وقاحة المصارف بلا حدود: 11 مصرفاً تطالب الدولة بتسديد مستحقات مترتبة لمصرف لبنان بقيمة 70 مليار دولار
لا حدود لوقاحة أصحاب المصارف. فبعدما جمعوا أرباحاً طائلة على مدى العقود الماضية، من استثمار أموال المودعين لدى مصرف لبنان بفوائد باهظة، ها هم يلقون اللوم على الدولة لأنها لم تغطِّ خسائر مصرف لبنان. يتنصّلون من كون توظيفاتهم لدى المصرف المركزي هي استثمارات تنطوي على مخاطر يتحمّلها المصرف، ويسمّونها «ودائع»
قرّر مالكو 11 مصرفاً، التقدّم بمذكرة ربط نزاع مع الدولة اللبنانية لإلزامها بتسديد المستحقات المترتبة لمصرف لبنان بقيمة 67.9 مليار دولار، لأن هذا الأخير مدين لهذه المصارف. هذه المذكرة موقّعة من 11 مصرفاً هي: البنك اللبناني السويسري، البنك اللبناني الفرنسي، بنك الاعتماد اللبناني، بنك البحر المتوسط، بنك بيبلوس، بنك بيروت، بنك بيروت والبلاد العربية، بنك عوده، بنك لبنان والمهجر، فرنسبنك وبنك سوسيتيه جنرال في لبنان. أي أنها تشمل المصارف التي لديها مقاعد في مجلس إدارة جمعية المصارف.وتزعم هذه المصارف بأنها ذات صفة في هذا الادعاء، لأنها «مصارف عاملة في لبنان وهي تملك نسبة عالية جداً قد تفوق الـ 70% من مجموع ودائع المصارف لدى مصرف لبنان»، وكل واحد منها «دائن للمصرف المركزي بودائع ثابتة، كما يعترف المصرف المركزي في جميع الأحوال من خلال ميزانيته التي ينشرها كل 15 شهراً». وتتهم المصارف مصرف لبنان بأنه امتنع عن إعادة الودائع بالعملات الأجنبية إلى المصارف لكي تردّها بدورها إلى المودعين»، وأنه «اتضح أن الدولة اللبنانية كانت، وخاصة على مدى 11 عاماً بين 2010 و2021، قد استدانت من ودائع المودعين التي أودعتها المصارف اللبنانية لدى مصرف لبنان وأنفقتها، وبالتالي اتضح أن سبب امتناع مصرف لبنان عن إعادة ودائع المصارف بالعملات الأجنبية هو فعل الدولة اللبنانية». كذلك، تقول إن الدولة لم تسدّد ديناً بقيمة 16 مليار دولار، ولم تغطّ خسائر مصرف لبنان بقيمة 51.3 مليار دولار والتي احتسبها تقرير «ألفاريز أند مارسال»، فضلاً عن عجز إضافي مترتّب عن عامَي 2021 و2022.
لا تذكر المصارف بكم هي دائنة للمودعين، لكنها تربط بين توظيفاتها لدى مصرف لبنان والمبالغ التي أقرضها مصرف لبنان للدولة. وهي تستند إلى ما جاء في تقريرَي «الفاريز أند مارسال» و«أوليفر وايمان» بعد التدقيق في ميزانية مصرف لبنان منذ 2010، ثم تتذرّع بنصّ المادة 276 من قانون الموجبات والعقود التي تشير إلى حقّ الدائنين في استعمال «جميع الحقوق وأن يقيموا جميع الدعاوى المختصة...»، لمطالبة الدولة اللبنانية بتسديد دينها تجاه مصرف لبنان، والبالغ 67.9 مليار دولار.
