إختر من الأقسام
آخر الأخبار
استعصاء وتشاؤم وسيناريوهات مقلقة في الملف الرئاسي وحركة موفدين في اتجاه لبنان
استعصاء وتشاؤم وسيناريوهات مقلقة في الملف الرئاسي وحركة موفدين في اتجاه لبنان
تاريخ النشر : الجمعة ٢٩ تشرين ثاني ٢٠٢٤

مرّ شهر على الفراغ، وأطراف التعطيل الرئاسي، قطعت كل معابر الحلول الداخلية وأعدمت كل إمكانات التوافق، وعلى هذا المنوال، سيبتلع الفراغ شهوراً وشهوراً من اللف والدوران الفارغ في دائرة التوتير والتصعيد والتعقيد. واما النتيجة الحتمية لهذا المنحى هي انزلاق البلد اكثر فأكثر الى أعماق الهاوية الكارثية.


لا ترقيع ولا تسكين


الوقائع الصدامية والانقسامية التي تدحرجت على امتداد الشهر الأول من الفراغ، شكّلت في الساعات الأخيرة مادة نقاش وتقييم، في "اجتماع مغلق" مرتبط بالملف الرئاسي، وشارك فيه سياسيون ونواب، وبحسب معلومات "الجمهورية" فإنّ خلاصة النقاش والتقييم، كانت مخيفة، وفيها:

أولاً، انّ الوضع في لبنان بدأ يلامس الحضيض اقتصادياً ومالياً واجتماعياً، ولحظة الارتطام الكبير تقترب، ومع استمرار الفلتان السياسي على ما هو عليه من تعطيل لانتخاب رئيس للجمهورية اولاً، وتالياً لإعادة وضع البلد على سكة الانتظام المؤسساتي، ستحلّ الكارثة الكبرى، وتداعياتها تنذر بسلبيات وإرهاقات أصعب وأقسى وأكبر مما نتخيل.

ثانياً، انّ الوقائع الصدامية والانقسامية، اثبتت بما لا يرقى اليه أدنى شك، انّ واقع البلد المستفحل بهريانه، لم تعد تنفع معه تمنيات، ولا ترقيعات ولا مسكنات من نوع "البانادول السياسي" قصير المفعول. بل بات يستوجب حلولاً جذرية لم تنضج ظروفها بعد. فالحل الجذري مؤجّل، ولكنه هو ما سيحصل مهما طال الوقت.

ثالثاً، انّ مسببات التعطيل متعدّدة، تتأتى من هوة الانقسام الفاصلة بين المكونات الداخلية، وإرادة البعض في تعميقها اكثر، وكذلك من اتساع مساحة الانتفاخ الوهمي لدى بعض الاطراف. فالخيارات باتت محسومة، والجبهات باتت مفتوحة، والاصطفافات باتت مرسّمة بين إرادات متصادمة تتجاذب الملف الرئاسي وتحرفه عن معبره الإلزامي بالتوافق على رئيس. ولا يخرج من الحسبان ابداً ان تكون تلك المسببات مغطاة في مكان ما بعامل خارجي يشحنها.

رابعاً، انّ تصويب المسار الرئاسي، بات يتطلب إرادة أعلى وأقوى، تفرض الحل وتستأصل كل مسببات التعطيل. وهذه الإرادة تكمن في الداخل اللبناني، وفي إمكان اللبنانيين ان يصوغوها ويتشاركوا فيها، لأنّهم وحدهم في أزمتهم. ففي أيدي اللبنانيين بلوغ حل على البارد، قبل ان يصلوا إلى وضع يصبحون فيه جميعهم وقوداً لمحرقة الأزمة الاقتصادية والمالية.

خامساً، الخطأ القاتل يكمن في اتساع حلقة الرّهانات على الخارج، ليس على قاعدة بلوغ حلّ توافقي حول الملف الرئاسي، بل حل يقوم على غلبة فئة على فئة. فإنْ كان ثمة من يراهن فعلاً على "راجح خارجي" لكي يتدخّل ويفرض حلاً في لبنان لمصلحته ورئيساً للجمهورية من لون معيّن، فلعلّ مبادرته الى إلقاء نظرة سريعة إلى خريطة اولويات واهتمامات الدول الخارجية، قد تجعله يتيقن من انّ الاولوية الخارجية اوكرانية، وبالتالي لا أثر للبنان في تلك الخريطة. فضلاً عن انّ كل ما يصدر من مواقف للدول الشقيقة والصديقة، ظاهرها كما باطنها، مقولة مفادها: "قلّعوا شوككم الرئاسي والسياسي بأيديكم، نساعدكم". وهذه المقولة تشكّل الجواب المسبق على أي دعوة لمؤتمر دولي حول لبنان.

سادساً، انّ المناخ العربي في غالبيته داعم للاستقرار في لبنان وإعادة إحياء مؤسساته، الّا انّ الأساس في هذا الجانب انّ دولاً عربية لها حضورها ودورها الفاعل في لبنان تاريخياً، لم تحسم خيارها وتعبّر عن حيادية واضحة من الملف الرئاسي. وثمة من ينسب اليها الفيتو على مرشحين أساسيين. وربما هذا ما يتخذه بعض الاطراف غطاء للمضي في التصعيد.

