إنشاء مركز تنسيق دولي... ما موقف لبنان من هذا الاقتراح؟
اعتاد اللبنانيون خلال السنوات الخمس الأخيرة تحديداً، على تصاعُد الحديث عن مؤتمرات لدعم الجيش اللبناني، في أوان أي تحرك يقوم به الموفد الفرنسي جان إيف لودريان، وكأن إسم ودور فرنسا في لبنان بات محصوراً بعنوان مؤتمرات الدعم للجيش.
دعم خطة حصر السلاح...
ولكن ما كان مطروحاً أو ممكناً في 2020 أو 2022، أو حتى في 2024، أو خلال الربع الأول من عام 2025، قد لا يكون مطروحاً أو مقبولاً اليوم، ضمن هذا الإطار، إذ يؤكد مراقبون أن أي مؤتمر دولي لتحشيد دعم مالي للبنان من أجل الجيش، لن يكون أكثر من مؤتمر لدعم خطة حصر السلاح بيد الجيش اللبناني وحده، أي بيد الدولة اللبنانية وحدها، ولتطبيق القرار 1701 وبنود اتفاق وقف إطلاق النار الذي بدأ العمل بموجبه في تشرين الثاني 2024.
أمر آخر أيضاً، يؤكده بعض الخبراء، وهو أن أي مؤتمر دعم يجب أن تسبقه جردة محلية بشأن مدى الاستعداد اللبناني لأفكار أو اقتراحات معينة، قد يتم طرحها فيه.
من دون نتائج؟
فعلى سبيل المثال، ماذا لو تمّ خلال مؤتمر الدعم طرح فكرة ضرورة إنشاء مركز أو قاعدة مراقبة مؤلّفة من قوات متعددة الجنسيات، لمراقبة العمل اللبناني المتعلّق بحصر السلاح على الأراضي اللبنانية؟ هل من استعداد لبناني داخلي للقبول بهذا النوع من الطروحات بسلاسة، من دون الغوص بجدالات داخلية حول السيادة، خصوصاً أن رئيس الحكومة نواف سلام كان أعرب عن انفتاح لبنان على أن تقوم قوات أميركية وفرنسية بالتحقّق من المخاوف بشأن مستودعات أسلحة في الجنوب؟ وما تأثير أي رفض محلّي لتلك الأفكار، على صعيد أنه (الرفض) سيجعل أي مؤتمر دعم ينتهي من دون نتائج ملموسة؟
لا إمكانية... إلا
رأى العميد المتقاعد جورج نادر أن "أي مؤتمر لدعم الجيش لن يُعقَد قبل أن تلمس الدول الداعِمَة للبنان خطوات جدية بموضوع حصرية السلاح. والخطوات الجدية مطلوبة قبل نهاية العام الجاري. وبالتالي، قبل انتهاء المهلة الزمنية لنزع السلاح في جنوب الليطاني، ولبَدْء نزعه من شمال الليطاني، لا إمكانية لعقد مؤتمر دعم للجيش".
وأوضح في حديث لوكالة "أخبار اليوم" أنه "بمعزل عن الجهود الفرنسية ضمن هذا الإطار، إلا أن الولايات المتحدة الأميركية هي الجهة المُقرّرة لعقد هكذا مؤتمر. فالتمويل هو أول ما يحتاجه، فيما المموّل سيكون دول الخليج. ولكن الخليجيين وضعوا شرطاً أساسياً وهو نزع سلاح "حزب الله" قبل بدء الحديث عن أي شيء آخر في لبنان. ولذلك، لا أحد يُتعِب نفسه قبل نزع السلاح".
وأضاف:"النيّة الفرنسية بدعم الجيش سليمة، ولكن الفرنسيين لا يمتلكون المال اللازم لذلك، واقتصادهم مُتعَب، وهذا يمنعهم من أن يكونوا جهة مُقرِّرَة ونافِذَة على هذا الصعيد. وبالتالي، فرنسا هي طرف مُساعِد، بينما الجهة الأساسية هي الولايات المتحدة الأميركية والسعودية".
