اتفاق غزة يترنّح على أبواب "المرحلة الثانية"
من نافل القول إن تنفيذ "المرحلة الأولى" من اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة أو ما يُعرف بـ "خطة ترامب للسلام في غزة" صبّ في مصلحة إسرائيل، التي انتزعت من خلال اتفاق وقف النار ما عجزت عن تحقيقه خلال حربها الضروس على القطاع، وهو استعادة غالبية الأسرى الأحياء منهم والأموات، الذين كانوا عالقين في شباك حركة "حماس" منذ 7 أكتوبر 2023.
بيد أن طريق تطبيق "المرحلة الثانية" من الاتفاق المترنح على أبوابها، لا يبدو مفروشًا بالورود، بل تعتريه عقبات إسرائيلية جمة، في ظلّ سعي تل أبيب الدؤوب إلى التنصّل منه. وهذا السعي يواجَه بضغوط أميركية كبيرة يقودها فريق الرئيس دونالد ترامب على صناع القرار في تل أبيب، باعتبار أن خطة السلام في غزة تحمل اسم قاطن البيت الأبيض، وأي مسّ بمسارها يُعدّ تطاولًا على ترامب نفسه.
تكمن إشكالية "المرحلة الثانية" الكبرى في تشكيل "مجلس السلام" الذي سيشرف موَقتًا على إدارة القطاع وتثبيت الاتفاق وإعادة الإعمار، والعقدة الأبرز تتجلّى في طبيعة مهام القوة الدولية الموَقتة المزمَع تشكيلها لتحقيق الاستقرار في غزة. ففيما تريد الدولة العبرية من هذه القوة أن تنزع ما تبقى من سلاح في يد "حماس" نيابة عنها وتدمير أنفاقها، ويسرّها كثيرًا أن تشتبك مع الحركة، تتطلّع الأخيرة كما الوسطاء العرب إلى أن تخرج القوة الدولية الجيش الإسرائيلي من القطاع، وألّا تكون نسخة منقحة منه، وينتهي بها الأمر بالاشتباك مع الفلسطينيين.
بحسب المراقبين، تتظهّر المعضلة في محاولة الرئيس الأميركي القفز فوق هذه التعقيدات من خلال طرح النتائج قبل مناقشة التفاصيل حيث تكمن الشياطين، فهو يرنو إلى تشكيل القوة الدولية ثمّ مناقشة صلاحياتها في وقت لاحق، وهذا ما يتوجّس منه الفلسطينيون كما الوسطاء العرب. وبحسب وجهة النظر الأميركية، فإن تشكيل هذه القوة هو الملاذ الأخير لإنقاذ الاتفاق، لأن الدولة اليهودية لن تسحب قواتها من القطاع قبل تشكيلها وفقًا لشروطها. كما يعتبر الأميركيون أن رفض "حماس" تسليم سلاحها هو لبّ المشكلة، كون ذلك يمنح نتنياهو ذريعة قوية لعدم الانسحاب من القطاع.
يذهب المراقبون الفلسطينيون بعيدًا في تأكيدهم أن واشنطن وتل أبيب تريدان نزع حق الفلسطينيين في المقاومة وليس فقط نزع سلاح "حماس"، فالوسطاء العرب يريدون من القوة الدولية حفظ السلام، بينما تطمح إسرائيل أن تنزع هذه القوة السلاح.
في الداخل الإسرائيلي، يتعاظم الخلاف في شأن "المرحلة الثانية" من الاتفاق. فمعارضو "بيبي" يعتبرون أنه وصل إليها، رغم محاولاته الحثيثة للتنصّل منها بوسائل عدة. كما يؤكدون أن الخلاف طرق أبواب قيادة الجيش الإسرائيلي، ما يشكل ضغطًا مهولًا على حكومة نتنياهو.
توازيًا، الإعلام العبري يعتبر أن أحدًا لا يمكنه إنقاذ إسرائيل من نفسها سوى ترامب، الذي بدأ ينتهج أسلوبًا مغايرًا مع نتنياهو، الذي يرفض الانتقال إلى "المرحلة الثانية".
المحلّلة السياسية في صحيفة "معاريف" آنا برسكي اعتبرت أن خط التصدّع بين إسرائيل وبين الشركاء في خطة ترامب، ينبع من كون تل أبيب تطالب بترتيب واضح وهو أولًا نزع سلاح "حماس" وإزالة سيطرتها الفعلية، وبعد ذلك فقط، إعادة الإعمار والقوة الدولية والانسحاب الإسرائيلي. أمّا دول الخليج ومصر وأجزاء واسعة من المؤسسة الأميركية، فيطرحون ترتيبًا مختلفًا: أوّلًا يبدأ الإعمار والآلية الدولية، وبعدها تدخل قوة الاستقرار وحكومة التكنوقراط، ثمّ "خلال العملية"، يعالَج ملف "حماس" بالتدريج.
وأضافت برسكي أنه من المنظور الإسرائيلي، هذا عبارة عن كابوس مزدوج، فعلى المستوى الأمني، تظهر التجربة السابقة أن كل مرة دخلنا فيها في ترتيبات تقوم على "أولًا نعطي، ثمّ نفكّك"، كان الطرف المقابل هو الذي ينمو ويقوى، وعلى المستوى السياسي، إن أيّ خطوة قد تبدو كأنها موافقة على بقاء "حماس" وإعادة الإعمار، ربّما تؤدّي إلى تفجير المعسكر اليميني من الداخل، قبل أن يتمكّن أفراد المعارضة، حتى من التغريد.
الكاتب في صحيفة "هآرتس" عاموس هرئيل كتب أن التقديرات في تل أبيب وواشنطن والدوحة متشابهة إلى حد كبير: رئيس الولايات المتحدة مصمّم على التقدّم إلى "المرحلة الثانية" من خطته في غزة، رغم علامات الاستفهام الكثيرة على الأرض، ويعتزم فرض الانتقال إلى المرحلة التالية على الأطراف، وهي مرحلة قد تشمل انسحابًا إسرائيليًا إضافيًا داخل القطاع. وأضاف هرئيل أن الجدول الزمني سيتأثر باللقاء بين ترامب ونتنياهو في الولايات المتحدة في 29 من الشهر الحالي، ومن المرجّح أن تنفذ الخطوات الأساسية بعد هذا اللقاء فقط.