بهذه الخطوة، تحاول المصارف الإيحاء بأنها لا تتحمّل وزر الأعمال القذرة التي ارتكبتها على مدى عقود. وهي تقدّمت بمذكرة «ربط نزاع» من أجل وقف مفاعيل أي إجراءات أو قوانين قد يكون فيها ما يشير إلى أن رؤساء وأعضاء مجلس الإدارة يتحمّلون بأموالهم الشخصية تبعات ارتكاباتهم. فالإشارات التي وردت على لسان ممثلي صندوق النقد الدولي، ومن التقارير التي تتذرّع بها المصارف الآن، أي «الفاريز أند مارسال» و«أوليفر وايمان»، الكثير مما يجعل المصارف في موقع الشبهة والاتهام. فقد بات معروفاً أن المصارف كانت تحصل في مقابل قيام مصرف لبنان بإقراض الدولة، على توظيفات بفوائد أعلى تحقّق لها الكثير من الأرباح. وهذه التوظيفات، ليست ودائع. لنأخذ مثلاً نهاية عام 2022 (أي قبل تعديل سعر الصرف من 1507.5 ليرات مقابل الدولار، إلى 15 ألف ليرة)؛ يومها، وبحسب نشرة جمعية المصارف، فإن المصاف لديها محفظة اكتتابات في شهادات إيداع صادرة عن مصرف لبنان بالليرة اللبنانية بقيمة 43147 مليار ليرة، أي ما يعادل في حينه 28.6 مليار دولار. أيضاً لديها محفظة اكتتابات في شهادات إيداع صادرة عن مصرف لبنان بالدولار بقيمة 18.7 مليار دولار. أي أن المصارف استثمرت أموالاً لدى مصرف لبنان بقيمة إجمالية تبلغ 47.3 مليار دولار. والاستثمار يعني أنها تتحمّل مخاطر هذا الاستثمار ومكاسبه أيضاً. ففي ذلك الوقت، كانت هوامش الفائدة، أي الأرباح التي تجنيها المصارف من الفرق بين فائدة توظيفاتها والفائدة التي تدفعها لزبائنها، يبلغ 2.3% على الدولار و4.38% على الليرة. هذه المكاسب حققتها المصارف على مدى عقود من مصرف لبنان.
وبالتالي فهي عندما تتّهم مصرف لبنان بأنه بدّد الودائع مع الدولة، فمن الأجدر القول إنها المتّهم الأول الذي انتقل إلى جيوب مساهميه قسم من الأموال التي وظّفها لدى مصرف لبنان.
وفي الواقع، تأتي هذه الخطوة لأن المصارف لم يعد لديها ما تخسره، ومن مصلحتها المماطلة بالوقت إلى أبعد حدود. ففي ظل معالجات جذرية على ضفّة «توزيع الخسائر» ستبقى المصارف «زومبي» يعيش على اجتثاث الأحياء، أي أنه يعيش فقط لأن قوى السلطة ترفض الإقرار بالخسائر والتعامل معها. وبقاء المصارف على شكل «زومبي» يتيح لها فرصة ممارسة ضغوط مثل الذي تمارسه بمذكرة ربط النزاع هذه. فهي لم تقاضِ أحداً بعد رغم مرور ما يزيد عن أربع سنوات على انفجار الأزمة. يوم توقف مصرف لبنان عن الدفع، لم تقل كلمة واحدة، بل تواطأت معه على إقفال المصارف لمدة 12 يوم عمل متتالية ما فجّر التهافت على طلب الودائع. وفي ذلك الوقت لم تعترض المصارف، بل مارست نوعاً من الكابيتال كونترول لتسديد بعض من الودائع إلى أن أوقفت الأمر نهائياً في مرحلة لاحقة، ولم تعاود التسديد إلا بعد صدور التعميم 158.
«تمرّد الغول» الذي تقوم به المصارف الآن، ناتج من ضعف حاكمية مصرف لبنان، وربما من رغبتها في أن تمدّد فترة بقاء المصارف «زومبي». فبحسب المعلومات، إن الحاكم بالإنابة وسيم منصوري لديه ما يكفي من الأسباب والبراهين والأدلة والتقارير بشأن تقيّد المصارف بتطبيق التعاميم ونسب السيولة والملاءة، للقيام بواجباته وإحالة المصارف المخالفة إلى الهيئة المصرفية العليا. لكنه يرفض القيام بذلك، لأنه يعتقد أن الأمر لا يعنيه طالما أن القوى السياسية لا تريد معالجة الأمر. السلطة السياسية لديها المسعى نفسه، فهي تمتنع عن تنفيذ خطّة واضحة للتعامل مع خسائر المصارف ومع خسائر مصرف لبنان أيضاً، وهي ترفض اتخاذ أي جراء أو قانون ينظّم مسألة «الخسائر» ويحمّل المسؤوليات بعدالة. بل قرّرت في السنوات الماضية أن تمنح هذا الحق للمقامر رياض سلامة الذي حوّل الخسائر إلى تضخّم في الأسعار بلغ 4966% بين نهاية 2019 ونهاية تشرين الأول 2023. غادر رياض سلامة بلا محاسبة، وها هم أصحاب المصارف بعدما هرّبوا الأرباح التي جمعوها من أموال المودعين، وتلك الأرباح التي حققوها من عمليات «صيرفة» يحاولون النفاد عبر إلقاء اللوم على مصرف لبنان والدولة.
