إختر من الأقسام
آخر الأخبار
لبنان: المدخرات بالدولار بين الاقتطاع والتقييد والتحويل إلى الليرة
لبنان: المدخرات بالدولار بين الاقتطاع والتقييد والتحويل إلى الليرة
المصدر : علي زين الدين - الشرق الأوسط
تاريخ النشر : الخميس ٢٨ نيسان ٢٠٢٤

ارتفع منسوب القلق بشكل حاد على المدخرات في البنوك اللبنانية، في ظل توجهات الحكومة لربط الإنقاذ المالي بالاقتطاع من الودائع «المحتزة» لدى المصارف لتغطية خسائر ائتمانية محققة في محفظة تمويل المصرفي لديون الدولة والتوظيفات لدى البنك المركزي من جهة، وتبعا لتشديد إجراءات التقييد على السحوبات وبلوغها مرحلة فرض السحب بالليرة على الحسابات المحررة بالدولار بسعر يقل بنحو 20 إلى 25 في المائة عن التداولات السوقية.
ويرصد أصحاب الحسابات المحررة بالدولار بحذر شديد التقلبات المتتالية في تصرفات ثلاثي البنوك والبنك المركزي والحكومة، بغية استنتاج مصير مدخراتهم والهوامش المتاحة لتحريك جزء منها. علما بأن ودائعهم البالغة نحو 117 مليار دولار، تشكل نحو 78 في المائة من إجمالي الودائع البالغة نحو 150 مليار دولار، بينها نحو 29 مليار دولار مصنفة تحت بند «غير المقيمين» وجلها يعود إلى اللبنانيين العاملين في الخارج أو المغتربين. بينما لا تنطبق القيود عينها على الحسابات بالليرة التي يصل مجموعها إلى ما يوازي 33 مليار دولار، والتي تتيح البنوك لأصحابها السحب النقدي منها ضمن سقوف مقبولة ومرنة.
وفي تطور جديد ذي صلة بسيولة الدولار الورقي (البنكنوت) ألزم البنك المركزي المؤسسات غير المصرفية كافة التي تقوم بعمليات التحاويل النقدية بالوسائل الإلكترونية، أن تسدد قيمة أي تحويل نقدي إلكتروني بالعملات الأجنبية وارد إليها من الخارج بالليرة اللبنانية وفقاً لسعر السوق، وأن تبيع العملات الأجنبية الناتجة عن هذه العمليات من الوحدة الخاصة المنشأة في مديرية العمليات النقدية لدى مصرف لبنان. وهذا يعني أن التحويلات بالدولار الوافدة عبر شركات الأموال سيتم صرفها بالسعر المعلن حاليا عند مستوى 2600 ليرة، فيما اقترب السعر السوقي لدى الصرافين من مستوى 3300 ليرة.
ولم يخفف من هواجس المودعين، إعلان رئيس الحكومة حسان دياب بأنه لن يتم المس بما يصل إلى 98 في المائة منهم، رافعا النسبة من 90 في المائة. إذ أن تقاذف كرة المسؤولية بين الدولة والجهاز المصرفي وارتباك المرجعية النقدية في قراراتها وتوجيهاتها يضع المدخرات، وفق المراقبين المحليين والخارجيين، أمام خيارات ضيقة للغاية تراوح بين الاقتطاع بنسب متفاوتة والتحويل غير المكافئ ولا العادل إلى الليرة والتجميد لسنوات لدى الجهاز المصرفي، مع ترجيح إخضاعها للضغوط المجتمعة، طالما أن الدولة تعجز عن سداد ديونها المتوجبة للمصارف وسد النقص الذي سببته في ميزانية البنك المركزي.
ويتوقع أن يصدر البنك المركزي، قبل نهاية الشهر الحالي، تعميما جديدا يتيح لأصحاب الحسابات الدولارية السحب ضمن سقوف محددة من ودائعهم، مع اشتراط التحويل الإلزامي إلى الليرة بالسعر الذي تحدده المنصة الإلكترونية التي يزمع إطلاقها خلال أيام بالاشتراك مع المصارف وشركات الصرافة التي يقبل انضمامها وذلك على غرار تمكين أصحاب الحسابات التي تقل عن ثلاثة آلاف دولار من تحويلها بسعر 2600 ليرة بدلا من 1520. وهو السعر الرسمي المعتمد بين المركزي والمصارف.
