اخبار لبنان اخبار صيدا اعلانات منوعات عربي ودولي صور وفيديو
آخر الأخبار

أملٌ صحّي واكتشافٌ يُغيّر قواعد اللعبة... في لبنان قريباً؟

صيدا اون لاين

لسنواتٍ طويلة، كان يُقال إنّ السمنة هي العدو الأول للقلب. ولكنّ الحقيقة مغايرة اليوم: "مش كلّ شخص وزنه طبيعي، بعيد عن الخطر". إذ تكشف دراسات جديدة عن تأثيرٍ كبير لعوامل بيولوجيّة جينيّة مُعقّدة بدأنا نفهمها بفضل التقدّم العلمي والدراسات التي تُجرى في هذا السياق. فكيف غيّرت التكنولوجيا الطبيّة الحديثة نظرتنا للبدانة؟ وماذا يعني ذلك لمُستقبل الصحّة العامّة؟

تكشف الأستاذة الجامعيّة اللبنانيّة والباحثة في علم الوراثة والجينوم البشري د. نتالي الشامي، دوراً أساسيًّا تلعبه العوامل الجينيّة في موضوع البدانة، لافتةً في حديثٍ لموقع mtv إلى أنّه غالباً ما يتمّ ربط البدانة بعوامل اجتماعيّة أو بيئيّة أو عادات معيّنة أو سلوك أو الرياضة والأنظمة الغذائية، وكأنّ هذه العوامل هي المسؤولة الوحيدة عن البدانة أو الوزن الصحي. لكنّ الحقيقة تكمن في وجود تأثيرٍ كبير وأساسي للعوامل الجينيّة.

وقد حدّد فريق دولي من الباحثين بقيادة كلية إيكان للطب في ماونت سيناي وجامعة كوبنهاغن في الدنمارك، بعض أسباب اختلاف تأثير السّمنة على الجميع. وتُحدّد الدراسة اختلافاتٍ جينيّة تُساعد في تفسير سبب بقاء بعض المُصابين بالسّمنة بصحّةٍ جيّدة نسبيًّا، بينما يُصاب آخرون بأمراض خطيرة مثل السّكري وأمراض القلب. 
تُشير د. الشامي، المسؤولة عن الدراسة الدوليّة، إلى أنّها أُجريت على نصف مليون شخص وهو عدد كبير، واكتشفنا 266 طفرة جينيّة، مفسّرةً أنّ الطفرات الجينيّة هي التغييرات والفروقات الجينيّة بين شخص وآخر وغالباً ما تكون مرتبطة بأمراض معيّنة.
وفي عودتها إلى ملخّص الدراسة، تلفت الطبيبة إلى أنّ الـ 266 طفرة جينيّة المُكتشفة مرتبطة بنسبة دهون أعلى بالجسم ولكن في الوقت نفسه صحّة قلب أفضل وخطر أقلّ للإصابة بالسكري والسكتات القلبية واضطرابات ضغط الدم. وهنا يمكن الحديث عن مقياس جيني، يُظهر الطفرات الجينية لدى الفرد والتي قد تعرّضه لخطر أكبر أو أقلّ من الإصابة بأمراض معيّنة. 
أمّا المُثير في الدراسة فهو القدرة على إجراء هذا التشخيص في عمر الطّفولة، ما يُساهم في كشف الحالة الصحيّة للطفل وبالتالي القيام بالتدخّلات المُناسبة مبكراً، وفق ما تؤكّد د. الشامي. 
وتُضيف أنّ هذا المقياس الجيني للبدانة وأمراض القلب بالغ الأهمية ولم يتمكّن أحد من اكتشافه قبلنا، إذ يُعطي نتائج دقيقة ويؤدّي دوراً كبيراً في الوقاية من أمراض القلب والسكري واضطرابات ضغط الدم والمضاعفات التي ترتبط بالبدانة، ما يترك أثراً مهمًّا في مجالنا.

على المدى البعيد، يُمكن لهذه الاكتشافات أن تُغيّر الطريقة التي يُعالج بها الأطباء مشكلة البدانة. فـ"من خلال استعمال المقياس الجيني تفتح الدراسة مجالاً واسعاً لتحديد المرضى الأكثر عرضة للإصابة بالسكري والقلب والمضاعفات الأخرى للسمنة، منذ الطفولة. أي يمكن القيام بخطوات استباقيّة للوقاية من هذه المشكلة، كلٌّ وفق حالته المُشخّصة في المقياس الجيني لديه"، مؤكّدةً أنّ كلّ هذه الدراسات ما زالت في طور البحث. 
كما تُسلّط د. الشامي الضوء على نقطة مهمّة وهي غياب العلاج الفعّال مئة في المئة للبدانة حتّى اليوم، مشدّدةً على أنّ "اكتشافنا للطفرات الجينيّة التي تؤثّر على هذا الموضوع يعني اكتشاف مسارات بيولوجيّة جديدة تؤثّر على البدانة والأمراض المُرتبطة بها، ما يُساعد في تطوير علاجات تقلّد ما تقوم به الطفرات الجينية. وهذا يُمهّد لمجال جديد لعلاجات دقيقة للبدانة غير موجودة اليوم".

على الرّغم من كلّ ما سبق، تُحذّر الطبيبة من إهمال العادات الصحيّة. وتقول: "صحيحٌ أنّ العوامل الجينيّة بالغة الأهميّة بالنسبة للبدانة والمضاعفات الصحية الناتجة عنها، إلا أنّ نمط الحياة يلعب دوراً أساسيًّا في هذا الإطار ولا يجب إهماله". وتوضح: "إنّ عوامل نمط الحياة من طعام صحي وممارسة الرياضة مهمّة كثيراً، والجينات بمفردها لا تحدّد البدانة، بل التفاعل بين هذه العوامل ونمط الحياة، والدراسات تؤكّد هذا الأمر"، مشدّدةً على وجوب الحفاظ على نمط حياة صحي من طعام صحي وممارسة الرياضة بانتظام والعادات الصحيّة الأخرى، بغض النظر عن تأثير العوامل الجينيّة.

أخيراً، هذه الدراسة بالغة الأهميّة وتُنذر بمُستقبلٍ صحّي مُشرق خصوصاً مع التدخّل اللبناني الفاعل في مجال الطبّ العالمي. فهل يستفيد القطاع الصحّي في لبنان من هذه التجربة ويُمهّد الطريق لرعاية أكثر تخصيصاً وعلاجات أكثر استهدافاً واستراتيجيات وقائيّة مبكرة؟

تم نسخ الرابط