خلافات داخلية فرنسية: تكرار الفشل بلبنان لا يليق بباريس
خلافات كثيرة تدور داخل الإدارة الفرنسية، حول مقاربة العديد من الملفات، لا سيما منها المتعلق بالشرق الأوسط، وخصوصاً الملف اللبناني. ليست هذه الخلافات جديدة، لا بل متجددة. إذ بدأت تظهر إلى العلن منذ المبادرة الفرنسية التي طرحت تجاه لبنان في العام 2020. فهناك فريق لم يكن متحمساً لتورط الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في تفاصيل وتشعبات الملف اللبناني، ولا المواكبة اليومية للاتصالات بين اللبنانيين. وشدد المعارضون في حينها على ضرورة رسم ملامح وخطوط عريضة، وتحميل مسؤولية الإلتزام بها للبنانيين، بدلاً من الانغماس في تفاصيل أدت إلى الإطاحة بالمبادرة الفرنسية.
فريق العمل
هذا الخلاف يتجدد في المرحلة الأخيرة، وخصوصاً بعد الاجتماع الخماسي الذي عقد في العاصمة الفرنسية، باريس، وتم خلاله البحث في الملف اللبناني، وفي تقديم مبادرة لحلّ الأزمة اللبنانية سياسياً، من خلال إعادة تكوين السلطة وانتخاب رئيس للجمهورية واختيار رئيس للحكومة وتشكيلها، مع الاتفاق على برنامجها. ما بعد الانتخابات الفرنسية، تحدثت تسريبات كثيرة حول إحتمال لجوء ماكرون إلى مراجعة السياسة الخارجية الفرنسية في لبنان، خصوصاً بعد فشل المبادرة. ومما تسّرب أيضاً كان اتجاهات تفضي إلى تغيير في أعضاء فريق العمل، إلا أن ذلك لم يحصل.
وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، كان أبرز من دفع الثمن بسبب ملفات كثيرة لا ترتبط بلبنان وحده طبعاً، لكنه كان أكثر المنزعجين من طريقة إدارة الرئاسة الفرنسية للملف اللبناني، خصوصاً أن لودريان اعتبر -مع جزء كبير من مسؤولي الخارجية الفرنسية- بأنه يتم تجاوزه وتخطيه من قبل المستشارين في الرئاسة الفرنسية. وكأن هناك عملية قضم لدور "الكي دورسيه" بغطاء من فريق الرئيس.
لعبة المقايضة
حالياً، تتجدد الخلافات حول آلية مقاربة الملف اللبناني أيضاً، إلى جانب صراعات كثيرة سياسية، وأخرى ترتبط بالوضع الداخلي في فرنسا، على وقع التظاهرات والاحتجاجات الحاصلة ربطاً بالأزمة الاقتصادية. ولكن بما يعني الملف اللبناني، فإن اعتراضاً كبيراً يدور داخل الخارجية ولدى مسؤولين فرنسيين آخرين، حول التغير في الموقف الفرنسي ما بعد اجتماع باريس.
إذ أنه خلال الاجتماع الخماسي، والذي حضره إلى جانب فرنسا، أميركا، السعودية، قطر ومصر، كان هناك اتفاق واضح على مواصفات رئاسية، وعلى كيفية التعاطي مع المرحلة المقبلة في لبنان. وهذه المواصفات -حسب ما أصبح معروفاً- كان هدفها استبعاد أي مرشح سياسي لرئاسة الجمهورية. أي عدم انتخاب شخصية محسوبة على فريق سياسي ستشكل غلبة لطرف على آخر. ثم بغتة تغير الموقف الفرنسي لصالح لعبة المقايضة، وتبنى ماكرون والمقربون منه خيار فرنجية مقابل نواف سلام.
الفريق الذي يتولى الملف اللبناني، يضم المستشار في الرئاسة الفرنسية باتريك دوريل، كبير المستشارين الديبلوماسيين لدى الإيليزيه إيمانويل بون، ورئيس المخابرات الخارجية برنار إيمييه، بالإضافة إلى المسؤول عن سياسة الشرق الأوسط في الخارجية الفرنسية آن غيغان. حسب المعلومات، هناك خلافات في وجهات النظر، خصوصاً أن العديد من الفريق الفرنسي يعتبرون أنه لا يجب على فرنسا أن تتعاطى وفق هذه الطريقة بسياسات خارجية. وليس من اللائق بباريس أن تغير عن موقفها الذي اتفقت فيه مع جهات دولية. وهذه ليست المرة الأولى التي تحصل. إذ تدرجّت مثل هذه المواقف منذ العام 2020. وقد كانت مشهودة لبنانياً بشكل واضح. هناك عتب أيضاً داخل الخارجية الفرنسية حول مقاربة ملفات واتخاذ قرارات من دون المرور بها، أو عبر القنوات الديبلوماسية والإدارية اللازمة.
