اخبار لبنان اخبار صيدا اعلانات منوعات عربي ودولي صور وفيديو
آخر الأخبار

البابا في لبنان… والخطر الكبير

صيدا اون لاين

هذه سطورٌ من وحي زيارة البابا لاوون الرابع عشر الى لبنان، سعينا جاهدين فيها أن نغفل عن تناول بعض التعليقات التي قرأناها عن الزيارة، كي لا نحوّل حدثاً بهذا الحجم الى مادّةٍ تافهة، كمثل بعض أصحاب هذه التعليقات. تُظهر مواقع التواصل الاجتماعي أنّ الكثير من اللبنانيّين، وخصوصاً الحزبيّين، أعماهم الحقد أو الغباء، أو الاثنان معاً.

خطيرٌ أن يعتقد مسيحيّو لبنان بأنّ استمرار حضورهم فيه أمرٌ ثابتٌ نهائيّ مهما تقلّبت الظروف أو ساءت، ومهما كثرت المخاطر والأخطاء. والأخطر أن يعتقد مسيحيّو العالم أنّ زوال المسيحيّين في لبنان أمر يمكن التعايش معه أو العيش بعده. 
فالوهم الكبير عند مسيحيّي لبنان أنّ روح قدسٍ ما ميّزهم عن الجماعات المسيحيّة الشرقيّة الأخرى التي انقرضت، فغفا عن هؤلاء ليسهر دوماً علينا. والوهم الكبير عند بعض مسيحيّي العالم أنّ مسيحيّي لبنان تماماً مثل تلك الجماعات البائدة يحضرون معاً من دون فائدة ويزولون معاً من دون ضرر.
وبين الواهمين عندنا أنّ زوال المسيحيّين هنا مستحيل، والواهمين هناك أنّ حضور المسيحيّين هنا طارئ، المطلوب من قداسة البابا ألا يسكت عمّا قد يأتي أو يُحضّر، وأن يدرك أنّ موت مسيحيّي لبنان ممكن، وأنّ بقاءهم ضرورة تتعاظم وتتأكّد ساعة بعد ساعة.
قد يكون السياسيّون المسيحيّون في لبنان بعيدون عن القيم المسيحيّة، مثل المحبّة والغفران والتضحية، ما يفسّر انصراف أكثريّتهم الى تأمين مصالحهم الخاصّة. ومن هنا اهتزاز صورة معظم رجال الدين حين راحوا يحاولون ملء الفراغ والاهتمام برعاياهم مكان السياسيّين وإخفاقهم في مواجهة الصعاب والعراقيل. وإذا سألنا عن المحبّة ومدى التزام مسيحيّي لبنان بها لوجدنا أنّ هناك ما يندى له الجبين خجلاً.
وماذا نقول عن التعصّب الطائفي وعن ازدراء المسيحيّين بعضهم لبعض بسبب اختلاف طوائفهم؟ وعن امتناعٍ ومنعٍ متبادل عن الاشتراك في الصلوات بين طائفةٍ مسيحيّة وأخرى، وعن نبش القبور في خطابات بعض السياسيّين، وعن زرع الحقد في النفوس بحثاً عن أصواتٍ انتخابيّة؟
نؤمن بأنّ البابا لا يحمل معه خلاصاً للبنان. بات الخلاص يستدعي حضوراً إلهيّاً. بل ننتظر منه أن يبعث أملاً ما، أو لنقل رجاءً في صفوف اليائسين من المسيحيّين، كما المسلمين.
نريد منه أن يعيد إلى الكنيسة دورها الحقيقي في الخدمة الروحيّة والاجتماعيّة والتربويّة.
نريد منه أن يحثّ الزعماء المسيحيّين على نبذ الأحقاد والعمل، مع الكنيسة، على تعزيز حضور المسيحيّين ودورهم، ووقف نزيف هجرتهم والبحث في تراجع عددهم، ما ينعكس على تأثيرهم في الحياة السياسيّة.
وحبّذا لو كان للبابا تأثيرٌ لمنع الحرب التي تهدّدنا بها إسرائيل يوميّاً. وتأثيرٌ لإقناع فريقٍ لبنانيّ بأنّه يذهب إلى الانتحار ويأخذ البلد كلّه معه. وتأثيرٌ للحدّ من الحقد الطائفي المنتشر، وقد بلغ أمس حدّ "تربيحنا الجميلة" باستقبال البابا. وتأثيرٌ على السخفاء الذين تلهّوا عن جوهر الزيارة وعمقها وتاريخيّتها بالتعليق على لباس السيّدة الأولى.

نأسف للقول إنّ لا شيء سيتغيّر بعد زيارة البابا لاوون الرابع عشر الى لبنان. لا يملك رأس الكنيسة الكاثوليكيّة تأثيراً على صانعي الحروب. ويكاد لا يملك التأثير الكبير على الكنائس في لبنان، ونحن شهودٌ على تقصير من يرأسها في أكثر من مجال. ولا يملك، بالتأكيد، تأثيراً على فئةٍ من اللبنانيّين أعماها فائض القوّة فباتت ترى الهزيمة انتصاراً والسلام خيانةً والدولة خصماً.
يزور قداسة البابا صباح اليوم نعش القديس شربل. الراهب الصامت المتواضع صنع عجائب عجز عنها العلماء والعظماء. فلنتّعظ

تم نسخ الرابط