قرّر مالكو 11 مصرفاً، التقدّم بمذكرة ربط نزاع مع الدولة اللبنانية لإلزامها بتسديد المستحقات المترتبة لمصرف لبنان بقيمة 67.9 مليار دولار، لأن هذا الأخير مدين لهذه المصارف. هذه المذكرة موقّعة من 11 مصرفاً هي: البنك اللبناني السويسري، البنك اللبناني الفرنسي، بنك الاعتماد اللبناني، بنك البحر المتوسط، بنك بيبلوس، بنك بيروت، بنك بيروت والبلاد العربية، بنك عوده، بنك لبنان والمهجر، فرنسبنك وبنك سوسيتيه جنرال في لبنان. أي أنها تشمل المصارف التي لديها مقاعد في مجلس إدارة جمعية المصارف.وتزعم هذه المصارف بأنها ذات صفة في هذا الادعاء، لأنها «مصارف عاملة في لبنان وهي تملك نسبة عالية جداً قد تفوق الـ 70% من مجموع ودائع المصارف لدى مصرف لبنان»، وكل واحد منها «دائن للمصرف المركزي بودائع ثابتة، كما يعترف المصرف المركزي في جميع الأحوال من خلال ميزانيته التي ينشرها كل 15 شهراً». وتتهم المصارف مصرف لبنان بأنه امتنع عن إعادة الودائع بالعملات الأجنبية إلى المصارف لكي تردّها بدورها إلى المودعين»، وأنه «اتضح أن الدولة اللبنانية كانت، وخاصة على مدى 11 عاماً بين 2010 و2021، قد استدانت من ودائع المودعين التي أودعتها المصارف اللبنانية لدى مصرف لبنان وأنفقتها، وبالتالي اتضح أن سبب امتناع مصرف لبنان عن إعادة ودائع المصارف بالعملات الأجنبية هو فعل الدولة اللبنانية». كذلك، تقول إن الدولة لم تسدّد ديناً بقيمة 16 مليار دولار، ولم تغطّ خسائر مصرف لبنان بقيمة 51.3 مليار دولار والتي احتسبها تقرير «ألفاريز أند مارسال»، فضلاً عن عجز إضافي مترتّب عن عامَي 2021 و2022.
لا تذكر المصارف بكم هي دائنة للمودعين، لكنها تربط بين توظيفاتها لدى مصرف لبنان والمبالغ التي أقرضها مصرف لبنان للدولة. وهي تستند إلى ما جاء في تقريرَي «الفاريز أند مارسال» و«أوليفر وايمان» بعد التدقيق في ميزانية مصرف لبنان منذ 2010، ثم تتذرّع بنصّ المادة 276 من قانون الموجبات والعقود التي تشير إلى حقّ الدائنين في استعمال «جميع الحقوق وأن يقيموا جميع الدعاوى المختصة...»، لمطالبة الدولة اللبنانية بتسديد دينها تجاه مصرف لبنان، والبالغ 67.9 مليار دولار.
