خيارات صعبة أمام لبنان... وأمر واحد مطلوب لتجاوزها
تستمرّ التسريبات عن مخاطر محدّقة بلبنان وعن تحضيرات لعدوان إسرائيلي واسع لا يصل الى حدّ الحرب والمواجهة بالمعنى العسكري للكلمة لكنه سيكون موجعاً كما تقول التسريبات، وذلك بالتوازي أو من ضمن التسريبات عن تحذيرات عربية ودولية للبنان بضرورة الانتظام في مسارات التفاوض المباشر والتسويات مع كيان الاحتلال الجاري العمل عليها في المنطقة بدفع قوي من الإدارة الأميركية، ما يضع لبنان أمام خيارات صعبة وضرورة اتخاذ القرارات الملائمة قبل أن يتلقّى الضربات الجديدة الموجعة، برغم انه يسعى وينتظر تحرّكاً دولياً فاعلاً لمنع تمادي العدوان أكثر، ويترقّب ووصول الموفدة الأميركية مورغان أورتاغوس اليوم الإثنين إلى بيروت بعد زيارة لإسرائيل، حيث ستشارك في اجتماع هيئة الإشراف على اتفاق وقف الأعمال العدائية بين لبنان وإسرائيل «الميكانيزم» الذي سيعقد الأربعاء المقبل. كما يترقّب وصول السفير الأميركي الجديد ميشال عيسى الشهر المقبل بعد تأخير فرضه «الإقفال الحكومي» في كل الإدارات الأميركية. لعلّ وعسى تسفر الزيارتين عن منع توسّع العدوان.
وفي السياق، يقول مرجع سياسي كبير لـ «اللواء» ان اتصالاته بسفراء الدول المعنية بلبنان تشير الى ان لا حرب إسرائيلية كبيرة على لبنان، لكن سيظل يتلقّى الضربة تلو الضربة، وربما تمتد هذه المرحلة الى نهاية السنة.
لكن يبدو ان كل الجهد الذي يبذله لبنان لمنع أي عدوان واسع يضيع هباء، مع تصريحات السفير عيسى وقبله عدد من المسؤولين وأعضاء الكونغرس الأميركيين التي تهدف الى فرض خيارات صعبة على لبنان وغضّ النظر كلياَ عن ممارسات الاحتلال، بل وتشجيعه على مزيد من العدوان بحجة «الدفاع عن النفس وعجز لبنان عن جمع سلاح المقاومة»، برغم تأكيدات الجيش اللبناني وقوات اليونيفيل ان لبنان قام بما عليه وزيادة في جنوبي نهر الليطاني لإنهاء كل المظاهر المسلحة.. فعن أي بنى تحتية عسكري قائمة يتحدث الاحتلال، وعن أي عجز لبناني يتحدث الأميركيون؟
وفيما يتعثّر وقف إطلاق النار في قطاع غزة نتيجة خرقه من قوات الاحتلال بشكل عنيف ودموي بغطاء أميركي، ما زال الكلام الأميركي يعلن ان خرق اتفاق وقف الأعمال العدائية يتم من لبنان لا من الاحتلال الإسرائيلي، مع ان «الشمس طالعة والناس قاشعة» ما يقوم به الاحتلال من عمليات تدمير للبنى التحتية ووسائل إعادة الإعمار في الجنوب وهي لا علاقة لها بأي عمل عسكري، عدا الاغتيالات والغارات اليومية على الجنوب والبقاع! وهو مؤشر على ان الضغط السياسي والعسكري على لبنان لن يتوقف إلّا بموافقته على التفاوض المباشر مع الاحتلال ولو على ترتيبات أمنية معينة تمهّد لاحقا لمفاوضات سياسية كما تسعى إليه الإدارة الأميركية.
على هذا يقف لبنان عاجزاً عن وقف العدوان وعن إقناع الإدارة الأميركية ومن يتبعها بأن التفاوض المباشر حول الأمور العسكرية والسياسية «بكيّر عليه» ويتمسّك بالتفاوض غير المباشر عبر لجنة الإشراف على وقف اطلاق لنار (الميكانيزم)، كونه المدخل الطبيعي لمعالجة الخروقات وللتثبّت مما أنجزه الجيش اللبناني في جنوبي الليطاني بما يؤدي الى تنفيذ الاحتلال المطلوب منه بوقف الاعتداءات وبالانسحاب من المناطق الجنوبية المحتلة وإطلاق سراح الأسرى اللبنانيين العشرين. ولم يعد يملك لبنان من مقومات الإقناع سوى الركون الى وعود الرئيس الأميركي الجديد «للميكانيزم» الجنرال كليرفيلد بتفعيل عمل اللجنة والعودة الى اجتماعاتها الدورية. وهي وعود سبق للرئيسين الأميركيين السابقين للجنة: الجنرالين جاسبر وكوبر، أن تعهدا بها لكن من دون نتيجة، بل غابت اللجنة عن السمع أشهراً طويلة.
وثمة من يرى أنّ الرهان قد سقط على دور أميركي ما، يخفّف من اندفاعة الكيان الإسرائيلي التصعيدية، وينتشل البلاد من أزماتها، بل يذهب مصدر دبلوماسي أوروبي الى الإعتقاد بأن لبنان بات متروكاً في مرحلة اللاحرب واللااستقرار، حتى تفرّغ الأميركي للبحث عن مخرج ما يُخرج لبنان من حالة الاستعصاء... لكن المطلوب من الأميركي وغيره أمر واحد: إلزام الاحتلال الإسرائيلي بتنفيذ ما عليه من موجبات اتفاق وقف الأعمال العدائية والذهاب بعدها الى مفاوضات غير مباشرة لتثبيت الحدود البرية إذا كانت الإدارة الأميركية تسعى فعلاً لاستقرار لبنان