القضية الجدلية تعود الى الواجهة.. خفض سن الاقتراع بين التجديد والتوازن
مع كل استحقاق انتخابي، تعود قضية خفض سن الاقتراع من سن 21 عاماً إلى 18 عاماً في لبنان كواحدة من أكثر
القضايا الجدلية. وبينما ينظر إليها جيل الشباب كحق مشروع ومسلوب، تقابلها النخب السياسية بمزيج من الحماس المعلن والتوجس المبطن، مما جعلها أسيرة التجاذبات الطائفية والحسابات الرقمية الضيقة.
تكمن أهمية خفض سن الاقتراع، أولاً وقبل كل شيء، في مبدأ العدالة القانونية والمواطنة الكاملة. فمن التناقض الصارخ أن يعتبر القانون اللبناني الشاب في سن الثامنة عشرة راشداً أمام القانون الجنائي، ومسؤولاً عن أفعاله، ويمنحه حق الزواج، والتعاقد، والانخراط في القوى المسلحة للدفاع عن الوطن، بينما يحرمه في الوقت نفسه من حقه الأساسي في اختيار من يدير شؤون هذا الوطن. إن إشراك الشباب في هذه السن يعني اعترافاً بنضجهم وبأنهم شركاء حقيقيون في بناء المستقبل، وليسوا مجرد وقود للتحركات الشعبية أو الشعارات الحزبية.
علاوة على ذلك، يمثل الشباب قوة تغيير كبرى قادرة على ضخ دماء جديدة في الحياة السياسية الراكدة. فالأجيال الشابة غالباً ما تكون أكثر تحرراً من الموروثات الحزبية الجامدة وأكثر انفتاحاً على قضايا العصر مثل التحول الرقمي، التغير المناخي، والعدالة الاجتماعية. إن دخول مئات الآلاف من الناخبين الجدد إلى الهيئة الناخبة قد يفرض على الأحوال السياسية التقليدية تطوير خطاباتها لتلائم تطلعات هذا الجيل، مما يساهم في تجديد النخب وكسر الاحتكارات السياسية التي استمرت لعقود.
إلا أن هذه الصورة الوردية للتغيير تصطدم في لبنان بواقع "الديمقراطية التوافقية" وهواجسها الديموغرافية. وتعد هذه الهواجس من أبرز مساوئ أو عوائق هذا الطرح في السياق اللبناني. إذ تتخوف قوى سياسية عديدة من أن يؤدي خفض سن الاقتراع إلى إحداث خلل في التوازن الطائفي، مما قد يؤدي إلى اهتزاز مبدأ "المناصفة" التي يقوم عليها الميثاق الوطني اللبناني.
من ناحية أخرى، يثير المعارضون تساؤلات حول مدى النضج السياسي للشاب في سن الثامنة عشرة في ظل نظام تعليمي يفتقر إلى التربية المدنية الفاعلة. ويُخشى هنا أن تتحول هذه الكتلة الشبابية، وبدلاً من أن تكون أداة للتغيير، إلى وقود جديد لزيادة حدة الاستقطاب الطائفي، حيث يسهل استثارة عواطف الشباب في هذه السن بشعارات شعبوية بعيدة عن البرامج الانتخابية الواقعية. كما يبرز تخوف من تحول الجامعات والمدارس إلى ساحات للصراعات السياسية الحادة التي قد تعطل المسار التعليمي.
في الختام، يظل خفض سن الاقتراع مطلباً ديمقراطياً بامتياز ينسجم مع المعايير الدولية التي تعتمدها أغلبية دول العالم. لكن في لبنان، تبقى هذه الخطوة بحاجة إلى إطار إصلاحي شامل يتجاوز مجرد تعديل الأرقام؛ إذ يتطلب الأمر قانوناً انتخابياً يطمئن المكونات كافة، وحملات توعية ترفع من منسوب الوعي الوطني لدى الشباب، لتكون الورقة التي يسقطونها في الصندوق وسيلة لبناء الدولة لا لترسيخ الانقسام