رفع الرسوم الجمركية على الـ"باستا": خطوة لدعم الصناعة أم "معاقبة" المستهلك؟
دخل القرار رقم 146/2025 الصادر في تشرين الثاني الماضي والذي عدّلت بموجبه الرسوم الجمركية على استيراد جميع أنواع الـ "باستا" و "المغربية" بنسبة 28 % حيّز التنفيذ، إضافة إلى رسم جمركيّ بنسبة 5 % على المعكرونة المستوردة غير المطبوخة وغير المحشوّة والتي تحتوي على البيض؛ والعجين المصنوع من البطاطا وغيرها من أنواع الباستا المحشوّة الأخرى المطبوخة أو المحضرة، في خطوة تهدف إلى دعم صناعة الباستا المحليّة. هذا التدبير أثار حفيظة محبّي المطبخ الإيطالي الذين يعتبرون الـ "باستا" طبقًا أساسيًا على مائدتهم. ماذا يشمل القرار وهل سيصيب الهدف المرجوّ؟
أصدرت وزارة المالية القرار رقم 146/2025 الذي عدّلت بموجبه الرسوم الجمركية على استيراد جميع أنواع الباستا و "المغربية" وكذلك على المعكرونة المحشوّة، سواء أكانت مطبوخة أم محضرة، مثل السباغيتي، والمعكرونة، والنودلز، واللازانيا، والنيوكي، والرافيولي، والكانيلوني. في حين بقي الرسم الجمركي على حاله بالنسبة إلى المعكرونة الجافة المصنوعة من دقيق القمح الصلب أو القمح الطري، وتشمل السباغيتي، الشعيرية، اللازانيا، النودلز الجافة.
واللافت في القرار أن الرسوم الجمركية الإضافية ستدخل حيّز التنفيذ فورًا على المنتجات المستوردة من دول ليس لديها أي اتفاقيات تجارية مع لبنان. إلى جانب رسم الـ 28 % الذي ورد في المادة الأولى من القرار، تمّ فرض رسم جمركيّ بنسبة 5 % على المعكرونة المستوردة غير المطبوخة وغير المحشوّة والتي تحتوي على البيض؛ والعجين المصنوع من البطاطا وغيرها من أنواع الباستا المحشوّة الأخرى المطبوخة أو المحضرة.
وفي عملية حسابية بسيطة، إن سعر الباستا المستوردة التي فرض عليها رسم الـ 28 % يزداد فعليًا بنسبة 30 %، أو حتى أكثر بعد احتساب الجمارك والضريبة على القيمة المضافة والنقل وهوامش التجار. فيصبح المنتج المستورد الذي يبلغ دولارًا واحدًا، بعد الرسوم بين 1.30 و1.40 دولار على الأقل.
القرار دخل حيّز التطبيق اعتبارًا من 6 تشرين الثاني ويمتدّ لفترة ستة أشهر تنتهي في 5 أيار 2026، قابلة للتجديد لمدّة سنتين، إلّا أن الأسعار لم ترتفع بعد على رفوف السوبرماركات لأن المخزون الموجود لديهم لم ينفد بعد.
وفي سياق تفاصيل القرار، يقول رئيس نقابة مستوردي المواد الغذائية هاني بحصلي لـ "نداء الوطن" "إن هذا القرار يطبّق على منتجات الباستا المستوردة من تركيا والتي تشكّل نسبة 60 إلى 70 % من واردات الباستا إلى لبنان وليس على تلك المستوردة من إيطاليا وفرنسا اللتين لدينا اتفاقيات تجارية موقعة معهما. وبالتالي، إن ارتفاع الأسعار على مجمل البضائع سيكون كبيرًا بنسبة 30 %. وإذا طال أمد هذا القرار فقد يتجه الناس إلى الباستا الإيطالية أو المصرية أو اللبنانية".
