اخبار لبنان اخبار صيدا اعلانات منوعات عربي ودولي صور وفيديو
آخر الأخبار

الشيكات الفريش تقفز والدولرة تتمدّد… ماذا يخفي التعميم 165؟

صيدا اون لاين

سجّلت حركة الشيكات الفريش (Fresh) لعام 2025 نشاطاً ملحوظاً مقارنة بالعام 2024، إذ تشير الأرقام إلى ارتفاع عدد الشيكات الفريش من حوالي 25,117 شيكاً في الأشهر العشرة الأولى من 2024 إلى نحو 77,247 شيكاً في الفترة نفسها من 2025. ما يعني عودة اللبنانيين إلى استخدام أدوات دفع تمرّ عبر المصارف إلى جانب استخدامهم للكاش، مع الإبقاء على استعمال الليرة في التعاملات الصغيرة (كما تشير التقارير).

لا شك أنّ هذه الزيادة استفادت من التعميم 165 الذي يسمح بتبادل هذه الشيكات، مما يسهل المعاملات التجارية ويعزّز الشفافية، وهو ما أدى إلى ازدياد استخدامها. إلا أنّ أرقام الشيكات لا تزال “متواضعة” مقارنة بحجم الاقتصاد، لأن الثقة بالوضع المالي لا تزال مفقودة نتيجة سياسة التسويف التي تمارسها السلطة السياسية منذ انهيار 2019. أما تأثير استخدام الشيكات “الفريش” فيمكن اختصاره بثلاث نقاط: الأولى تضييق هامش السياسة النقدية بالليرة، والثانية تعميق اقتصاد الدولرة ورفع كلفة التصحيح مستقبلاً، والثالثة تأثير “نفسي” يدفع المودع للقبول بالفصل بين أموال وضعها في المصارف قبل الأزمة ولا يعرف مصيرها، وأخرى يضعها اليوم ويمكنه استعمالها. وهذه النقطة الأخيرة تصبّ في صالح المصارف التي تعمل على طيّ صفحة الودائع “القديمة” بشتى الطرق.

 

الفحيلي: التعميم 165 سمح بتأجيل الاعتراف بالخسائر وضرورة هيكلة المصارف

 

من جهة الخبراء، يعتبر كثيرون أن التعميم 165 ساهم عملياً في إنقاذ السلطة السياسية من نتائج فشلها في إقرار الإصلاحات البنيوية وتنفيذها. ويشرح الخبير الاقتصادي الدكتور محمد الفحيلي هذه المقاربة لــ”ليبانون ديبايت”، بالقول: “انتقل الدور من تمويل مباشر للعجز إلى شكلٍ آخر من الدعم غير المباشر، أي الإبقاء على الحدّ الأدنى من الحياة في النظام المصرفي وفي وسائل الدفع، بما يسمح للمنظومة بتأجيل الاعتراف الكامل بالخسائر وبضرورة إعادة الهيكلة الشاملة”.

 

ويضيف: “للإنصاف، يجب القول إن محاولة محاربة اقتصاد الكاش لم تبدأ اليوم، بل انطلقت فعلياً مع التعميم 165 في نيسان 2023، حين سعى مصرف لبنان إلى إعادة جزء من الكتلة النقدية المتفلتة إلى قنوات الدفع النظامية. وهنا يجب أن يُعطى المصرف المركزي حقّه المهني حيث يستحق، من دون أن يحجب ذلك حقيقة موازية: أنّه، في الوقت نفسه، لم يتوقف يوماً عن أداء دور المموّل أو المُنقذ للطبقة السياسية، بشكل مباشر حيناً وعبر آليات نقدية ومالية ملتوية حيناً آخر”.