مركز تنسيق دولي؟
وأشار نادر الى أن "المطلوب من الحكومة اللبنانية بات معلوماً، وهو أن تنزع السلاح. لقد كلّفوا السفير سيمون كرم بالتفاوض مع إسرائيل، وهو شخصية ديبلوماسية من الطراز الرفيع، ما شكّل خطوة ممتازة. ولكن تلك الخطوة لا تمنع الحرب في ما لو لم تطبّق الحكومة خطة حصر السلاح. ففي حال عدم حصول ذلك لبنانياً، قد تصعّد إسرائيل لتنزع السلاح بالقوة. وحتى إذا لم ينفّذ الجيش الإسرائيلي تدخّلاً برياً لتحقيق ذلك، فإنه قد يقوم بشبه تدمير جوّي مُمَنهَج للبنية التحتية كلّها، ولكل ما يتعلّق بـ "حزب الله"، ولما قد يرتبط بالدولة اللبنانية أيضاً، إذا تمكّنت إسرائيل من التملُّص من الضغط الأميركي، الذي قد يطلب عدم قصف البنية التحتية اللبنانية، انطلاقاً من الحاجة لاستمرار الدولة اللبنانية".
وردّاً على سؤال حول مدى استعداد الدولة اللبنانية للقبول بمقترحات مثل إنشاء قاعدة أو مركز تنسيق دولي لمراقبة العمل اللبناني المرتبط بحصر السلاح، يُشبه ذاك الذي يعمل على مراقبة وتنفيذ مراحل الخطة الأميركية في غزة، أجاب:"الوضع في لبنان مُختلِف. فغزة مدمّرة، وما عادت توجد فيها سلطة، حيث يتمّ إنهاء "حماس" وتشكيل سلطة فلسطينية مختلفة، أو سلطة عربية - فلسطينية بغطاء أميركي للحكم وإدارة الأمور هناك. بينما نحن في لبنان لدينا دولة وحكومة قائمة، ووضعنا مُختلِف تماماً. وبالتالي، عندما تنسحب قوات "يونيفيل" في نهاية عام 2026، يمكن للجيش اللبناني أن يقوم بالمهام كافّة. كما يمكن الاستعانة بقوات متعددة الجنسيات، من دون أن تكون الإمرة لها مثلاً، أي قوات تضطّلع بدور المُراقِب ربما. وأستبعد أن تكون تلك القوات تحت الفصل السابع، لأن الأميركيين لن يقبلوا بذلك".
منطقة عازلة
وعن احتمالات تجدّد الحرب، شرح نادر أن "الأجندة الإسرائيلية تختلف عن اللبنانية. كما أن الرؤية الأميركية هي في مكان آخر أيضاً. وهنا لا بدّ من التذكير بأن إسرائيل تجرّ أميركا الى ملعبها. فصحيح أن الولايات المتحدة الأميركية تمارس ضغطاً على إسرائيل، وتمنعها أحياناً من التمادي في مكان ما، إلا أنها لا تلزمها بما تلزم الجيش الأميركي به".
وتابع: "الحلّ الإسرائيلي بالنسبة لنزع السلاح هو الأسوأ، لأنه سيتمّ إذا نُفِّذ وفق الشروط الإسرائيلية بإنشاء منطقة عازلة خالية من الناس، وتهجير سكانها الى الداخل للتسبُّب بحرب أهلية في لبنان، أو بمشاكل داخلية بحد أدنى. فالبنية السياسية اللبنانية هي آخر همّ لدى الأميركيين والإسرائيليين، وبالتالي كل ما يهمّ إسرائيل هو أمن حدودها الشمالية. وحتى بالنسبة الى الأميركيين، يبقى الأهم لديهم هو حماية حدود وأمن إسرائيل".
جغرافيا جديدة...
ورداً على سؤال حول ما إذا كانت المنطقة، ولبنان معها، يسيران باتّجاه جغرافيا جديدة بعد انتهاء حقبة الحرب، أجاب نادر:"للأسف، تلك الاحتمالات قد تكون صحيحة، فيما لا أحد في لبنان يرغب بأن يصدّقها، ولا بأن يقدّر ما يمكن أن يحصل على هذا المستوى".
وختم:"الداخل اللبناني يرغب دائماً بأن يكرّر خطاب أن لا أحد سيمسّ بلبنان، وأن لا أحد يقدر على أن يفعل ذلك، في وقت يجب أن يتنبّه فيه الجميع لما يحصل في المنطقة، وأن يعملوا على منع التغيير الجغرافي والديموغرافي في لبنان. ولكن لا زعيم لبنانياً أو مسيحياً على حدّ سواء يعمل لحماية البلد، أو يتمتّع برؤية سياسية تنقذنا ممّا نحن فيه. فلا شيء يهمّهم كلّهم سوى عدد النواب الذي قد يحصلون عليه في الانتخابات النيابية، والحفاظ على مصالحهم الذاتية لا أكثر. فهذا هو الحدّ الأقصى المتوفّر لدينا الآن مع الأسف".