اخبار لبنان اخبار صيدا اعلانات منوعات عربي ودولي صور وفيديو
آخر الأخبار

"الحزب" أمام لحظة الحسم... صمتٌ استراتيجي أم بداية الانفجار؟

صيدا اون لاين

في واحدة من أخطر الضربات الأمنية التي تطال حزب الله منذ اتفاق وقف اطلاق النار الذي تخرقه اسرائيل يوميا، فقد نفّذ سلاح الجو الإسرائيلي عملية اغتيال دقيقة داخل شقة سكنية في حارة حريك، مستهدفاً اجتماعاً عسكرياً وُصف بأنه رفيع المستوى، واسفرت العملية عن اغتيال هيثم علي الطبطبائي، أحد أبرز القياديين العسكريين في الحزب و"الرجل الثاني" بعد الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم، وهو المنصب نفسه الذي شغله فؤاد شكر قبل اغتياله.

هذا الاغتيال أعاد إلى الذاكرة لحظة سقوط 20 قيادياً دفعة واحدة في غارة استهدفت شقة سكنية في منطقة القائم، وأعاد مشهد اغتيال القيادي العسكري إبراهيم عقيل وقبله شكر، وصولاً إلى العملية التي استهدفت الأمين العام لحزب الله الشهيد السيد حسن نصرالله. سلسلة مترابطة تؤشر إلى مسار واحد، ان إسرائيل تتحرك لإعادة تفكيك الطبقة القيادية للحزب بعد تقارير تنشرها منذ اشهر تزعم فيها ان حزب الله استعاد قدرته العسكرية والامنية، وليس فقط قدراته الميدانية.

رسائل أبعد من الاغتيال

الضاحية الجنوبية ليست مجرد منطقة نفوذ لحزب الله، بل هي من أشد مناطقه تحصيناً وربطاً بالبنية الأمنية الداخلية، ودخول طائرة حربية إسرائيلية إلى عمق هذا الحزام الأمني وتنفيذ ضربة دقيقة من دون سابق إنذار، يمثّل ما هو أبعد من اغتيال، هو اختراق استخباراتي جديد وعميق مكّن من تحديد موقع هدف متخف في بيئة مغلقة، اضافة الى كسر لمعادلة الأمن داخل العاصمة، التي تحاول اسرائيل تثبيتها منذ حرب الاسناد.

محاولة واضحة لفرض قواعد اشتباك جديدة، تتجاوز مرحلة ما بعد 27 تشرين الثاني 2024، تاريخ دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ.

وما يميّز هذا الاغتيال عن ضربات نيسان وحزيران الماضيين هو غياب الإنذارات المسبقة التي كانت إسرائيل تستخدمها لإخلاء الشقق قبل الاستهداف. اليوم، لم يكن هناك إنذار ولا هامش سياسي لالتقاط الأنفاس.

الاغتيال ليس حدثاً منفصلاً ولن يكون الاخير، حيث تسري تقديرات إسرائيلية عن اقتراب "ساعة الصفر" لعملية عسكرية واسعة تمتد على ثلاث جبهات غزة، لبنان، وإيران.

على الجبهة اللبنانية تحديداً، تتحدث التقارير عن بنيات تحتية استخبارية ظلّية، نشاطات كوماندوز محتملة داخل العمق، وعمليات تصفية مستمرة لقادة الصف الأول بدايتها في المرحلة الجديدة كانت مع الطبطبائي.

إعادة تعريف السيادة اللبنانية

القراءة الإسرائيلية واضحة، لبنان وفق روايتها عاجز عن تنفيذ التزاماته في الاتفاق، والجيش اللبناني غير قادر على مواجهة حزب الله لأسباب تمتدّ من ضعف الميزانيات والرواتب، إلى البنية الطائفية التي تجعل جزءاً كبيراً من المؤسسة قريباً من بيئة الحزب.

في المقابل، تأتي العملية بعد ايام من إلغاء زيارة قائد الجيش رودولف هيكل إلى واشنطن، وتعيين ميشال عيسى سفيراً أميركياً جديداً في بيروت بمهام ضاغطة. كل ذلك يشي بمحاولة دولية- إسرائيلية لصناعة "مسرح سياسي" يمهّد لمعادلة جديدة مفادها انه إذا لم تستطع الدولة ضبط حزب الله ستنفذ إسرائيل المهمة منفردة.

هذا التوجه ترافَق مع تقارير إسرائيلية حول "وحدة الشبح" أو "الوحدة متعددة الأبعاد"، التي نفّذت سلسلة اغتيالات ممنهجة لقادة "الرضوان" منذ وقف إطلاق النار، مستخدمة مسيّرات انتحارية وروبوتات قتالية واستخبارات لحظية في جنوب لبنان وشماله.