ويفترض أن تحل هذه الآلية جزئيا من مشكلة التزود بالسيولة للمودعين بالدولار. لكنها ستفقدهم جزءا من قيمة المبالغ المسحوبة قياسا بالأسعار السوقية السائدة. علما بأن أي ارتفاعات جديدة في تداولات الدولار لدى الصرافين ستقلل تباعا من المفاعيل المبتغاة للتعميم وتضع المودعين مجددا في مواجهة اقتطاع مقنع يبدأ من نسبة 25 في المائة حاليا، ولا يمكن ضبطه إلا من خلال التعديل المواكب الذي يؤمل أن تعتمده المنصة الموعودة لأسعار السوق الحقيقية.
بدورها، لم تكن المصارف أفضل حالا في طمأنة المودعين. فهي رغم تأكيدها، في بيان رسمي أمس، إﺻرارهﺎ ﻋﻠﻰ ﺣﻣﺎﯾﺔ ﻛﺎﻓﺔ اﻟوداﺋﻊ اﻟﻣﺻرﻓﯾﺔ، وهذا ﺣق ﻛّرسه اﻟدﺳﺗور ﻟﻛل ﻣودع، أشارت صراحة إلى «ﺗﺣرﯾر هذه اﻟوداﺋﻊ ﻣن ﻛل ﻗﯾد أو ﺷرط ﻣرﺗﺑط ﺑﺄﺳﺎس اﻟﻣﺷﻛﻠﺔ، وهو ﺿﻣﺎن اﻟﺳﻠطﺔ اﻟﺳﯾﺎﺳﯾﺔ ﻟدﯾون اﻟدوﻟﺔ ﺑﻣوازاة ﺗﻧﻔﯾذ وﻋودهﺎ ﻓﻲ ﺑدء ﻋﻣﻠﯾﺔ اﻹﺻﻼح وإﻋﺎدة هﯾﻛﻠﺔ ﺟذرﯾﺔ ﻟﻠﻘطﺎع اﻟﻌﺎم، ﺑداﯾﺔ ﺑﺗطﺑﯾق اﻟﻘواﻧﯾن اﻟﻣرﻋّﯾﺔ وﺗﻔﻌﯾل اﻟﺳﻠطﺔ اﻟﻘﺿﺎﺋﯾﺔ، ﻟﺧﻠق ﺑﯾﺋﺔ ﻣواﺗﯾﺔ ﺗﺷﺟّﻊ اﻟﻘطﺎع اﻟﺧﺎص ﻋﻠﻰ اﺗﺧﺎذ اﻟﻣﺑﺎدرات واﻻﺳﺗﺛﻣﺎر ﻣﺟدداً. ﺷرط أن ﺗﻛون هذه اﻹﺻﻼﺣﺎت ﻋﻠﻰ أﺳس ﺣﺿﺎرﯾﺔ وﺷﻔﺎﻓﺔ ﻻ ﯾرﺗهن ﻣﺳﺗﻘﺑﻠها ﻟﻌﺷواﺋﯾﺎت اﻟﺳﯾﺎﺳﺔ وﺑداﺋﯾﺗها».