تكرار الفشل!
لا شك أن ما يجري هو شكل من أشكال الأزمة التي تمر بها دول كثيرة في هذه الحقبة. ومن يعترض، يقول إن اعتراضه ينطلق من الدفاع عن فرنسا كصاحبة دور أساسي في تكريس ما يعرف بالقيم السياسية الخارجية، بعيداً عن منطق الشخصنة أو المصالح الضيقة. وكذلك، ما يجري يتعارض مع التقاليد الديبلوماسية العريقة لفرنسا ولغتها الواضحة، صاحبة التاريخ الطويل من التمايز في المواقف المبدئية. وهو لا بد أن ينعكس على الساحة اللبنانية. فلا يجوز تكرار تجربة المبادرة الفاشلة للمرة الثانية، ولا تجربة العام 2016 والتي أوصلت إلى الفشل والانهيار. وكأن إفشال مبادرة العام 2020 علّم الجميع إلا فرنسا.
إن فقدت فرنسا صدقيتها في لبنان، وإزاء أربع دول "شريكة" في الملف اللبناني، فستخسر الكثير من ثقلها المعنوي والسياسي عند أول استحقاق بالسياسة الخارجية أو عند أي مبادرة وتجربة أخرى ببلد آخر.
تعتبر فرنسا في الشرق هي الممثلة الأولى لأوروبا، ولا تمثّل دورها فقط. قدرتها تاريخياً على التفاهم مع الأقربين والأبعدين، تقوم على صلابة مبدئية وليونة عملية. وبالتالي، فإن أسوأ ما يمكن أن تظهر فيه هو وضع رصيدها السياسي والدبلوماسي، وما تمثله، في "مقامرة" على مستوى ضيق، يبدو مستغرباً جداً مقارنة بتاريخها وتجاربها وديبلوماسيتها.
أما الخطأ والذي يتكرر دائماً ويؤدي إلى كوارث، يتلخص في تكرار تجربة الجملة الشهيرة لريتشارد مورفي "مخايل الضاهر أو الفوضى". وهذا يدلّ على فقر في المخيلة السياسية، والتي لم يعتد أحد كهذا موقف من فرنسا.
فريق العمل
هذا الخلاف يتجدد في المرحلة الأخيرة، وخصوصاً بعد الاجتماع الخماسي الذي عقد في العاصمة الفرنسية، باريس، وتم خلاله البحث في الملف اللبناني، وفي تقديم مبادرة لحلّ الأزمة اللبنانية سياسياً، من خلال إعادة تكوين السلطة وانتخاب رئيس للجمهورية واختيار رئيس للحكومة وتشكيلها، مع الاتفاق على برنامجها. ما بعد الانتخابات الفرنسية، تحدثت تسريبات كثيرة حول إحتمال لجوء ماكرون إلى مراجعة السياسة الخارجية الفرنسية في لبنان، خصوصاً بعد فشل المبادرة. ومما تسّرب أيضاً كان اتجاهات تفضي إلى تغيير في أعضاء فريق العمل، إلا أن ذلك لم يحصل.
وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، كان أبرز من دفع الثمن بسبب ملفات كثيرة لا ترتبط بلبنان وحده طبعاً، لكنه كان أكثر المنزعجين من طريقة إدارة الرئاسة الفرنسية للملف اللبناني، خصوصاً أن لودريان اعتبر -مع جزء كبير من مسؤولي الخارجية الفرنسية- بأنه يتم تجاوزه وتخطيه من قبل المستشارين في الرئاسة الفرنسية. وكأن هناك عملية قضم لدور "الكي دورسيه" بغطاء من فريق الرئيس.
