لبنان يواكب مسار التسويات بعد مؤتمر شرم الشيخ: السلام مدخل للاستقرار؟!

في خضم التحولات المتسارعة التي تشهدها المنطقة بعد مؤتمر شرم الشيخ للسلام، يظهر الموقف اللبناني بقدر عال من الواقعية السياسية التي تعكس إدراكا عميقا للتحول الإقليمي من زمن المواجهات المفتوحة إلى زمن التسويات المدروسة.
لبنان الذي لطالما كان مسرحا للتجاذبات الإقليمية والدولية، يبدو اليوم أكثر حرصا على أن يكون جزءا من المسار التفاوضي لا ضحية له، على أن يستفيد من المناخ الجديد القائم على الحوار والتفاهم بدل الحرب والمواجهة.
وقال مصدر سياسي لبناني لـ«الأنباء» الكويتية: يتم التعامل مع مرحلة ما بعد شرم الشيخ بوصفها لحظة مفصلية، تفرض على الجميع إعادة قراءة الأولويات الوطنية في ضوء التحولات المحيطة. فالدعوة إلى السلام في الإقليم لا يمكن أن تبقى بعيدة عن الساحة اللبنانية التي دفعت أكثر من غيرها أثمان الصراعات والحروب. من هنا برزت المقاربة اللبنانية التي تستند إلى مبدأ أن الحلول لا تولد من فوهات المدافع بل من طاولة المفاوضات، وأن الحوار هو الطريق الوحيد الممكن لإعادة تثبيت الاستقرار في الداخل وعلى الحدود. هذا الموقف ليس جديدا في جوهره، لكنه اليوم يكتسب مشروعية إضافية بعدما أظهرت الوقائع أن معظم القوى في المنطقة باتت تفضل التسويات على المغامرات العسكرية.
وأضاف المصدر: «في هذا السياق، يعيد لبنان التأكيد على تمسكه بمسار السلام الشامل، ولكن انطلاقا من الثوابت الوطنية التي تحفظ السيادة وتضمن الحقوق. التجربة السابقة في ترسيم الحدود البحرية كانت نموذجا على قدرة الدولة على التفاوض من موقع القوة الهادئة، وهذا ما يفتح الباب أمام إمكان معالجة الملفات العالقة الأخرى بروح مماثلة، سواء في العلاقة مع سوريا أو في مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة التي لم تتوقف رغم التزامات لبنان بالاتفاقات القائمة. فالموقف الرسمي يربط بين التمسك بالدفاع عن الأرض وبين الانفتاح على الحلول السياسية، إدراكا بأن الأمن الدائم لا يتحقق إلا بالسلام المستقر».
وتابع المصدر: «أما في الداخل، فالدولة اللبنانية تسعى إلى تعزيز عناصر الصمود الوطني من خلال تحريك عجلة الإعمار وتنشيط الاقتصاد، وتثبيت الاستقرار الأمني. والمؤشرات الاقتصادية الإيجابية والارتفاع الملحوظ في حركة السياحة والمال تعطي إشارات واضحة بأن لبنان بدأ يتنفس مجددا على رغم الأزمات المتراكمة. غير أن إعادة البناء تبقى بحاجة إلى دعم خارجي، وهذا ما يجعل الدعوة إلى عقد مؤتمر لدعم الإعمار خطوة ضرورية، لربط لبنان بشبكة الدعم الدولي في لحظة يتهيأ فيها العالم لمرحلة ما بعد النزاعات».
وأشار المصدر إلى «إن موقف لبنان من مؤتمر شرم الشيخ للسلام يعكس وعيا سياسيا بأن الموقع الجغرافي والتاريخي للبلد لا يسمح له بالانعزال عن التحولات الكبرى في المنطقة. فالمطلوب ليس الانجرار إلى محاور، بل التمركز في موقع الحياد الإيجابي الذي يتيح المشاركة في صناعة السلام بدل انتظار نتائجه. هذا النهج القائم على الحوار والتفاوض يعيد إلى لبنان شيئا من دوره المفقود، ويفتح أمامه نافذة لاستعادة مكانته الطبيعية كجسر بين الشرق والغرب، وبين منطق الصراع ومنطق التسوية».
وبهذا المعنى، يقدم الموقف اللبناني نموذجا لعقلانية سياسية تتكامل فيها الواقعية مع المبادئ، وتلتقي فيها فكرة السلام مع ضرورة الدفاع عن السيادة، ليكون لبنان جزءا فاعلا من المشهد الإقليمي الجديد، لا مجرد متفرج عليه