عجز في الميزان التجاري 940 مليون دولار ..متى يُتخذ القرار لمنع الإستيراد غير الضروري؟
 
                            بحسب أرقام الجمارك اللبنانية سجّلت الصادرات السلعية اللبنانية في الأشهر الثمانية الأولى من العام 2025، زيادة بقيمة 456 مليون دولار عن الفترة نفسها من العام 2024، إلا أن هذه الزيادة لم تقلّص العجز في الميزان التجاري، إذ أن الواردات السلعية إزدادت بدورها بقيمة 1.4 مليار دولار، أي أكثر من 3 مرّات من زيادة الصادرات، ما أسفر عن زيادة العجز بقيمة 940 مليون دولار.
يعني العجز في الميزان التجاري، أن هناك إعتماداً كبيراً على الخارج لتلبية حاجات المستهلكين، في ظل عجز الإنتاج المحلي عن مواكبة الطلب الداخلي. ويؤدي هذا الواقع إلى إنعكاسات سلبية على عدد من المؤشرات الإقتصادية، أبرزها تباطؤ النمو الإقتصادي، وتراجع إحتياطات البلاد من النقد الأجنبي، وزيادة الإتكال على التحويلات الخارجية، ولا سيما من اللبنانيين المهاجرين، لتمويل هذا العجز الكبير.
العجز بالتفصيل
في تفصيل للأرقام الصادرة عن الجمارك، أشارت إحصاءات دليل الصادرات والمؤسسات الصناعية اللبنانية أنه خلال الـ 7 أشهر الأولى من العام 2025 (من 1 كانون الثاني حتى آخر تموز من العام الحالي)، أن الميزان التجاري للبنان مع 22 دولة عربية حقق فائضًا ربحيًّا مع 10 دول أبرزها سوريا والعراق والكويت وقطر، في حين حقق عجزًا وخسارة مع 12 دولة عربية أبرزها مصر والسعودية والإمارات العربية المتحدة والمغرب.
وأكّدت هذه الإحصاءات بحسب سجلات الجمارك اللبنانية، خلال الفترة المذكورة أن سوريا إحتلّت المرتبة الأولى بالإستيراد من لبنان، والعراق في المرتبة الثانية، وقطر في المرتبة الثالثة.
وقد بلغ إستيراد سوريا من لبنان خلال الفترة المذكورة (7 أشهر) 103.434 مليون دولار، مقابل إستيراد لبناني منها بلغ 70.44 مليار دولار بفائض ربحي لصالح لبنان قدره 32.997 مليون دولار. أما العراق فقد احتلّ المرتبة الثانية للإستيراد والمرتبة الأولى من حيث الفائض الربحي، إذ بلغت قيمة ما إستورده من لبنان (7 أشهر) 96.468 مليون دولار مقابل تصدير عراقي إلى لبنان بلغ 6.202 مليون دولار فقط أي بفائض ربحي لصالح لبنان قدره 90.266 مليون دولار.
أما أبرز الدول العربية التي سجل معها لبنان خسارة وعجزًا في الميزان التجاري، فكانت مصر حيث بلغ هذا العجز في الفترة المذكورة (7 أشهر) 759.413 مليون دولار، ويليها السعودية بعجز ضد لبنان بلغ 675.671 مليون دولار، والإمارات العربية المتحدة بعجز ضد لبنان 407.109 مليون دولار.
والجدير بالذكر أن لبنان يستورد بمعدل سنوي ما يقارب 9 مليار دولار من سلع يتم تصنيع مثيل لها في لبنان، مقابل تصدير حوالي 3 مليار دولار أي بفارق سنوي يبلغ حوالي 5.6 مليار دولار، من هذه السلع المصنّعة في لبنان، وقادرة على تغطية حاجة السوق المحلي منها، وهذا الفارق يساهم في توسيع الهوة في الميزان التجاري، ويؤكد هذا الواقع أنه لو بادرت الدولة اللبنانية إلى اتّخاذ إجراءات حمائية للصناعة، منذ بدء الأزمة سنة 2019 من خلال فرض رسوم نوعية على السلع المستوردة، التي تُصنّع في لبنان لكانت حققت هدفين أساسيين: الأوّل ردم الهوة في الميزان التجاري، والثاني توفير الدخل في الخزينة اللبنانية بعشرات مليارات الدولارات خلال السنوات المذكورة، خاصة وأنّ الأرقام تشير إلى أن الصناعة اللبنانية قادرة على ردم هذه الهوة في الميزان التجاري خلال سنتين لو أقدمت الحكومة على حماية السلع التي تُصنّع في لبنان ،إضافة إلى إجراءات تخفيف أعباء عن هذه الصناعة لتتمكّن من زيادة ساعات العمل إلى 14 ساعة يوميًّا.
الحلول المقترحة
يشدد مصدر مطلّع ل"ليبانون ديبات" أن "هناك حاجة ماسة لإعادة النظر في السياسات التجارية خصوصا بعد الإنهيار المالي، إذ بات من الضروري اتخاذ إجراءات لحماية الصناعة اللبنانية من الإغراق، مثل زيادة الرسوم الجمركية على بعض السلع. وإعادة النظر في السياسة الضريبية لتقليل الخلل في الميزان التجاري، وضبط النفقات العامة كشرط أساسي للاستقرار الاقتصادي".
ويشرح أن "العجز في الميزان التجاري في لبنان ينعكس سلبًا على الإقتصاد بعدة طرق، أبرزها إستنزاف إحتياطات العملات الأجنبية، بسبب إستيراد السلع بأكثر مما يتم تصديره، والضغط على سعر الصرف لأن العجز الكبير يزيد الطلب على الدولار ويقلل المعروض منه، ما يسبب تراجعًا في قيمة الليرة اللبنانية وارتفاعًا في معدلات التضخم، وتراجع الإنتاج المحلي لأن الإعتماد المفرط على الاستيراد يضعف الصناعات المحلية، ويزيد البطالة، ويقلل من تنافسية الاقتصاد".
ويختم:"استمرار العجز المزمن يعني أن الاقتصاد لا ينتج بما يكفي لتلبية حاجاته، ما يشير إلى ضعف في القطاعات الإنتاجية كالزراعة والصناعة، وبالتالي، معالجة العجز التجاري يتطلب سياسات تشجّع الإنتاج المحلي، وتدعم التصدير، وتحد من الاستيراد غير الضروري".
 
                 
    
 
                 
 
 
 
 