سابعاً، كما دلّ التعاطي السلبي مع المبادرة الحوارية التوافقية التي كان يحضّر لها رئيس المجلس النيابي نبيه بري، فلا مجال لمثل هذا الحوار، طالما انّ القوى المسيحية الكبرى رافضة للجلوس في ما بينها على طاولة الحوار والنقاش. وثمة مؤشرات تشي بأنّ الموقفين الفرنسي والفاتيكاني يشجعان على سلوك هذا المنحى.

ثامناً، طالما انّ الحوار الداخلي متعذّر، وطالما انّ الحوار في الخارج ليس مطروحاً، فإنّ التعويل يبقى على "خرطوشة" الرئيس نبيه بري التي سيطلقها في الأرجاء الرئاسية في قادم الايام، لناحية عقد مشاورات متفرقة سعياً لإخراج الملف الرئاسي من عنق زجاجة التعطيل.

وإذا كانت هذه المشاورات قد تشكّل ايجابياتها إن تمّ بلوغها، مرتكزاً لأي جهد خارجي فرنسي او غير فرنسي يواكبها، فإنّ العبرة ليست في إجراء مشاورات للمشاورات فقط، حيث لم يعد ثمة وقت لتضييعه، بل في ان تسبقها إرادة جدّية من قبل الأطراف الداخلية المعنية بالملف الرئاسي، في الشراكة فيها بروح الانفتاح والرغبة في بناء ارضية توافقية لإنتاج رئيس. وفي غياب هذه الإرادة، عبثاً انتظار ايجابيات وتفاهمات.

تشاؤم ديبلوماسي

في هذا الوقت، عُلم أنّ الحركة الديبلوماسية المرتبطة بالملف الرئاسي، شابها شيء من الزخم في الايام الاخيرة، حيث انّها تجري بوتيرة مكثفة بعيداً من الاضواء، وشملت حتى الآن العديد من المستويات السياسية على جانبي الانقسام الداخلي.

وكشفت مصادر موثوقة جانباً من تلك الحركة، وقالت لـ"الجمهورية"، انّ مقاربة الديبلوماسيين للمشهد الرئاسي في لبنان تتسمّ بالسوداوية، حيث باتوا يتحدثون عن مخاطر كبيرة على لبنان من استمرار الفراغ في رئاسة الجمهورية. وكشف أحد السفراء الاوروبيين امام احد كبار السياسيين، عن معطيات وصفها بالخطيرة جداً، خلاصتها الخوف من تطورات دراماتيكية تهدّد الاستقرار في لبنان على كل المستويات، ولا تستثني حتى المستوى الأمني. ونقلت عنه قوله ما حرفيته: "وضع لبنان بات يشبه حافلة بلا سائق، تسقط بركابها من أعلى منحدر الى جرف عميق، لبنان في واقعه الراهن امام سيناريوهات مقلقة، وبالتالي لا بدّ من عمل لبناني سريع لتداركها".

ووفق المصادر، فإنّ ما تشدّد عليه الحركة الديبلوماسية الغربية، هو انّ المجتمع الدولي معني بالحفاظ على استقرار لبنان، وهذا يؤمّنه بالتأكيد بنية دولة كاملة في لبنان رئاسياً وحكومياً، وهذا بالتأكيد مسؤولية اللبنانيين وما ينبغي عليهم السعي إلى تحقيقه. وتبعاً لذلك، ليس في أجندة أي من الدول الخارجية، ولاسيما الدول الصديقة للبنان، أي فكرة لممارسة اي ضغط او محاولة لإحداث تغييرات، او الإملاء على الداخل اللبناني بتسوية أحادية الجانب. فلبنان وضعه دقيق وحساس جداً في تركيبته وتوازناته السياسية والطائفية. ومن هنا فإنّ الوقت ما زال متاحاً امام القوى اللبنانية من دون استثناء اي منها، لحسم خيار التوافق على انتخاب رئيس للجمهورية، وهذا التوافق سيتواكب حتماً من قِبل اصدقاء لبنان بتحريك مسعى داعم لهذا التوجّه، واستتباعه بخطوات مساعدة في الاستحقاقات التالية، ولاسيما على الصعيد الحكومي والمهام الإنقاذية والاصلاحية لإخراج لبنان من ازمته.

إلى ذلك، كشفت مصادر مسؤولة لـ"الجمهورية"، انّ الحركة الديبلوماسية الغربية في بيروت، قد تستتبع قريباً بزيارات لعدد من كبار المسؤولين إلى بيروت، ولاسيما من باريس والفاتيكان ودول عربية خليجية تلعب دوراً ملحوظاً على حلبة الاستحقاق الرئاسي. وكذلك من جامعة الدول العربية.

يُشار في هذا السياق إلى زيارة وفد من الكونغرس الاميركي برئاسة النائب مارك تاكاتو، وعضوية النائبين كولن الريد وكاتي بورتر تستمر يوماً واحداً، حيث من المفترض ان يلتقي رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي ووزير الخارجية عبدالله بو حبيب وقائد الجيش العماد جوزف عون.


عودة الى الصفحة الرئيسية