ناقوس الخطر الديموغرافي يدق: لبنان يشيخ بصمت!
لم تعد تداعيات هجرة شباب لبنان المتزايدة منذ الانهيار المالي تقتصر على الجانب الاجتماعي-الاقتصادي، بل تتعدّاها إلى تأثيرات ديموغرافية تطال المجتمع اللبناني وتسير به نحو الشيخوخة، خصوصًا أنها تترافق مع تراجع نسب الخصوبة لدى اللبنانيين المقيمين، بسبب تردّي الأوضاع الاقتصادية وعدم الاستقرار السياسي والأمني.
هذه الحصيلة وردت في تقرير لمنظمة اليونيسيف صدر في الشهر الحالي بعنوان “مستقبل أطفال لبنان”، وأضاء في جزء منه على التغييرات الديموغرافية التي تحصل في بلاد الأرز.
يشرح التقرير أن هذه «التغيرات الكبيرة هي نتيجة تداخل ديناميكيات ديموغرافية طويلة الأمد مع تداعيات الصدمات التي تعرّض لها لبنان في السنوات الأخيرة. فعلى صعيد الاتجاهات الطويلة الأمد، يُظهر لبنان انخفاضًا في معدلات الخصوبة والولادات، وهو نمط شائع في الدول التي تقترب من مرحلة “النضج الديموغرافي”، حيث يتّسم الوضع باستقرار أو انخفاض في عدد السكان»، لافتًا إلى أن «الميزة الأخرى البارزة في الواقع الديموغرافي اللبناني الحالي تعود إلى الصدمات الاجتماعية والاقتصادية التي أدّت إلى زيادة هجرة الشباب، ما ساهم على الأرجح في تسريع انخفاض معدلات الخصوبة نتيجة انعدام الاستقرار الاقتصادي».
بالأرقام، يشير التقرير إلى أن «معدل الخصوبة في لبنان شهد تراجعًا كبيرًا خلال العقود الأخيرة، حيث انخفض من حوالي 2.5 ولادة لكل امرأة في عام 2000 إلى 1.6 في عام 2025، ومن المتوقع أن يستمر هذا الانخفاض ليصل إلى 1.24 في عام 2050. ورغم أن انخفاض الخصوبة يُعتبر جزءًا طبيعيًا من مسار النضج الديموغرافي، إلا أن حدّته وسرعته تتأثران بعوامل متعددة مثل الاستقرار السياسي، الوضع الاقتصادي، السياسات الاجتماعية، وفرص العيش المتاحة في البلاد».
ويلفت التقرير إلى أن «عدد سكان لبنان يتجه نحو الشيخوخة. فقد ارتفع متوسط عمر السكان من 23 سنة في عام 2000 إلى 28.6 سنة في عام 2024. كما أن نسبة الأشخاص الذين تبلغ أعمارهم 65 سنة وما فوق شهدت ارتفاعًا مستمرًا، حيث وصلت إلى حوالي 10 بالمئة من إجمالي السكان في السنوات الأخيرة. ومن المتوقع أن تستمر هذه الاتجاهات في السنوات المقبلة، ما سيزيد من الضغط على الخدمات الاجتماعية ونظام الرعاية الصحية، ويُعجّل بالحاجة إلى إصلاحات لدعم الفئة المتزايدة من كبار السن».
تداعيات اقتصادية لهجرة الأدمغة
لا شك أن الهجرة لطالما كانت جزءًا من تاريخ لبنان، لكن وتيرتها تصاعدت في السنوات الأخيرة، لا سيما بين الشباب والمهنيين. وقد أدّى هذا النزيف البشري، المعروف بـ«هجرة الأدمغة»، إلى تأثيرات سلبية، خاصة في قطاعات حيوية مثل الصحة والتعليم، حيث يُضعف رحيل الكفاءات مستوى ونوعية الخدمات الأساسية. لذلك، من المفيد التذكير بالتداعيات الاقتصادية والاجتماعية للهجرة المستمرة للشباب اللبناني.
يجيب مصدر مطّلع لـ«ليبانون ديبايت» على هذا السؤال بالقول: «إنه تحوّل ديموغرافي خطير يحدث بسرعة، بسبب تراجع حاد في معدلات المواليد وزيادة هجرة الشباب، ما يؤدّي إلى تآكل القوة العاملة، وزيادة الضغط على الخدمات الاجتماعية والصحية، وتغيير جذري في التركيبة السكانية، وتداعيات اقتصادية وخيمة على مستقبل البلاد».
يضيف: «التغيرات الديموغرافية في لبنان (تراجع الخصوبة، ازدياد الهجرة، وشيخوخة السكان) لها تأثيرات اجتماعية واقتصادية عميقة، أبرزها اجتماعيًا تفكك الروابط الأسرية، لأنه مع هجرة الشباب يقل الدعم العائلي لكبار السن، وتضعف الروابط الاجتماعية، ويتزايد الضغط على الرعاية الاجتماعية، إذ إن ارتفاع نسبة المسنين يتطلب توسيع شبكات الرعاية والخدمات الاجتماعية والصحية. وهجرة العقول تعني خروج الكفاءات، خاصة في التعليم والطب، ما يؤثر سلبًا على جودة الخدمات ويُضعف المجتمع».
يرى المصدر أنه من الناحية الاقتصادية، «تعني شيخوخة المجتمع تراجعًا في القوى العاملة الشابة، لأن انخفاض عدد السكان في سنّ العمل يؤثر سلبًا على الإنتاجية والنمو. كما أن ارتفاع عدد المتقاعدين مقابل انخفاض المساهمين في الصناديق الاجتماعية يزيد الضغط على المالية العامة. ومع هجرة المهارات وانخفاض الاستهلاك الداخلي، يصبح النمو الاقتصادي أكثر هشاشة».
ويختم: «تتطلب هذه التحولات سياسات فورية تشمل دعم العائلات، تشجيع بقاء الشباب، تطوير نظام تقاعدي مستدام، وربط الاقتصاد بالتحولات السكانية لتحقيق توازن بين الأجيال».