اخبار لبنان اخبار صيدا اعلانات منوعات عربي ودولي صور وفيديو
آخر الأخبار

تأجيل الإنتخابات: مخرج للجميع.. ومأزق للعهد؟

صيدا اون لاين

لم يعد الحديث عن احتمال تأجيل الانتخابات النيابية في لبنان مجرّد تسريب سياسي أو بالون اختبار، بل بات خيارًا مطروحًا ببعض من الجدّية في كواليس الأوساط المعنية، تحت عناوين أمنية وسياسية متشابكة، تبدأ باستمرار الاحتلال الإسرائيلي والخروقات اليومية جنوبًا، ولا تنتهي عند الخلاف المزمن على القانون الانتخابي وحسابات القوى الحزبية. غير أن الخطورة لا تكمن في النقاش بحد ذاته، بل في تحويل التأجيل من استثناء اضطراري إلى قاعدة سياسية تضرب ما تبقى من انتظام دستوري.

من موقع العهد، تبدو المسألة مصيرية. فالعهد الذي وضع استعادة هيبة الدولة وانتظام عمل المؤسسات في صلب خطاب القسم، وأحد أبرز عناوين البيان الوزاري، لا يمكنه تحمُّل كلفة سياسية لتأجيل إستحقاق بهذا الحجم، يُفسََّر داخليًا كرضوخ لمنطق التعطيل، وخارجيًا كدليل إضافي على عجز الدولة اللبنانية عن احترام استحقاقاتها الدستورية. صحيح أن الواقع الأمني يفرض مقاربة حذرة، لكن الصحيح أيضًا أن الدستور لا يُدار بالهواجس بل بالقرارات، وأي سابقة جديدة في التمديد ستُسجَّل على حساب العهد قبل أي طرف آخر.
في المقابل، لا تخفي قوى سياسية أساسية ارتياحها الضمني لفكرة التأجيل. فـحزب الله يتعامل مع الاستحقاق من زاوية أولوية المواجهة جنوبًا، ويعتبر أن إجراء انتخابات في ظل تصعيد مفتوح مع العدو الإسرائيلي يفتقر إلى شروطه الطبيعية. وفي الحسابات الباردة، لا يبدو الحزب، للوهلة الأولى، مستفيداً انتخابيًا من التأجيل، ولكن في الواقع ثمة حذر يتزايد يوماً بعد يوم على إيقاع التصعيد العسكري الإسرائيلي وما يشكله من ضغوط يومية على بيئة الحزب وجمهوره، فضلاً عن تأخر ورشة إعادة الإعمار بسبب إفتقاد الدولة للأموال اللازمة، وإرتباط المساعدات الخارجية بإنهاء ملف سلاح الحزب، الذي يجد صعوبة بدوره في توفير المساعدات المالية اللازمة لإستيعاب غضب المتضررين والمهجرين من قراهم ومنازلهم، الأمر الذي قد ينعكس سلباً في صندوقة الإقتراع. 
أما القوات اللبنانية، فتقف في موقع النقيض الكامل، رافعة لواء رفض أي مسّ بالمواعيد الدستورية، ومعتبرة أن التأجيل يشكّل محاولة مموَّهة اللهروب من المحاسبة الشعبية، وذلك في حال الأخذ بالتعديلات التي تطالب بها للقانون الحالي بحيث يتم السماح للمغتربين بالتصويت في دوائر سجلات نفوسهم، مثل الناخبين المقيمين، على خلفية السعي لزيادة عدد نواب الكتلة القواتية في المجلس العتيد. أما إذا أصر الرئيس برّي وحلفاؤه على عدم تمرير التعديلات للقانون الحالي، فالقوات ستكون في مقدمة الداعين لتأجيل الإنتخابات، علّ المجلس الجديد ينتخب خليفة الرئيس جوزاف عون لرئاسة الجمهورية، ويكون رئيس القوات الأوفر حظاً، بإعتباره رئيس أكبر كتلة نيابية مسيحية. 
وعلى الضفة نفسها، تتموضع القوى التغييرية التي ترى في التأجيل ضربة مباشرة لما تبقى من ديناميتها الاعتراضية داخل البرلمان. فهذه القوى، رغم تشرذمها، تدرك أن عامل الزمن لا يعمل لمصلحتها، وأن أي تمديد سيؤدي عمليًا إلى إعادة إنتاج المنظومة نفسها التي قامت أساسًا لمواجهتها.
في الوسط، تتباين حسابات النواب المستقلين وكتل المناطق، ولا سيما نواب عكار وبعض كتل المناطق الأخرى، بين من يخشى تآكل رصيده الشعبي في ظل الانهيار الاقتصادي، ومن يفضّل الذهاب إلى الانتخابات لتثبيت حضوره السياسي. إلا أن القاسم المشترك بينهم هو القلق من تحمُّل كلفة شعبية في حال الدفاع عن تمديد لا يحظى بغطاء وطني واسع، أو إجراء الإنتخابات حسب القانون الحالي.
أما النواب المنشقون عن التيار الوطني الحر، فيبدون أكثر ميلًا لرفض التأجيل، انطلاقًا من قناعتهم بأن أي تمديد قد يعيد خلط الأوراق داخل البيئة المسيحية لمصلحة القوى التقليدية، ويقوِّض فرصهم في تثبيت مواقعهم السياسية المستقلة.
وفي ما يتصل بـالتيار الوطني الحر، فإن الحسابات أكثر حساسية. فالتيار يواجه تراجعًا واضحًا في شعبيته، وانقسامات داخلية، وفقدانًا لأوراق قوة سابقة، ما يجعل الانتخابات في موعدها مغامرة غير مضمونة النتائج. من هنا، يبدو التأجيل خيارًا مريحًا لالتقاط الأنفاس ومحاولة إعادة تنظيم الصفوف، ولو تحت عناوين تقنية أو إصلاحية لا تصمد طويلًا أمام الاختبار السياسي.
أما خارجيًا، لن يكون خيار التأجيل بلا أثمان. فالولايات المتحدة، التي تربط دعمها للبنان بانتظام المؤسسات والمسار الإصلاحي، ستنظر بعين الريبة إلى أي تمديد غير مبرر تقنيًا. كما أن السعودية، التي أعادت فتح قنواتها مع الدولة اللبنانية على قاعدة دعم الاستقرار لا تغطية التعطيل. ولكن التأجيل قد يجد آذاناً صاغية في واشنطن في حال نشطت المفاوضات مع الجانب الإسرائيلي بعد تجاوب لبنان في تعيين ديبلوماسي لرئاسة الوفد اللبناني. وفي حال إستمرار حكومة نواف سلام في مسارها الإصلاحي، وتحقيق بعض خطوات قرار حصرية السلاح.
وبإختصار كلّي، إن مصلحة العهد، مبدئياً، ومصلحة لبنان تتقاطعان عند نقطة واحدة: حماية الدستور ومنع تحويل الأزمات إلى ذرائع دائمة لتعليق الحياة الديمقراطية. وإذا كان لا بد من تأجيل، فيجب أن يكون تقنيًا، محدودًا، ومقرونًا بفذلكة قانونية مُقنعة، وبقرار واضح لا لبس فيه. أما التأجيل خدمةً لحسابات حزبية ضيقة، فلن يكون سوى حلقة جديدة في مسلسل إضعاف الدولة، وتعميق أزمة الثقة داخليًا وخارجيًا، ودق إسفين موجع في مسيرة العهد.

تم نسخ الرابط