بعد جنوب الليطاني: لبنان بين تصدّع الداخل واتساع المواجهة الإقليمية في 2026
شكّل خطاب أمين عام حزب الله الشيخ نعيم قاسم الأخير إعلاناً سياسياً يرسم حدود المرحلة المقبلة ويحاول إغلاق باب الابتزاز الداخلي والخارجي معاً، فمن خلال عبارة "لا تطلبوا منا شيئاً بعد اليوم" ردّ قاسم على من كان ينتظر جواب المقاومة على مسألة المرحلة الثانية من خطة حصر السلاح في لبنان، محاولاً تثبيت الشروط التي لا يزال لبنان الرسمي حتى اللحظة متمسكاً بها، وهي أن لبنان التزم بما عليه رغم عدم الالتزام الإسرائيلي، وبالتالي لا يمكن تقديم المزيد فيما إسرائيل لم تلتزم بالإتفاق لا نصاً ولا روحاً.
هنا بيت القصيد، تقول مصادر سياسية رفيعة عبر "ليبانون ديبايت" إذ لا يمكن الاستمرار في منطق "التنفيذ من طرف واحد"، مشيرة إلى أنه لا يمكن قبول منطق أن يُنجز لبنان ما عليه جنوب الليطاني وفق تفاهمات غير متكافئة، ثم يُفتح النقاش فوراً حول شمال الليطاني وكأن المشكلة داخلية بحتة.
تسأل المصادر لماذا يُطلب من المقاومة ما لا يُطلب من العدو؟ متوقعة أن الخطة التي جرى تنفيذ شقها الأول لن تُسحب من التداول، وسيستمر الجدال حولها، لكنها ستستكمل من دون أي سقف زمني، مشددة على أنه حتى هذه اللحظة لا يوجد في لبنان قرار رسمي بتحديد جدول زمني للمرحلة الثانية بعد الانتهاء من الاولى، علما أن نجاح الثانية مرتبط بنجاح الأولى التي يرتبط نجاحها بتحرير الاراضي المحتلة، وبالتالي فإن عدم تحديد الزمن يعني نزع عنصر الضغط عن المقاومة، وإعادة الضغط إلى المجتمع الدولي الذي يتعامل بازدواجية وقحة مع طرفي النزاع.
لا شكّ بحسب المصادر أن المرحلة الثانية من خطة حصر السلاح والموقف الرسمي منها، وحديث الجيش عنها، سيعني اندلاع أزمة حكومية، من غير المعروف مدى تطورها، ربطاً بها، وربطاً بمصير الانتخابات النيابية المقبلة أيضاً، والتي تدخل عاملاً حاسماً في تحديد مصير مشاركة أطراف حكومية وازنة.
على طاولة الحكومة هناك وزراء، بعضهم بدافع الرضوخ وبعضهم بدافع الحسابات الشخصية، يدفعون باتجاه "الانتقال شمال الليطاني" وكأن الملف الإسرائيلي غير موجود، وكأن الاحتلال انتهى، وهذا ما حاول الشيخ قاسم الإشارة إليه في خطابه الأخير، عندما ربط كل هذه النقاط بعضها ببعض.
في خلفية هذا الموقف، تكشف المصادر عن قناعة راسخة لدى حزب الله وإيران، أن المواجهة آتية لا محالة، بغض النظر عن شكلها ومكانها وتوقيتها، مشيرة إلى ان هذه القناعة ليست رغبة في الحرب، بل هي نتاج قراءة منطقية لمسار المشروع المعادي الإسرائيلي ودعم اميركا له.
المشروع الإسرائيلي الذي لم يتوقف عند غزة، ولم ينتهِ عند جنوب لبنان، ولم يتجمّد عند الضفة الغربية، ولم يتبدل عند استهداف إيران، ولا سقوط النظام السابق في سوريا، هو مشروع توسّعي أمني ـ سياسي، بات يشكل خطراً على الأمن القومي، للبنان من البوابة الجنوبية والبقاعية والمنطقة الاقتصادية البحرية، سوريا من بوابة الجنوب السوري وتغذية النزعات الإنفصالية، ورؤية ممر داوود لبرط الجنوب بالشمال الشرقي، تركيا من بوابة حدودها مع سوريا وصولاً الى خطوط الغاز والتموضعات الافريقية، مصر من بوابة سيناء وقناة السويس، السعودية من بوابة طريق التصدير البحري للنفط، إيران من بوابة الرغبة الإسرائيلية بالحرب عليها وتغيير النظام، وغيرها من الدول التي لم تعد بمنأى عن المشروع الإسرائيلي، لذلك، فإن التصدي له لن يبقى محلياً ولا محصوراً بساحة واحدة، والتوسّع الإقليمي للمواجهة سيكون نتيجة طبيعية لتوسّع المشروع نفسه.
من هنا، يصبح العام 2026، وفق تقدير المصادر السياسية، امتداداً تصاعدياً للعام الحالي، لا مرحلة تهدئة، فالأخطار لن تقل، ولو اختلفت أشكال الحروب، والضغوط ستزداد، ومحاولات تحميل المقاومة كلفة سياسية داخلية ستتضاعف. لكن في المقابل، هناك وضوح أكبر في الرؤية لدى المقاومة في لبنان وغالبية دول العالمين العربي والإسلامي