ودعت جمعية المصارف «اﻟﺳﻠطﺔ اﻟﺳﯾﺎﺳﯾﺔ إلى اﻟﺑدء ﺑﺈﺻﻼح ﻧﻔﺳها أوﻻً ﻗﺑل ﻏﯾرهﺎ، ﻣﺎ ﯾﺧوﻟﺎ اﻟﺗطﺑﯾق اﻟﻌﻣﻠﻲ ﻻ اﻟﺷﻌﺎراﺗﻲ ﻟﻺﺻﻼﺣﺎت اﻻﻗﺗﺻﺎدﯾﺔ ﻣن أﺟل اﺳﺗﻌﺎدة ﺑﻌض ﻣن ﺛﻘﺔ اﻟﻣودﻋﯾن واﻟﻣﺳﺗﺛﻣرﯾن. ﻓﺈﯾداﻋﺎت اﻟﻧﺎس، رﻏم ﺗﻘطﯾرهﺎ اﻟﻣؤﻗت، ﯾﺑﻘﻰ وﺟودهﺎ ﺣﯾث أودﻋﺗها أﺿﻣن ﻟها ﻣن أن ﺗﻘﻊ ﻓﻲ أﯾدي ﻗطﺎع ﻋﺎم أﻗل ﻣﺎ ﯾﻘﺎل فيه إنه ﺷدﯾد اﻟﺑداﺋﯾﺔ وﻓﺳﺎده ﻣﺗﺟذر ﻻ ﻗﻌر له».
واعتبر البيان «أن اﻟﺣل ﻷزﻣﺔ اﻟﺳﯾوﻟﺔ اﻟﺣﺎدة، ﻛﻣﺎ ﺳﺑﺑها، هو أولا ﺳﯾﺎﺳﻲ ﻗﺑل أن ﯾﻛون اﻗﺗﺻﺎدﯾا أو ﻣﺻرﻓﯾﺎ، ﻓﻣن ﻏﯾر اﻟﻣﻧطﻘﻲ إذاً أن ﺗﺗهرب اﻟﺳﻠطﺔ، اﻟﻣﺷﻛﻠﺔ، ﻣن اﻟﻣﺳؤوﻟﯾﺔ ﺑﺗﺷرﯾﻊ ﻏﯾر دﺳﺗوري ﻗد ﯾرﯾﺣها ﻷﯾٍﺎم ﻗﻠﯾﻠﺔ وﻟﻛنه ﺳﯾﻐﯾر وجه اﻟﻧظﺎم اﻻﻗﺗﺻﺎدي اﻟﺣر وﯾﻘﺿﻲ نهاﺋﯾًﺎ ﻋﻠﻰ إﻣﻛﺎﻧﯾﺔ ازدهار ﻟﺑﻧﺎن وﻋﻠﻰ ﻣﺳﺗﻘﺑل اﻷﺟﯾﺎل».
وخلصت إلى أنه «ﻟﯾﺳت اﻟﻣرة اﻷوﻟﻰ اﻟﺗﻲ ﯾﻘف ﻓﯾها اﻟﻠﺑﻧﺎﻧﯾون، وﻧﺣن ﻣﻧهم، ﻓﻲ ﻋﯾن اﻟﻌﺎﺻﻔﺔ، وإن ﻛﺎﻧت هذه أﻋﺗﺎهﺎ وأوﻗﺣها. وﺳﻧﻛون، ﻛﻣﺎ اﻟﻣواطﻧﯾن، ﻓﻲ اﻟﺻﻔوف اﻷوﻟﻰ ﻟﻠﻣواﺟهة وﻟدﻋم ﻛل ﻣﺣﺗﺎج. ﻓﻧﺣن اﻟﻠﺑﻧﺎﻧﯾﯾن، ﻟم ﻧﺻل إﻟﻰ هﻧﺎ ﻷﻧﻧﺎ ﺗﻘﺎﻋﺳﻧﺎ ﻋن اﻟﻌﻣل، ﺑل ﻷﻧﻧﺎ ﺗﻘﺎﻋﺳﻧﺎ ﺟﻣﯾﻌﺎ ﻋن اﻟﻣﺣﺎﺳﺑﺔ. هذا، ﻣﺗﻰ ﺗﻌﻠﻣﻧﺎ اﻟدرس، هو ﺑﺣد ذاته ﻣﺻدر اﻷﻣل ﺑﻣﺳﺗﻘﺑل ﻻ ﯾﺷبه ﻣﺎ ﻧﺣن ﻓيه اﻟﯾوم».


عودة الى الصفحة الرئيسية