إختر من الأقسام
آخر الأخبار
فلسطينيو المخيّمات يتضامنون مع بيروت: واجب إنساني ووطني... الجرح واحد
فلسطينيو المخيّمات يتضامنون مع بيروت: واجب إنساني ووطني... الجرح واحد
المصدر : محمد دهشة - نداء الوطن
تاريخ النشر : الجمعة ٢٩ آب ٢٠٢٤

بين الحياة والموت، ترقد الفلسطينية نسرين أبو سويد في غرفة العناية الفائقة في مستشفى حمّود الجامعي في صيدا، وتُعاني نزيفاً حادّاً جرّاء جروح خطرة في الرأس، أصيبت بها بالإنفجار الكارثي في بيروت، مع ابنتها، في اثناء تواجدهما صدفة بالقرب من المرفأ. ونسرين، المعلّمة في احدى مدارس وكالة "الأونروا"، واحدة من آلاف الجرحى الذين سقطوا من شظايا الإنفجار التي لم تُفرّق بين لبناني وفلسطيني، بل وحّدتهما بالدماء والعزيمة لمواجهة آثار الفاجعة، فهبّ أبناء المخيّمات لتضميد جراح مدينة بيروت المنكوبة، أعلنوا عن فتح منازلهم لاستضافة المُتضرّرين، تبّرعوا بالدماء، ساهموا بإسعاف الجرحى ونقل المُصابين، ورفع الركام والأنقاض وإخماد الحرائق بالرغم من الإمكانات المتواضعة، وأضاؤوا الشموع حزناً، ورفعوا الصلوات والدعاء لحماية لبنان وشعبه.

الطواقم الطبية

منذ اللحظات الاولى لوقوع الإنفجار، لم يقف الفلسطينيون ، بمختلف انتماءاتهم رسمياً وسياسياً وشعبياً ونقابياً، مكتوفين إزاء الفاجعة، سارعت الطواقم الطبّية والتمريضية والإسعافية وفِرق الدفاع المدني والكشفي والهيئات الشبابية والتطوّعية ومؤسسات المجتمع الأهلي والمدني الى تلبية نداء الواجب، على قاعدة "الجرح واحد" و"فلسطين تتضامن مع لبنان الجريح".

ويقول مدير مستشفى "الهمشري" التابع لـ"جمعية الهلال الاحمر الفلسطيني" الدكتور رياض أبو العينين لـ"نداء الوطن": "إن تحرّكنا السريع كان نابعاً من شعورنا بالمسؤولية والواجب الإنساني والوطني مع لبنان وشعبه الذي قدّم الكثير من التضحيات للقضية الفلسطينية"، مُضيفاً "ما زالت طواقمنا الطبّية والإسعافية متواجدة حتى اليوم في مسرح الحدث، تساهم ببلسمة الجراح، بالتنسيق والتعاون مع القوى الأمنية والإنقاذية، وسنبقى حتى النهاية كعربون وفاء وتقدير للشعب اللبناني"، مُشيراً الى "أننا ساهمنا في نقل جثث الشهداء والجرحى الى مستشفيات العاصمة وخارجها، واستقبلنا في المستشفى خمس حالات واحدة منها بحاجة الى عملية جراحية"، خاتماً "نقول للبنان وشعبه الجرح واحد ومصابكم مصابنا وهذا أقلّ الواجب تجاهكم".

الدفاع المدني

خلال أيام قليلة، أسفرت المؤازرة الفلسطينية مشاركة بمئات عمليات الإنقاذ، ومن بينها عاملة أثيوبية وهي على قيد الحياة، نُقلت إلى مستشفى الراعي في صيدا، وانتشال الشاب عصام عطا حيّاً من تحت الركام، بعد 12 ساعة متواصلة من عمليات البحث، ونُقل بواسطة سيارة تابعة للدفاع المدني الفلسطيني إلى مستشفى "أوتيل ديو"، فسارع الى تقديم التحية للمخيمات الفلسطينية كافة لمؤازرة إخوتهم الشعب اللبناني في الدم والهوية".

