واشنطن والقرار الأمني في لبنان: أورتاغوس للواجهة وبراد كوبر للميدان

يزداد المشهد اللبناني تعقيداً مع كل يوم يمرّ. في الظاهر، ثمّة جولات دبلوماسية ورسائل أميركية متواصلة، آخرها عبر الموفدة مورغان أورتاغوس، التي يُفترض أن تصل إلى بيروت نهاية الأسبوع المقبل للمشاركة في اجتماع لجنة مراقبة وقف إطلاق النار. لكن خلف هذه الصورة الدبلوماسية، تتسرّب معلومات من مصادر خاصة تؤكد أنّ القرار الفعلي المتعلق بملف لبنان الأمني بات في عهدة قائد القيادة الوسطى الأميركية الجنرال براد كوبر، الذي يُمسك بالمفاصل الميدانية في اكثر من بلد، ويرسم خطوط التوجهات، فيما تبقى أورتاغوس مجرد واجهة سياسية إعلامية لتسويق السياسات الأميركية، بعد كفّ يد توم باراك عن الملف اللبناني بشكل نسبي.
تُشير المصادر عبر "ليبانون ديبايت" إلى أن دخل كوبر الى الصورة يعني أن واشنطن تتحرّك اليوم على أساس أمني عسكري أكثر منه سياسي، ولذلك تم تفعيل عمل لجنة مراقبة قرار وقف إطلاق النار من جديد بعدما كان التوجه الاميركي منذ أشهر إلى تجميدها وتعليق عملها بغية الدفع بالمفاوض اللبناني للتفاوض المباشر مع كيان العدو الإسرائيلي.
ما تريده الإدارة الأميركية بحسب المصادر هو تفعيل دور الجيش اللبناني في الجنوب، وتوسيع نطاق انتشاره وصولاً إلى إنهاء مهمة حصر سلاح حزب الله جنوب الليطاني، تمهيداً للانتقال لاحقاً إلى الشمال. هذا المسار تُصاغ له "خطط دعم" للجيش تحت عنوان المساعدات، لكنه في الجوهر خطة أمنية كاملة المواصفات هدفها تحجيم الحزب وضبط التوازنات في الجنوب.
هذا المسار الأميركي يُفترض أن يبقى حاكماً في الأسابيع المقبلة، تقول المصادر، مشيرة إلى أنه في المقابل، يعرف اللبنانيون جيداً أنّ إسرائيل لا تُؤتمن. تجارب العقود الماضية أكّدت أنّ هذا الكيان يمارس الغدر، لذلك فإن الحديث الإسرائيلي عن شروط ومطالب لتقييد الحزب سرعان ما يترافق عملياً مع ضربات جوية مركّزة أو محاولات للتوغل وفرض أمر واقع على الحدود.
تُشير المصادر إلى أن العدو مارس التصعيد منذ منتصف شهر آب، من خلال استهداف مواقع قريبة من المنازل بداية، ثم استهداف شقة في مبنى سكني في النبطية مؤخراً، ويبدو واضحاً أن نتانياهو لا يريد وقف الحروب بل تمديدها، وهناك وجهة نظر تقول أن اسرائيل لا يمكن أن ترضى باستمرار الواقع الحالي لوقت طويل لأنها تعتبر أن هذا الوقت يُفيد حزب الله الذي يُعيد ترميم نفسه، وبالتالي هي تنتظر الوقت المناسب للقيام بعملية عسكرية واسعة في لبنان، تزهر بوادرها من خلال بعض الإجراءات العسكرية "الهجومية" التي تقوم بها على الجانب السوري.
لبنان من جانبه خرج من جلسة الحكومة الأخيرة بصيغة داخلية مريحة نسبياً، تُكسب الوقت للجميع، ولكن يبدو أن الاميركيين الذين لم يرغبوا بالفوضى الداخلية لأسباب كثيرة، يُريدون زيادة الضغط الأمني، والضغط على الجيش اللبناني لتنفيذ مهمة حصر السلاح، بينما يُفترض بالحكومة اللبنانية أن تربط تنفيذ المهمة في جنوب الليطاني بتطبيق إسرائيل لاتفاق وقف إطلاق النار، وهو ما تستبعد المصادر قيام الحكومة به.
وتتوقع المصادر خلال المرحلة المقبلة تكثيف طلبات اللجنة للجيش اللبناني لدخول مواقع مفترضة لحزب الله، على أن النتيجة معروفة بحال لم ينفذ الجيش الطلبات، فالواضح أن الأميركيين يسيرون باتجاه مشروع سياسي لتغيير موازين القوى الداخلية، بالشراكة مع قوى سياسية لبنانية، ومشروع أمني طويل الأمد في لبنان، ستكون إسرائيل الشريك التنفيذي الأكثر شراسة فيه