إختر من الأقسام
آخر الأخبار
في موسم فيروسات الإنفلونزا: الـH3N2 ضيفاً ثقيلاً على اللبنانيين
في موسم فيروسات الإنفلونزا: الـH3N2 ضيفاً ثقيلاً على اللبنانيين
المصدر : فؤاد بزي- الأخبار
تاريخ النشر : الخميس ٢٨ تشرين ثاني ٢٠٢٤

يشهد لبنان منذ شهر تقريباً حديثاً متزايداً عن إصابة تلاميذ المدارس بحرارة مرتفعة تستمرّ أياماً، وعوارض رشح قاسية رُجّح أنّها عودة لفيروس H1N1، فيما أكدّ المختصون أنه فيروس الـ H3N2 الذي يفرض انتشاره عادةً معدلات استشفاء عالية. لذا يُنصح بالعودة إلى الإجراءات الوقائية للاحتماء منه

يصطفّ المرضى في عيادة أحد اختصاصيّي الأمراض الجرثومية في بيروت بـ«الدور لا الموعد»، نظراً إلى كثرة المرضى المحتاجين إلى معاينة، فـ«الوضع ليس على ما يرام» وفق هذا الطبيب بعدما «خلعت الناس الكمامات وتراخت في الإجراءات الوقائية، فيما نحن في قلب موجة انتشار عالمية لفيروس الإنفلوانزا بشكل عام».

تؤكد رئيسة مصلحة الطب الوقائي في وزارة الصحة الدكتورة عاتكة بري انتشار الفيروس، لكنها توضح أنّه «الـ H3N2 وليس الـ H1N1 الذي أصبح ضمن فيروسات الإنفلوانزا العادية بعد الـ 2009، عام الجائحة»، مطمئنة بأنّ «هذه السلالة ليست جديدة، بل معروفة».

ومن المعروف أنّه في كلّ سنة تنتشر فيها الإنفلوانزا، تسيطر سلالة معيّنة. وبحسب الدراسات، فإن السّنوات التي تنتشر فيها H3N2 ترتفع معدّلات الاستشفاء كما هو حاصل اليوم. وكانت صافرة الإنذار من هذه السلالة قد انطلقت من ألمانيا، في آذار من العام الجاري، مبلغة منظمة الصحة العالمية عن تسجيل إصابة بفيروس الإنفلوانزا من نوع H3N2. ويشكّل هذا الأخير نسبة 80% من الإنفوانزا المنتشرة في لبنان حالياً، بينما تبلغ نسبة المصابين بالـ H1N1 22%، وهناك مصابون بسلالة أضعف من الفيروس نفسه تقدّر بـ 8%.

ليست «سفقة هوا»
يصف اختصاصي الأطفال الدكتور نبيل الحاج حسن الوضع بـ«السيّئ والمهول»، ويقول إنّه لم يعاين انتشاراً كالذي يحصل اليوم في لبنان «منذ سنوات، فسرعة الانتشار بين الأطفال في المدارس والحضانات كبيرة، وعبرهم يصل الفيروس للأهل في البيوت». لكنه يطمئن إلى أنّ «المصابين لا يحتاجون إلى دخول المستشفيات، شرط عدم إهمال العدوى، وعلاج العوارض منعاً لتطوّرها».

ومن اللافت أنّ التشابه الكبير، إلى حدّ التطابق أحياناً، بين عوارض فيروسات الإنفلونزا المختلفة الموجودة في لبنان حالياً، كما طرق الانتقال عبر قطرات المياه العالقة في الهواء أو الأسطح واليدين الملوّثتين، تدفع البعض إلى التستر على الإصابة ووصف ما يعانون منه على أنّه «سفقة هوا»، أو ناجم عن «تكييف قوي»، إلا أنّ كلّ ما سبق هي عوارض «فيروسات فصل الخريف» وفق مختصين، «الناشرة للعدوى في الفصول الباردة لأسباب تعود إلى تصرّفات الناس خلال هذا الوقت، إذ يلجأون إلى البقاء في غرف مغلقة لحبس الحرارة، ومنع تدنّيها» ما يساهم في زيادة انتشار الفيروس. وتبقى البيئة الأمثل لنشر هذه العدوى الأماكن المكتظة، ولا سيّما المدارس التي يبقى فيها التلاميذ متلاصقين لأوقات طويلة، ما يساعد أكثر في نقل الفيروس. وهنا طالب الحاج حسن بـ«إقفال المدارس والحضانات لأسبوعين للسيطرة على العدوى، وكبح الموجة الفيروسية».


