارة لبنان، سيتوجّه الموفد الفرنسي إلى الرياض لتعزيز التنسيق العربي الدولي حول دعم لبنان. تهدف هذه المبادرة إلى تعزيز قدرات الجيش اللبناني، والمساهمة في إعادة الإعمار، وإنعاش القطاعات الحيوية، بما يعيد الثقة بلبنان كوجهة استثمارية مستقرة وآمنة.
التنمية أوّلًا والسياسة لاحقًا
تشير التطوّرات الإقليميّة الأخيرة إلى أن التنمية الاقتصادية قادرة على تجاوز منطق الصراعات التقليدية. يمتلك لبنان كلّ المقوّمات اللازمة للنهوض: موقعه الاستراتيجي على البحر المتوسط، تراثه الثقافي الغني، طاقاته البشرية المؤهّلة، وقطاعات واعدة تشمل الزراعة والسياحة والصناعة والخدمات. لكنّ استثمار هذه الفرص يتطلّب إصلاحات شاملة وإدارة رشيدة تعيد الثقة بالدولة ومؤسّساتها، ليصبح لبنان وجهة اقتصادية آمنة ومستدامة.
الأمن شرط أساسيّ لجذب الاستثمار
لا يمكن لأيّ خطة اقتصادية أن تحقّق أهدافها من دون بيئة مستقرّة وآمنة. يؤكّد خبراء الاقتصاد أن توحيد السلاح تحت سلطة الدولة شرط أساسي لجذب المستثمرين واستعادة الثقة. فوجود جيش وطنيّ قادر على فرض سيادة القانون يعزّز صورة لبنان كدولة آمنة، ويفتح المجال أمام شراكات عربيّة ودوليّة تدعم مسار النمو والتنمية وتضمن استدامة الاستثمارات المحلية والعربية والدولية.
أساس المستقبل: إصلاحات جذريّة وحوكمة شفافة
وفق مصادر سعودية أكاديمية تحدّثت لصحيفة "نداء الوطن"، تبدأ التنمية الحقيقية من التعليم، إذ يمثّل الاستثمار في العقول والمهارات بوّابة النهضة لأي دولة. يحتاج لبنان إلى استراتيجية وطنية تركّز على تطوير التعليم، تشجيع البحث العلمي، تعزيز الصناعات المحلية وربط مخرجات التعليم بسوق العمل لبناء اقتصاد تنافسي طويل الأمد يواكب التحوّلات العالمية ويخلق فرص عمل مستدامة.
إلى جانب التنمية والأمن، يحتاج لبنان إلى خطة إصلاح مالية عاجلة تشمل إعادة هيكلة الدين العام وضمان حوكمة شفافة لمكافحة الفساد. هذه الإصلاحات تمثل الشرط الأساسي لاستعادة ثقة المجتمع الدولي والداعمين العرب، وتشجيع تدفق الاستثمارات، فالثقة حجر الأساس لأي نهضة اقتصادية حقيقية.
الاقتصاد: بوّابة الاستقرار والخلاص
الرسالة السعودية للبنان واضحة: لا دولة قوية بلا اقتصاد متين، ولا استقرار بلا إصلاح وتنمية. المطلوب أن يتخلّى لبنان عن سياسة المحاور والصراعات الداخلية، ويعتمد استراتيجية اقتصادية وطنية تحظى بتوافق داخلي ودعم خارجي. بهذا النهج، يمكن للبنان أن يتحوّل إلى نموذج للنهضة في المنطقة، مؤكّدًا أن التنمية والاقتصاد هما السبيل الأنجع لتحقيق السلام المجتمعي والاستقرار السياسي، وأن المستقبل المزدهر يبدأ بالاستثمار في الإنسان قبل أي شيء آخر