لا انتخابات في أيار؟

هذه الجهة تتهم ذاك الفريق بالعمل على "تطيير" الانتخابات النيابية في موعدها الدستوري منتصف أيار المقبل. وهكذا تدور الدوائر لتستقرّ عند حدود التهرّب من مواجهة الناس في خياراتهم الديمقراطية. وهذه المواجهة تتخذ أكثر من شكل. البداية – النهاية جاءت على لسان
رئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي أقفل باب الاجتهاد بالنسبة إلى إدخال أي تعديل على القانون الانتخابي النافذ بعدما كرّر رفضه إدراج اقتراح القانون بصفة المكرّر المعجّل المطالب بتعديل المادة 112 من القانون الحالي على جدول أعمال الجلسة التشريعية. وهذا الأمر استدعى انسحاب كتلتي "القوات اللبنانية" و"الكتائب اللبنانية" والنواب الذين يدعمون فكرة مشاركة المغتربين في هذه الانتخابات على أساس ممارسة حقهم الطبيعي بالتصويت للنواب الـ 128 كسائر اللبنانيين المقيمين.
وهذه الجدلية، التي طيّرت نصاب الجلسة التشريعية، مرشحة للتفاعل أكثر مع اقتراب موعد المهلة القانونية لتسجيل المغتربين، الذين يرغبون بالمشاركة في هذه الانتخابات أيًّا يكن شكل هذه المشاركة، وإن كانت الأكثرية تفضّل أن يكون شكل هذه المشاركة على غرار ما تمّ اعتماده في انتخابات العام 2022.
"القوات" اعلنت تعليق مشاركتها في اللجنة النيابية المحالة عليها اقتراحات القوانين والبالغ عددها سبعة، ومن بينها ما تقدم به نواب من كتلة "التنمية والتحرير"، الذين يطالبون بتطبيق ما جاء في اتفاق الطائف، الذي ينص على الآتي:
-الدائرة الانتخابية هي المحافظة.
-إلى أن يضع مجلس النواب قانون انتخاب خارج القيد الطائفي توزع المقاعد النيابية وفقاً للقواعد الآتية:
أ ـ بالتساوي بين المسيحيين والمسلمين.
ب ـ نسبياً بين طوائف كل من الفئتين.
ج ـ نسبياً بين المناطق.
ـ يزاد عدد أعضاء مجلس النواب إلى (108) مناصفة بين المسيحيين والمسلمين. أما المراكز المستحدثة، على أساس هذه الوثيقة، والمراكز التي شغرت قبل إعلانها، فتملأ بصورة استثنائية ولمرة واحدة بالتعيين من قبل حكومة الوفاق الوطني المزمع تشكيلها.
ـ مع انتخاب أول مجلس نواب على أساس وطني لا طائفي يستحدث مجلس للشيوخ تتمثل فيه جميع العائلات الروحية وتنحصر صلاحياته في القضايا المصيرية".
أمّا الردّ على هذا الاقتراح فجاء على لسان النواب الذين يطالبون بتعديل المادة 112 وفق النظام الداخلي لمجلس النواب، الذي يفرض على رئيس المجلس إدراج اقتراح القانون بصفته المكرّر والمعجّل لكي يُناقش في الهيئة العامة، وليأخذ مسراه الديمقراطي. فإذا قرّر النواب بأغلبيتهم الساحقة السير بالقانون النافذ تخضع الأقلية لرغبة الأكثرية، وكذلك تكون الحال بالنسبة إلى تعديل المادة، التي تحدّد كيفية مشاركة المغتربين بالانتخابات المقبلة. وهكذا تستقيم الحياة الديمقراطية. فتطبيق اتفاق الطائف، بحسب هؤلاء، لا يكون انتقائيًا، ووفق ملا يلائم هذا الفريق أو تلك الجهة. فاتفاق الطائف كل متكامل.
وكما في كل قضية تكون القصّة قصّة قلوب مليانة أكثر منها قصّة رمانة هكذا هي حال الجدل الدائر بالنسبة إلى الطريقة، التي سيتمّ اعتمادها لتصويت اللبنانيين، مغتربين ومقيمين. فما جرى أمس الأول في جلسة "الهرج والمرج" وأدّى إلى "تطيير" الجلسة، وما تبعها من تداعيات أفضت إلى عدم تأمين نصاب جلسة أمس، هو بداية "العض على الأصابع". ولكن في النتيجة لا أحد من فريقي الصراع على أصوات المغتربين سيقول "آخ" قبل الآخر. وهذا الأمر سيقود حتمًا إلى تأجيل الانتخابات ريثما تنضج ظروف إجرائها في أجواء أقل تشنجًّا وأقل حدّة.
فـ "الثنائي الشيعي" المتمترس خلف ما لدى الرئيس بري من سلطة قرار هو أول من لا يريد إجراء الانتخابات على أساس أن أي تعديل في القانون الحالي لجهة الموافقة على مشاركة المغتربين في التصويت لـ 128 نائبًا مثلهم مثل أي لبناني مقيم قد يؤدّي إلى إمكانية تحقيق خرق في "البلوك" الشيعي، خصوصًا أن أرقام الانتخابات الماضية بيّنت فعالية مشاركة المغتربين في إحداث فرق تغييري، ولو رمزي، في النتائج النهائية، وذلك استنادًا إلى المعلومات المتوافرة لدى "الثنائي" عن القدرة التجييرية لبعض "الأحزاب السيادية" في الخارج.
وما يُقال عن "الثنائي" يمكن أن ينسحب أيضًا على سائر القوى والأحزاب، وبالأخص "التيار الوطني الحر"، الذي تراجعت حظوظه الانتخابية بفعل عوامل كثيرة. وهذا ما ينطبق أيضًا على غيره من "القوى السيادية"، التي ترى أن عدم تمكّن السلطة من تنفيذ قرار "حصرية السلاح" قبل موعد الانتخابات في الربيع المقبل قد يعيق حركة "المعارضة الشيعية" في أكثر من منطقة جنوبية أو بقاعية. وهذا الأمر قد يجعل حلم تحقيق أي خرق في الجدار النيابي الشيعي بعيد المنال.
فالجامع المشترك وغير المعلن بين هذه القوى السياسية على رغم تناقضاتها العميقة هو أن لا انتخابات في أيار المقبل. ونقطة على سطر المزايدات الإعلامية