سقوط الكمامة
بالأرقام، تحتلّ الفيروسات التنفسية ومنها الإنفلوانزا المركز الرابع عالمياً في التسبّب بالوفاة، إذ يقتل مئات الآلاف سنوياً على الكوكب، وسيبقى تحت مجهر العلماء خوفاً من أيّ تحوّر جديد يؤدي إلى جائحة. أما القلق اليوم فيعود إلى أمرين، الأول ترافق انتشار الإنفلوانزا مع جائحة كوفيد 19 المستمرة للسّنة الثانية على التوالي، والثاني انتشار H3N2 المسبّبة لعوارض أكثر شدّة.

يشكّل الـ H3N2 نسبة 80% من الإنفلونزا المنتشرة في مقابل 22% للـ H1N1

يضيف اختصاصي الأمراض الجرثومية، الدكتور عبد الرحمن البزري، إلى ما سبق «سقوط الكمامة عن وجوهنا»، ويعيد ترك هذا الإجراء إلى «انخفاض أعداد المصابين بفيروس كوفيد 19، والملل من الكمامة». متخوّفاً من أن يؤدي الاستمرار في هذه التصرفات إلى «إعادة انتشار كلّ الفيروسات التنفسية بعد غيابها لسنتين بسبب صرامة الإجراءات الصحية السابقة». وهذا ما تؤكّد عليه برّي التي تذكّر بالعام 2020، «إذ كانت الإصابات بالإنفلوانزا وقتها في أدنى مستوياتها».

ويحذّر البزري من «التهاون وترك الفيروس ينتشر، كونه من الأشد على الصحة، ويتسبب بالتهابات خطيرة في الرّئتين»، وينصح بـ«عدم ارتياد الأماكن المكتظة، والانتباه للمرضى أصحاب الأمراض المستعصية، وأخذ اللقاح المخصص للإنفلوانزا».

اللقاح وثمنه
وفي هذا السياق، يتوافر اللقاح الخاص بالإنفلوانزا بشكل دائم، عالمياً ولبنانياً، بأعداد كافية، إلا أنّ الأزمة الاقتصادية تمنع الأكثر عرضةً من مرضى الأمراض المستعصية من الوصول إليه، إذ «ارتفع سعر اللقاح من 23 ألف ليرة السنة الماضية إلى ما يقارب الـ 600 ألف ليرة للجرعة الواحدة»، ما دفع هؤلاء الأشخاص إلى الإعراض عن أخذه، بعدما كان لسنوات مجدولاً على قائمة أدويتهم الأساسية السّنوية، الأمر الذي سيجعلهم عرضة للعوارض الشديدة.

انتبهوا إلى كبار السّن
أكثر الأشخاص المعرّضين للإصابة هم المتقدّمون في السنّ، لذا يلفت اختصاصي الأمراض الجرثومية الدكتور عيد عازار الانتباه إلى تسجيل «نسبة إصابات عالية بفيروس كورونا لدى مرضى تزيد أعمارهم على 60 سنة، تلقّوا اللقاح منذ أكثر من سنة، واحتاجوا نتيجة هذه الإصابة إلى عناية طبية خاصة في المستشفيات». وفيما يؤكد عدم إمكانية مقارنة درجة الخطورة بين فيروسَي الكورونا والإنفلونزا، يدعو إلى عدم القلق «من جائحة جديدة، فالسلالات الفيروسية ليست جديدة، بل معروفة»، متحدّثاً عن «عدد من الفيروسات التنفسية الأخرى التي تنتشر اليوم، مع بداية الفصل البارد، ولكن لم تسجل إلى الآن حالات إنفلوانزا تحتاج إلى عناية مشدّدة في المستشفيات».