لعبة المقايضة
حالياً، تتجدد الخلافات حول آلية مقاربة الملف اللبناني أيضاً، إلى جانب صراعات كثيرة سياسية، وأخرى ترتبط بالوضع الداخلي في فرنسا، على وقع التظاهرات والاحتجاجات الحاصلة ربطاً بالأزمة الاقتصادية. ولكن بما يعني الملف اللبناني، فإن اعتراضاً كبيراً يدور داخل الخارجية ولدى مسؤولين فرنسيين آخرين، حول التغير في الموقف الفرنسي ما بعد اجتماع باريس.
إذ أنه خلال الاجتماع الخماسي، والذي حضره إلى جانب فرنسا، أميركا، السعودية، قطر ومصر، كان هناك اتفاق واضح على مواصفات رئاسية، وعلى كيفية التعاطي مع المرحلة المقبلة في لبنان. وهذه المواصفات -حسب ما أصبح معروفاً- كان هدفها استبعاد أي مرشح سياسي لرئاسة الجمهورية. أي عدم انتخاب شخصية محسوبة على فريق سياسي ستشكل غلبة لطرف على آخر. ثم بغتة تغير الموقف الفرنسي لصالح لعبة المقايضة، وتبنى ماكرون والمقربون منه خيار فرنجية مقابل نواف سلام.
الفريق الذي يتولى الملف اللبناني، يضم المستشار في الرئاسة الفرنسية باتريك دوريل، كبير المستشارين الديبلوماسيين لدى الإيليزيه إيمانويل بون، ورئيس المخابرات الخارجية برنار إيمييه، بالإضافة إلى المسؤول عن سياسة الشرق الأوسط في الخارجية الفرنسية آن غيغان. حسب المعلومات، هناك خلافات في وجهات النظر، خصوصاً أن العديد من الفريق الفرنسي يعتبرون أنه لا يجب على فرنسا أن تتعاطى وفق هذه الطريقة بسياسات خارجية. وليس من اللائق بباريس أن تغير عن موقفها الذي اتفقت فيه مع جهات دولية. وهذه ليست المرة الأولى التي تحصل. إذ تدرجّت مثل هذه المواقف منذ العام 2020. وقد كانت مشهودة لبنانياً بشكل واضح. هناك عتب أيضاً داخل الخارجية الفرنسية حول مقاربة ملفات واتخاذ قرارات من دون المرور بها، أو عبر القنوات الديبلوماسية والإدارية اللازمة.
تكرار الفشل!
لا شك أن ما يجري هو شكل من أشكال الأزمة التي تمر بها دول كثيرة في هذه الحقبة. ومن يعترض، يقول إن اعتراضه ينطلق من الدفاع عن فرنسا كصاحبة دور أساسي في تكريس ما يعرف بالقيم السياسية الخارجية، بعيداً عن منطق الشخصنة أو المصالح الضيقة. وكذلك، ما يجري يتعارض مع التقاليد الديبلوماسية العريقة لفرنسا ولغتها الواضحة، صاحبة التاريخ الطويل من التمايز في المواقف المبدئية. وهو لا بد أن ينعكس على الساحة اللبنانية. فلا يجوز تكرار تجربة المبادرة الفاشلة للمرة الثانية، ولا تجربة العام 2016 والتي أوصلت إلى الفشل والانهيار. وكأن إفشال مبادرة العام 2020 علّم الجميع إلا فرنسا.
إن فقدت فرنسا صدقيتها في لبنان، وإزاء أربع دول "شريكة" في الملف اللبناني، فستخسر الكثير من ثقلها المعنوي والسياسي عند أول استحقاق بالسياسة الخارجية أو عند أي مبادرة وتجربة أخرى ببلد آخر.
تعتبر فرنسا في الشرق هي الممثلة الأولى لأوروبا، ولا تمثّل دورها فقط. قدرتها تاريخياً على التفاهم مع الأقربين والأبعدين، تقوم على صلابة مبدئية وليونة عملية. وبالتالي، فإن أسوأ ما يمكن أن تظهر فيه هو وضع رصيدها السياسي والدبلوماسي، وما تمثله، في "مقامرة" على مستوى ضيق، يبدو مستغرباً جداً مقارنة بتاريخها وتجاربها وديبلوماسيتها.
أما الخطأ والذي يتكرر دائماً ويؤدي إلى كوارث، يتلخص في تكرار تجربة الجملة الشهيرة لريتشارد مورفي "مخايل الضاهر أو الفوضى". وهذا يدلّ على فقر في المخيلة السياسية، والتي لم يعتد أحد كهذا موقف من فرنسا.