اسامة سعد: إنصاف موظفي الإدارة العامة ليس خيارًا ولا ترفًا ولا خطوة قابلة للتأجيل بل هو ضرورة وطنية وإنقاذية
صدر عن النائب الدكتور أسامة سعد البيان التالي:
في ظلّ الانهيار الاقتصادي الذي ينهش حياة اللبنانيين منذ عام 2019، يقف موظفو الإدارة العامّة اليوم في الصفوف الأولى لمواجهة عبء الأزمة، بعدما فقدت رواتبهم قيمتها وتراجعت قدرتهم الشرائية إلى مستويات غير مسبوقة. ورغم أنّ القطاع العام كان ولا يزال العمود الفقري لعمل الدولة واستمرار مؤسساتها، فإن موظفيه تُركوا وحيدين يواجهون الفقر والعوز، فيما يستمر التسويف والمماطلة في وضع حلول جدّية تنصفهم وتحمي ما تبقّى من المرفق العام.
إنّ الإضراب التحذيري الذي دعت إليه رابطة موظفي الإدارة العامة ليس سوى تعبير صريح عن الغضب المشروع حيال تجاهل الحكومة لمطالب أساسية وبديهية، أهمها استعادة جزء من القيمة الحقيقية للرواتب التي تبخّرت بسبب الأزمة المالية. فالطرح الذي تقدّمت به الرابطة، استعادة 50% من قيمة الرواتب كما كانت عام 2019، ابتداءً من مطلع 2026، وما يوازي ذلك من تصحيح جدّي وفعلي، هو مطلب عادل لا بدّ من الاستجابة إليه فورًا. ولا يمكن القبول بعد اليوم بحجّة “عدم وجود الأموال” في حين تشير الدراسات إلى وجود فائض واضح في خزينة الدولة، ولأنّ كلفة انهيار الإدارة العامة ستكون أكبر بكثير من كلفة حماية حقوق موظفيها.
لقد أثبت الموظفون، ومن بينهم المساعدون القضائيون الذين التزموا الإضراب رغم دقة موقعهم، أنّهم لن يقبلوا باستمرار الظلم الواقع عليهم. كما أثبتت إدارات كثيرة، ومنها تعاونية موظفي الدولة، أنّ التزامها الأخلاقي بخدمة المواطنين لا يلغي حقها في المطالبة بإنصاف موظفيها. إنّ هؤلاء العاملين هم الذين يُسَيّرون معاملات الناس، ويحفظون المرفق العام، ويضمنون الحدّ الأدنى من انتظام عمل الدولة. وإهمالهم ليس فقط اعتداءً على حقوقهم، بل هو اعتداء مباشر على كل مواطن لبناني.
من هنا، نطالب الحكومة اللبنانية بإرادة سياسية واضحة وقرار حاسم يعيد الاعتبار لموظفيها، ويضع حدًّا لمعاناتهم، ويعيد إليهم جزءًا من حقوقهم التي سُلبت بفعل الأزمة. المطلوب ليس وعودًا جديدة ولا لجانًا إضافية ولا خططًا مؤجلة، المطلوب قرار فوري وشجاع يضع تصحيح الرواتب على السكة الصحيحة، ويعيد للإدارة العامة القدرة على الاستمرار. إنّ الإدارة العامة تنهار، وموظفوها باتوا عاجزين عن الوصول إلى مكاتبهم أو تغطية أبسط حاجاتهم، واستمرار هذا الواقع هو ضرب لهيبة الدولة ولقدرتها على القيام بمهامها الأساسية.
إنصاف موظفي الإدارة العامة ليس خيارًا ولا ترفًا ولا خطوة قابلة للتأجيل، بل هو ضرورة وطنية وإنقاذية. فإذا كانت الحكومة جادّة في حماية مؤسسات الدولة، فإن الخطوة الأولى تبدأ بإعادة الحقوق إلى موظفيها. فبدونهم، لا إدارة، ولا قضاء، ولا خدمات، ولا دولة.