بهذه الخطوة، تحاول المصارف الإيحاء بأنها لا تتحمّل وزر الأعمال القذرة التي ارتكبتها على مدى عقود. وهي تقدّمت بمذكرة «ربط نزاع» من أجل وقف مفاعيل أي إجراءات أو قوانين قد يكون فيها ما يشير إلى أن رؤساء وأعضاء مجلس الإدارة يتحمّلون بأموالهم الشخصية تبعات ارتكاباتهم. فالإشارات التي وردت على لسان ممثلي صندوق النقد الدولي، ومن التقارير التي تتذرّع بها المصارف الآن، أي «الفاريز أند مارسال» و«أوليفر وايمان»، الكثير مما يجعل المصارف في موقع الشبهة والاتهام. فقد بات معروفاً أن المصارف كانت تحصل في مقابل قيام مصرف لبنان بإقراض الدولة، على توظيفات بفوائد أعلى تحقّق لها الكثير من الأرباح. وهذه التوظيفات، ليست ودائع. لنأخذ مثلاً نهاية عام 2022 (أي قبل تعديل سعر الصرف من 1507.5 ليرات مقابل الدولار، إلى 15 ألف ليرة)؛ يومها، وبحسب نشرة جمعية المصارف، فإن المصاف لديها محفظة اكتتابات في شهادات إيداع صادرة عن مصرف لبنان بالليرة اللبنانية بقيمة 43147 مليار ليرة، أي ما يعادل في حينه 28.6 مليار دولار. أيضاً لديها محفظة اكتتابات في شهادات إيداع صادرة عن مصرف لبنان بالدولار بقيمة 18.7 مليار دولار. أي أن المصارف استثمرت أموالاً لدى مصرف لبنان بقيمة إجمالية تبلغ 47.3 مليار دولار. والاستثمار يعني أنها تتحمّل مخاطر هذا الاستثمار ومكاسبه أيضاً. ففي ذلك الوقت، كانت هوامش الفائدة، أي الأرباح التي تجنيها المصارف من الفرق بين فائدة توظيفاتها والفائدة التي تدفعها لزبائنها، يبلغ 2.3% على الدولار و4.38% على الليرة. هذه المكاسب حققتها المصارف على مدى عقود من مصرف لبنان.
وبالتالي فهي عندما تتّهم مصرف لبنان بأنه بدّد الودائع مع الدولة، فمن الأجدر القول إنها المتّهم الأول الذي انتقل إلى جيوب مساهميه قسم من الأموال التي وظّفها لدى مصرف لبنان.
وفي الواقع، تأتي هذه الخطوة لأن المصارف لم يعد لديها ما تخسره، ومن مصلحتها المماطلة بالوقت إلى أبعد حدود. ففي ظل معالجات جذرية على ضفّة «توزيع الخسائر» ستبقى المصارف «زومبي» يعيش على اجتثاث الأحياء، أي أنه يعيش فقط لأن قوى السلطة ترفض الإقرار بالخسائر والتعامل معها. وبقاء المصارف على شكل «زومبي» يتيح لها فرصة ممارسة ضغوط مثل الذي تمارسه بمذكرة ربط النزاع هذه. فهي لم تقاضِ أحداً بعد رغم مرور ما يزيد عن أربع سنوات على انفجار الأزمة. يوم توقف مصرف لبنان عن الدفع، لم تقل كلمة واحدة، بل تواطأت معه على إقفال المصارف لمدة 12 يوم عمل متتالية ما فجّر التهافت على طلب الودائع. وفي ذلك الوقت لم تعترض المصارف، بل مارست نوعاً من الكابيتال كونترول لتسديد بعض من الودائع إلى أن أوقفت الأمر نهائياً في مرحلة لاحقة، ولم تعاود التسديد إلا بعد صدور التعميم 158.
«تمرّد الغول» الذي تقوم به المصارف الآن، ناتج من ضعف حاكمية مصرف لبنان، وربما من رغبتها في أن تمدّد فترة بقاء المصارف «زومبي». فبحسب المعلومات، إن الحاكم بالإنابة وسيم منصوري لديه ما يكفي من الأسباب والبراهين والأدلة والتقارير بشأن تقيّد المصارف بتطبيق التعاميم ونسب السيولة والملاءة، للقيام بواجباته وإحالة المصارف المخالفة إلى الهيئة المصرفية العليا. لكنه يرفض القيام بذلك، لأنه يعتقد أن الأمر لا يعنيه طالما أن القوى السياسية لا تريد معالجة الأمر. السلطة السياسية لديها المسعى نفسه، فهي تمتنع عن تنفيذ خطّة واضحة للتعامل مع خسائر المصارف ومع خسائر مصرف لبنان أيضاً، وهي ترفض اتخاذ أي جراء أو قانون ينظّم مسألة «الخسائر» ويحمّل المسؤوليات بعدالة. بل قرّرت في السنوات الماضية أن تمنح هذا الحق للمقامر رياض سلامة الذي حوّل الخسائر إلى تضخّم في الأسعار بلغ 4966% بين نهاية 2019 ونهاية تشرين الأول 2023. غادر رياض سلامة بلا محاسبة، وها هم أصحاب المصارف بعدما هرّبوا الأرباح التي جمعوها من أموال المودعين، وتلك الأرباح التي حققوها من عمليات «صيرفة» يحاولون النفاد عبر إلقاء اللوم على مصرف لبنان والدولة.