ويقول قائد الدفاع المدني في مخيم عين الحلوة تامر الخطيب لـ"نداء الوطن": "لم نقم الا بواجبنا الإنساني والوطني ونعتبره قليلاً إزاء التضحيات الجسام التي قدّمها لبنان لنا، فهو ما زال يحتضننا منذ سبعة عقود ونيّف، ونعتبر أنّنا شعب واحد، ومُصاب واحد، ولا حدود بيننا"، مُضيفاً "إنّ الحدث الجلل يتطلّب تضافر كل الجهود، وسنُكمل المسيرة بالرغم من كل الإمكانات المتواضعة، وهذا الأمر ليس جديداً، إذ سبق وساهمنا في مهمّات كثيرة، ومنها إخماد الحرائق التي اندلعت في الجبل في العام الماضي، وفي معمل "الرينغ" الضخم في البابلية وسواهما".

داخل المخيمات جنوباً وشمالاً وبقاعاً، وفي القلب منها بيروت، يعتصر الألم قلوب أبنائها، يُردّدون بلهجة فلسطينية "مش ناقص" الشعب اللبناني ازاء هذا الكمّ من المآسي، الحرائق والأزمة الإقتصادية والمعيشية والإنتفاضة الشعبية وانهيار العملة اللبنانية والغلاء وجائحة "كورونا" إلّا فاجعة المرفأ، فأعلنوا استعدادهم لاستضافة المُتضرّرين في منازلهم.. وتقاسم "الحلوة والمرّة" معهم، وحتى لقمة الخبز وشربة الماء، بعض الشبان أضاؤوا الشموع حزناً، والبعض الآخر تبرّع بالدماء للجرحى، والبعض الثالث انخرط في أعمال الإنقاذ وإزالة الركام، وفي تنظيف الشوارع ومُساعدة الأهالي على العودة الى منازلهم. ويؤكّد أمين سرّ "اللجان الشعبية الفلسطينية" في لبنان أبو أياد شعلان لـ"نداء الوطن" أنّ حالة التضامن الفلسطينية ليست غريبة على شعب مِعطاء يُقدّر معنى التضحيات، مُشيراً الى "أنّ مكبّرات الصوت لم تهدأ في المخيمات وهي تدعو أبناءها الى التبرّع بالدماء منذ وقوع الإنفجار، فيما الإستجابة كانت كبيرة ومُشرّفة وتعكس مدى الشعور بالوجع والألم، وفلسطين لن تنسى تضحيات لبنان".

على مواقع التواصل الإجتماعي، تناقل ناشطون بفخر صوراً كثيرة للفرق الفلسطينية وهي تقوم بإزالة الركام حيناً، تأخذ غفوة بين الركام قرب مبنى مُتصدّع، أو قسطاً من الراحة في أحد الشوارع وسط الحرّ، ويعلّقون "لم يبال هؤلاء بكلّ المواقف العنصرية ضدّهم، ففي وقت الشدائد، الشعب الفلسطيني الى جانب شقيقه اللبناني"، ويقول الناشط الفلسطيني حسام الميعاري لـ"نداء الوطن": "إنّ انفجار بيروت هزّ الغريب قبل القريب، فكيف بالشعب الفلسطيني الذي يعتبر الشعب اللبناني أخاً وتربطنا به علاقة دم واحد ومُصاهرات كثيرة"؟، مُضيفاً "الجرح واحد والألم والموت واحد ونعتبر أنّ هذا الإنفجار حصل في فلسطين قبل لبنان، ونحن الفلسطينيين نعرف أكثر من غيرنا معنى الموت والجرح والظلم والقهر، لذلك كان تضامننا بحجم حبّنا للبنان، وسنبقى بجانب شعبنا اللبناني حتّى آخر قطرة دم فلسطينية".

حداد واتّصالات

والتضامن الفلسطيني لم يقتصر على المخيّمات، فقد أعلن الرئيس الفلسطيني محمود عباس الحداد وتنكيس الأعلام، واتّصل بالرئيسين ميشال عون ونبيه بري مُعزّياً، ووجّه السفير أشرف دبّور لوضع الإمكانات الفلسطينية تحت تصرّف الأشقّاء في لبنان، وهاتف رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" إسماعيل هنية الرؤساء عون وبري وحسّان دياب، وأعلنت القوى السياسية الوطنية والإسلامية كافة أنّ ما أصاب لبنان أصابهم في الصميم.


عودة الى الصفحة الرئيسية