وتبيّن الدراسات أن المعكرونة المستوردة تشكّل نحو 80 % من سوق الباستا في لبنان، إذ استنادًا إلى أرقام صادرة عن الجمارك اللبنانية يتبيّن أن استيراد الباستا خلال السنوات الماضية كان بمتوسط 30 ألف طن متري سنويًا، وبلغ ذروته سنة 2020 بحوالى 41267 طنًا. وفي هذا السياق، يقول بحصلي "تبيّن الإحصاءات أن العام 2024 سجّل 30 ألف طن متري واردات بنسبة 62 % منها من تركيا و 18 % من إيطاليا و 11 % من مصر، مقارنة مع 25 ألف طن في 2023 حيث حازت تركيا 68 % وإيطاليا 16 % ومصر 8,5 %.
أمّا في العام 2022، فكانت قيمة الواردات الأدنى مسجلة 20 ألف طن بنسبة 70 % منها من تركيا و 16 % من إيطاليا و 2 % من مصر".
متى ترتفع أسعار الباستا؟
الخبير الاقتصادي وسام فهد أوضح لـ "نداء الوطن" أن الزيادة الأخيرة في الرسوم الجمركية لم تؤدّ بعد إلى ارتفاع أسعار المستهلكين. ولا يزال تأثير زيادة رسم الـ 28 % الجمركي على المدى القصير ضعيفًا، ويرجع ذلك أساسًا إلى سببين رئيسيين:
أولًا، يحتفظ الموردون بمخزون كبير، ما يتيح لهم الاستمرار في البيع بأسعار التكلفة السابقة من دون تعديل الأسعار فورًا. ثانيًا، الطلب في السوق كان أضعف من المتوقع، ما حدّ من قدرة الموردين على زيادة الأسعار.
وبناءً على ذلك، ظلّت الأسعار الحالية في قطاع التجزئة مستقرّة إلى حدّ كبير رغم ارتفاع الرسوم الجمركية على واردات الباستا. ومع ذلك، تعكس هذه التقييمات النتيجة على المدى القصير فقط. أما على المدى الطويل، بمجرد نفاد المخزونات الحالية، فقد تحدث تعديلات مرتفعة في الأسعار. وفي هذه المرحلة، لا يمكن تقدير حجم أي زيادة مستقبلية في الأسعار أو توقيتها. كان ذلك بالنسبة إلى الواردات ماذا عن الإنتاج الوطني؟
الصناعة الوطنية
على صعيد صناعة الباستا في لبنان، تبيّن الأرقام أن السنوات الأخيرة شهدت زيادة في عدد المصانع التي تصنع تلك المادة الغذائية في لبنان وتبلغ نحو 19 مصنعًا/ شركة مسجَّلة كمنتجة للمعكرونة/ الباستا في لبنان وفق الدليل الصناعي اللبناني IDICO .
ورغم قيام بعض المصانع بتحديث خطوط الإنتاج وزيادة القدرة التشغيلية، مثل مصانع في تعنايل وبعلبك التي تتراوح طاقتها الفردية بين 3,500 و 4,500 طن سنويًا، إلّا أن معظم الوحدات الإنتاجية تبقى صغيرة أو متوسطة الحجم، ولا تعمل دائمًا بكامل طاقتها بسبب كلفة الطاقة وارتفاع أسعار المواد الأولى، ما قد يفرض استمرار الاعتماد على الاستيراد لتغطية الفجوة.
إن ارتفاع الرسوم الجمركية بنسبة 28 % قد ينعكس إذا ارتفاعًا على المستهلك بنسبة 30 % أو حتى أكثر، نظرًا إلى ضعف الرقابة على هوامش الربح ما سيزيد من حدّة التضخم أولًا على هذا المنتج الغذائي المستخدم في المطاعم وعلى طبق الباستا الذي يباع في المطاعم التي قد ترفع الأسعار بدورها بحجة زيادة الرسم الجمركي على الباستا ولو كانوا يستخدمون الباستا الوطنية.
يبقى التعويل على عدم استغلال بعض المصانع اللبنانية ارتفاع سعر المعكرونة المستوردة لرفع أسعارها بنسبة 10 % أو 20 % بسبب الطلب المتزايد عليها، وضعف المنافسة بين المصانع القليلة (طاقة، نقل، مواد أولية).