 

وتابع الفحيلي: “تُظهر أرقام الشيكات الفريش المقطوعة حتى نهاية تشرين الأول 2025 تحوّلاً عميقاً في بنية المشهد النقدي والمالي في لبنان، يتجاوز كونه مجرّد تحسّن تقني في الإحصاءات. فارتفاع عدد الشيكات الفريش من حوالي 25,117 شيكاً في الأشهر العشرة الأولى من 2024 إلى نحو 77,247 شيكاً في الفترة نفسها من 2025، إلى جانب ارتفاع مساهمتها في إجمالي نشاط المقاصة من نحو 13.28 بالمئة إلى أكثر من 55.29 بالمئة، يعني أن جزءاً متزايداً من التعاملات الاقتصادية يعود اليوم إلى القنوات المصرفية الرسمية بدل أن يبقى أسير الاقتصاد النقدي (الكاش) غير المرصود”.

 

وأشار إلى أنّ “هذا التحوّل يكتسب أهمية خاصة في بلد يواجه ضغوطاً متزايدة على صعيد مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، لأن توسّع استخدام الشيكات الفريش – الخاضعة للرقابة والتوثيق – يعيد بعض القدرة للسلطات النقدية والرقابية على رؤية حركة الأموال وتتبعها، بدل أن تبقى خارج الرادار في صناديق المحال التجارية والخزنات المنزلية”.

 

ويوضح الفحيلي أن “التفاصيل البنيوية لهذه الأرقام تكشف وجهاً آخر أقلّ طمأنة، وهو تعمّق الدولرة وترسّخ اقتصاد الفريش دولار. فعدد الشيكات الفريش بالدولار الأميركي ارتفع من نحو 17,425 شيكاً إلى حوالي 57,085 شيكاً، وارتفعت قيمتها من حوالي 230.005 ملايين دولار إلى 771.22 مليون دولار، في حين أصبحت الشيكات المدونة بالعملات الأجنبية تشكّل قرابة 73.90 بالمئة من عدد الشيكات المصفّاة. وهذا يعني أن النشاط الاقتصادي القابل للقياس والمار عبر النظام المصرفي يجري بمعظمه بالدولار، بينما تستمر وظيفة الليرة اللبنانية في التقلّص تدريجياً كأداة دفع وحفظ قيمة، وتنحصر أكثر في التعاملات الصغيرة والفئات الأكثر هشاشة”.

 

ويضيف: “الأرقام ترسّخ واقع اقتصاد ثنائي العملة: طبقة من المعاملات الممأسسة بالدولار الفريش تمر عبر المصارف والمقاصة وتستفيد من قدر من الحماية والشفافية؛ مقابل طبقة أخرى بالليرة والكاش، أقلّ تنظيماً وأكثر عرضة للتآكل مع كل موجة تضخم جديدة. والنتيجة النهائية هي تضييق هامش السياسة النقدية بالليرة وتعقيد مهمة أي خطة تعافٍ جدية، لأن إعادة بناء الثقة بالنظام المالي ستتطلب ليس فقط زيادة التعامل عبر القنوات الرسمية، بل أيضاً إعادة تعريف موقع الليرة ودورها في اقتصاد فُكّ ارتباطه بها فعلياً من خلال هذه الأرقام نفسها”.

 

ويختم: “مصرف لبنان يبدو عالقاً بين واجبين متناقضين: من جهة، الحفاظ على حدّ أدنى من الاستقرار النقدي وتشغيل النظام المصرفي عبر أدوات من بينها التعميم 165 ومحاولة لجم اقتصاد الكاش؛ ومن جهة أخرى، عدم الاستمرار في لعب دور المموّل الأخير لفشل الطبقة السياسية. وهنا يصبح السؤال مشروعاً: هل يمارس المصرف المركزي فعلاً سياسة نقدية مستقلة تُحفّز الإصلاح وتفرض كلفته السياسية، أم أن استمرار هذه الهندسة المؤقتة لا يفعل سوى تعميق اقتصاد الدولرة ورفع كلفة التصحيح عندما يحين أوانه؟”.

تم نسخ الرابط