اخبار لبنان اخبار صيدا اعلانات منوعات عربي ودولي صور وفيديو
آخر الأخبار

لبنان بين إيقاع المؤسسات وضغط الجبهات

صيدا اون لاين

يخرج الخطاب السياسي في لبنان من دائرة التوصيف إلى لحظة تتطلّب تحديد وجهة البلد فعلياً، لا على مستوى الخطابات بل على مستوى الخيارات. وفي هذا السياق، يقدّم رئيس الجمهورية جوزاف عون مقاربة تنطلق من ضرورة حماية المسار الدستوري ومنع أي ضغط خارجي من التحوّل إلى مدخل لتعطيل الاستحقاقات، فيما يقدّم أمين عام "حزب الله" الشيخ نعيم قاسم، من خلال خطابه الأخير، مقاربة أخرى ترتبط مباشرة بواقع الحدود وما يفرضه من شروط على أي بحث سياسي مقبل. ومن هنا، يتبيّن أن النقاش لم يعد مرتبطاً بالنصوص بقدر ما يرتبط بالسياق الذي تُدار من خلاله المرحلة، أي بالإطار الذي تُفتح ضمنه الملفات، واللحظة التي يصبح فيها أي نقاش وطني خطوة محسوبة أو مجازفة تحمل تبعات تتجاوز نطاقها المباشر.
من هذا المنطلق، يخرج كلام الرئيس جوزاف عون من حيّز التوصيف إلى موقع يهدف إلى إعادة تثبيت الإيقاع السياسي للدولة في لحظة تتكاثر فيها الضغوط. فالتشديد على إجراء الانتخابات في موعدها لا يأتي كمسألة شكلية، بل كرسالة صريحة بأن الاستحقاق الدستوري غير قابل للاستخدام كأداة ضغط، وأن أي محاولة لتأجيله لن تتحوّل إلى مدخل لإعادة رسم قواعد النظام من خارج المؤسسات. وبهذا المعنى، يصبح تحديد الموعد جزءاً من رسم حدود المرحلة، بحيث يتمّ الفصل بين ما يمكن مناقشته الآن وما يجب الحفاظ عليه لضمان حدٍّ أدنى من الاستقرار السياسي. وفي السياق نفسه، يبرز التأكيد على دور الجيش جنوب الليطاني كتثبيت لحضور

الدولة على خط الاشتباك، وإعادة ربط الجغرافيا بقرار المؤسسات، بما يمنع تحويل الجنوب إلى ساحة منفصلة عن الإطار الرسمي الذي يُفترض أن يُدار من خلاله هذا الملف.

في المقابل، يقدّم خطاب الشيخ نعيم قاسم مقاربة تنطلق من موقع مختلف تماماً، من دون أن تدخل في أي اشتباك مع المسار الذي ترسمه الدولة. "فالحزب" يتعامل مع المرحلة من زاوية يراها أساسية لضبط الإيقاع الحدودي وضمان عدم انزلاق الضغوط الخارجية إلى الداخل. ومن خلال تثبيت شروط واضحة لأي التزام ميداني، يُعاد تحديد مساحة الحركة بحيث لا يتحول العامل العسكري إلى باب مفتوح على نقاشات لا تتحمّلها اللحظة. ووفق مصادر سياسية مطلعة، فإنّ هذا التحديد يهدف إلى حماية النقاش الداخلي من أي محاولة لجرّه إلى مسار تفرضه الظروف السياسية الراهنة تحت تأثير الضغوط الدولية، وترك الملفات الكبرى لمرحلة يكون فيها المناخ السياسي أكثر استقراراً.

وعلى مستوى أكثر عمقاً، ترى المصادر أن الخطاب يربط أي بحث وطني واسع حول موقع القوة في الدولة بتبدّل الوقائع على الحدود، لا برغبة خارجية ولا بضغط داخلي غير محسوب. حيث أن إتاحة هذا النقاش لاحقاً تفترض أولاً انسحاب العدو من النقاط التي يحتلها وتحرير الأسرى، ما يجعل توقيت النقاش مرتبطاً بإلزام اسرائيل باتفاق وقف اطلاق النار لا بروزنامة سياسية آنية. وبالموازاة، تعكس الإشارة إلى حدود استمرار العدوان موقفاً دفاعياً لا يسعى إلى توسيع المواجهة، بل إلى منع تطورها بما يتجاوز القدرة على الاحتواء. وانطلاقاً من هذه المقاربة، يتشكل إطار مبدئي لأي مسار تفاوضي محتمل، يسمح بدراسة الخيارات من دون تقديم تنازلات مجانية.
وفي المشهد الأوسع، تتوزع الخطابات على مساحتين مختلفتين لا تتصادمان؛ إذ تعمل الدولة على حماية انتظامها الداخلي وتحديد ما يمكن بحثه وما يتطلب ظروفاً أكثر استقراراً، فيما يضع "حزب الله" معايير التعاطي مع الضغط الخارجي ويحدد سقف ما يمكن الخوض فيه قبل تحول موازين القوى. وتقول دوائر متابعة إن هذا التمايز لا يفتح الباب أمام أي قراءة ثنائية للقرار السياسي في البلاد، بل يعكس تعدد المستويات التي يُدار من خلالها الملف اللبناني، حيث لا يمكن اختزال المشهد في قراءة واحدة، ولا تركه مشرّعاً أمام أي محاولة لفرض إيقاع خارجي.
في المحصلة، تتكوّن ملامح المرحلة المقبلة من التقاء مساحتين من غير أن تتحول هذه العلاقة إلى مسار واحد. إذ من الواضح أن الرئاسة تُمسك بالإطار الدستوري والسياسي الذي يمنع الفراغ ويحدّ من قدرة الخارج على التأثير في جدول الداخل، بينما يمسك "حزب الله" بالشروط التي تمنع تحويل الاشتباك إلى مسار يمسّ التوازنات الداخلية قبل اكتمال شروط التسوية. ومن هذا التوازن تُصاغ الخطوات المقبلة، بحيث لا يتحوّل ضغط الخارج إلى فوضى داخلية، ولا تتحول حاجة المؤسسات إلى الاستقرار إلى غطاء يستوعب وقائع تتجاوز قدرة الدولة على إدارتها.
وتشير المصادر الى أنه عند هذه النقطة تحديداً، يصبح واضحاً أن إدارة المرحلة المقبلة تحتاج إلى جرأة في تثبيت ما هو ثابت، ومرونة في التعامل مع ما هو متغيّر، من دون القفز فوق الوقائع أو الانزلاق إلى ردود فعل غير محسوبة. فلبنان لا يقف أمام خيار واحد، بل أمام مجموعة خيارات تتنافس على رسم مستقبله، ويُفترض أن يُحسَم الاتجاه عبر قدرة السياسة على استيعاب ضغط الحدود، وقدرة الميدان على عدم ابتلاع الدولة. وتضيف المصادر أنه عندما ينجح هذا التوازن، يتحوّل الضغط إلى فرصة، وعندما يفشل، يتّجه المسار نحو خيارات تُصاغ خارج إطار القرار اللبناني مع كل ما يحمله هذا المسار من تداعيات

تم نسخ الرابط