لماذا تتعدّد سلالات فيروسات الإنفلونزا؟
يعرف العالم عوارض فيروس الإنفلونزا منذ بدء التدوين الطبي، إذ كان ينتشر ويتسبّب بأوبئة محلية في كلّ أرجاء الكوكب. وقبل حوالي الـ 100 سنة، وخلال أحداث الحرب العالمية الأولى تسبّب بجائحة كبرى عُرفت باسم «الإنفلونزا الإسبانية» (1918)، تجاوز عدد ضحاياها عدد ضحايا الحرب الكونية. ولكن، لم يستطع العالم تشخيص الفيروس قبل عام 1933، بعد عزل جسمه لأول مرّة، ومنذ ذلك التاريخ تتقدّم الدراسات وتسمح بإنتاج أدوية ولقاحات مضادة لهذا الفيروس التنفسي المعدي.

يشكّل فيروس الإنفلونزا صداعاً للعلماء، إذ لم يهدأ يوماً، وتسبّب بثلاث جائحات بعد عام 1918، آخرها في عام 2009، مع ما كان يُعرف سابقاً بـ«إنفلونزا الخنازير»، ومن ثمّ أُعطي تسمية «علمية» معروفة بالـH1N1 الذي تحوّل مع مرور السّنوات إلى مرض موسمي ينتشر في بداية الفصول الباردة. وتعود هذه الأحرف إلى تصنيف لسلالة فيروسات الإنفلونزا قُسّمت إلى أنواع، «أ، ب، ج، د». وقُسّم النوع أ إلى أنواع فرعية بناءً على بروتين مركّب، الحرف الأول منه H، وأنزيم يُرمز إليه بـN. وحتى اليوم هناك 18 نوعاً من البروتين و11 نوعاً من الأنزيم، وكلّ «تشكيلة» بين البروتين والأنزيم تنتج فيروساً جديداً، ويبلغ عدد فيروسات النوع الفرعي «أ» وحدها 130. تظهر فيروسات إنفلونزا الجديدة نتيجة لعملية تسمى «إعادة التجميع»، تحصل عند دخول فيروسَيْ إنفلونزا مختلفين إلى خلية واحدة، ما قد يؤدي بالتالي إلى «عملية تبادل معلومات جينية» بينهما.

ويُذكر أنّ نوعَي الفيروس «أ و ب»، هما المسؤولان عن الموجات الوبائية الموسمية مع كلّ موسم بارد، والنوع «ج» قليل الانتشار، أما الـ«د» فلا يصيب البشر. وبالعودة إلى الجائحات، فتتعلّق بالنوع «أ» حصراً، الذي يتسبّب بها مع كلّ تغيير «جديد» يصيبه.

الـ H3N2 يدور حول العالم اليوم، وهو معروف بأنّه من الأشد، والأكثر تسبّباً في ظهور عوارض شديدة تتطلب أحياناً الحصول على العناية الطبية. تبدأ العوارض بحمى مفاجئة، تصل بنتيجتها حرارة المريض إلى 40 درجة مئوية، يرافقها سعال (قد يستمر لأسبوعين)، وصداع وآلام شديدة في المفاصل. تستمرّ هذه الحالة إلى ما يقارب الأيام السّبعة، ومن المستبعد أن تتفاقم حالة المصاب إلّا في حال كان يعاني من أمراض مستعصية أو يأخذ أدوية تضعف المناعة، عندها لا بدّ من طلب المساعدة الطبية المحترفة.

الإجازات المرضية ممنوعة!
على عكس ما اعتاده الناس خلال جائحة كورونا، إذ كان يكفي وقتها الشعور بارتفاع درجة الحرارة، أو أيّ من عوارض الإصابة لملازمة المنزل والحجر، فإنّ أرباب العمل والمديرين اليوم، بحسب عدد من المرضى، «يطلبون من الموظفين الاستمرار في الحضور إلى عملهم بشكل طبيعي، مع وضع الكمامة فقط». وهذا الأمر ينسحب على معظم مراكز العمل، حتى في المدارس حيث الاكتظاظ الأكبر. وهذا ما يحذّر منه عدد من الاختصاصيين بالأمراض الجرثومية الذين تواصلت معهم «الأخبار»، إذ إنّ التسبّب بانتشار فيروس الإنفلوانزا لا يقلّ خطراً عن الكوفيد 19، وخاصة على أصحاب الأمراض المستعصية


عودة الى الصفحة الرئيسية