حزب الله أمام سؤال وجودي: هل يرد؟

طوال الأشهر الماضية، التزم الحزب بما يوصف في الأدبيات العسكرية بالصبر الاستراتيجي. لم يرد على الاغتيالات المتفرقة التي طالت عناصره جنوباً والبقاع، ولا على الضربات التي استهدفت مراكزه.

لكن اغتيال قائد بمستوى الطبطبائي يضع الحزب أمام معادلة مختلفة، فالصمت يعني قبولاً ضمنياً بقواعد إسرائيل الجديدة، والرد قد يفتح الباب نحو مواجهة واسعة في لحظة سياسية واقتصادية شديدة الحساسية للبنان.

ولكن في تجارب سابقة، اعتمد الحزب أكثر من نمط للرد من بينها عمليات غير معلنة خارج الحدود، استهدافات محسوبة جنوباً، أو انتظار "الفرصة الثمينة" التي توازي حجم الخسارة.

اما اليوم ومع توسيع بنك الأهداف واستمرار مسلسل الاغتيالات يعني ان اسرائيل تحاول جر حزب الله بالقوة الى الرد لإستئناف عدوانها على لبنان على شاكلة العدوان الاخير، بعدما فشلت في جره الى فتح الجبهة انطلاقا من الضغط عليه بموضوع نزع السلاح وعدم اعادة الاعمار.

ولكن السؤال الاهل هل وصل حزب الله فعلاً مرحلة يعتبر فيها أن أي محاولة لانتزاع سلاحه تعني حرباً وجودية؟

الجواب، وفق منطق الحزب وتاريخه وبنيته التنظيمية، من المؤكد انه نعم ووفق شروط معينة.

والجواب ليس عند الحزب فقط، فجزء كبير من بيئته إن لم نقل الغالبية تعتبر أن السلاح هو الضمانة الأخيرة في ظل هشاشة الدولة وضعف الجيش، وتاريخ الحروب السابقة مع اسرائيل.

إنطلاقا من هذا المنظور فإن نزع السلاح يساوي ترك لبنان إن لم نقل مناطق معينة فيه مكشوفاً أمام الأخطار، وهذا يجعل المسألة بالنسبة لبيئته ليست سياسية بل مصيرية.

اغتيال الطبطبائي ليست عمليات تكتيكية من قبل اسرائيل بل ضربات بنيوية تطال قيادة الصف الأول، واستمرار في هذا النهج يعني أن الحزب قد يجد نفسه مضطراً للانتقال من الدفاع وردع الاغتيالات إلى حماية وجوده التنظيمي، وهذا ما يرفع احتمال المواجهة الشاملة.

الدولة اللبنانية الحاضرة الغائبة

قبل أيام فقط، أعلن الرئيس جوزاف عون جاهزية الجيش للانتشار في الجنوب وتنفيذ كامل بنود القرار 1701، في إطار مبادرة سياسية تهدف إلى فتح نافذة تفاوض جديدة.

لكن الاغتيال داخل بيروت وضع الدولة أمام اختبار عسير، كيف تطالب إسرائيل باحترام السيادة، فيما تنتهك هي السيادة نفسها عبر عمليات اغتيال جوية في العاصمة؟ كيف ستستمر في الضغط على حزب الله لتسليم سلاحه، هل ستبقي على الحديث الممجوج أنه علينا سحب الذريعة من يد إسرائيل.

ولكن الخيارات المتاحة للدولة محدودة اما التحرك ديبلوماسياً عبر الأمم المتحدة، او تفعيل لجنة "الميكانيزم" بين لبنان وإسرائيل واليونيفيل، أو محاولة امتصاص التوتر بانتظار توازنات إقليمية أكبر.

الساعات المقبلة ستكون حاسمة

لبنان يقف على عتبة مرحلة جديدة، مفتوحة على احتمالات كبيرة قد تكون أخطرها تلك التي تأتي بلا إنذار.

وحزب الله يدرك أن الرد اليوم جزء من معركة هوية ووجود لا مجرد معركة أمنية أو حرب مفتوحة ضد إسرائيل، كما ان إيران تدرك أن السماح لإسرائيل بفرض قواعد اشتباك جديدة سيؤثر على مجمل هندسة النفوذ الإقليمي.

لذلك، الرد آت بشكل ما لكن توقيته وشكله سيعكسان بدقة وزن الخسارة، السقف الإيراني، حسابات لبنان الداخلية، وتوازنات المنطقة.

الساعات المقبلة قد لا تحمل الجواب، لكنها بالتأكيد تحمل إشاراته الأولى

تم نسخ الرابط