غوتيريش يحرج «المجتمع الدولي»: الخناق الديبلوماسي يضيق على واشنطن
مع إصرار حكومة بنيامين نتنياهو على مواصلة الحرب على غزة، ورفْضها، بالاشتراك والتكافل مع إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، أيّ دعوات لوقف إطلاق النار في القطاع، تجدّد «الاشتباك الكلامي» بين المسؤولين الإسرائيليين، والأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، على خلفية إعلان الأخير، وللمرّة الأولى منذ تسلّمه منصبه في عام 2017، تفعيل المادة 99 من ميثاق الأمم المتحدة، والبناء على مسوّغات المادة في معرض تشديد على ضرورة وقف إطلاق النار في غزة. وتفعيل المادة المذكورة، التي تخوّل المسؤول الأممي الأعلى رتبة، وفق نص الميثاق، مخاطبة مجلس الأمن الدولي، بقصد «لفت انتباهه إلى أيّ مسألة يرى أنها قد تهدّد السلم والأمن الدوليَّين»، هو تدبير نادراً ما يلجأ إليه الأمناء العامّون للأمم المتحدة في العادة؛ ذلك أن آخر تدبير مشابه يعود إلى كانون الأول من عام 1971، حين وجّه الأمين العام الأسبق، يو ثانت، رسالةً إلى مجلس الأمن، تقضي باعتبار العمليات العسكرية بين الحكومة الباكستانية، والانفصاليين البنغال، آنذاك، «تهديداً للأمن والسلم الدوليَّين».ومنطلقاً من «حجم الخسائر في الأرواح في غزة في غضون فترة وجيزة»، ومستعرضاً الواقع الإنساني الصعب للفلسطينيين بسبب نقص الإمدادات الإنسانية والوقود، فضلاً عن انقطاع خدمات الاتصال وتردّيها في عدد من مناطق القطاع، استنكر غوتيريش، في رسالته إلى رئيس مجلس الأمن الدولي، ما وصفه بـ»الأعمال العدائية في غزة، وما ترتّب عليها من دمار عمراني، ومعاناة إنسانية مروّعة بسبب القصف الإسرائيلي المستمرّ». وأشار غوتيريش، في رسالة إلى أعضاء المجلس الـ 15، إلى «مخاطر تلك الحرب على العالم، في ظلّ الانهيار الوشيك للنظام العام هناك، وعدم توفّر الملاجئ (للنازحين)، والاحتياجات الأساسية الأخرى»، منبّهاً إلى أنّ «الظروف اللازمة للقيام بعمليات إنسانية ذات مغزى غير متوفّرة بفعل ظروف القتال»، في إشارة إلى إجراءات الحصار الإسرائيلي. وزاد أن الانهيار الكامل للنظام الصحي والإغاثي في غزة، ستكون له «عواقب لا يمكن تجنّبها على الفلسطينيين وعلى السلام والأمن في المنطقة ككلّ»، مضيفاً أنّ «المجتمع الدولي معنيّ بالاضطلاع بمسؤوليته، وباستخدام كامل سلطته لمنع المزيد من التصعيد وإنهاء هذه الأزمة». وعلى رغم إدانته ما نسبه إلى حركة «حماس» من «أعمال إرهابية بغيضة» في أحداث السابع من تشرين الأول، ودعوته إياها إلى إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين المحتجزين لديها، لمّح غوتيريش، في بيان نشر على موقع الأمم المتحدة، إلى أن تدهور الأوضاع في غزة يرجع إلى «العملية العسكرية الإسرائيلية المتواصلة هناك»، مندّداً بمقتل أكثر من 16 ألف مدني فلسطيني، وتهجير حوالي 80% من سكان غزة، وداعياً إلى «تفادي إلحاق الأذى بالمزيد من المدنيين».
ردّ الفعل الإسرائيلي يستبق قراراً عربياً في مجلس الأمن
لم يتأخّر ردّ المسؤولين الإسرائيليين على ما جاء على لسان المسؤول الأممي، حيث اعتبر وزير الخارجية الإسرائيلي، إيلي كوهين، أن «فترة ولاية غوتيريش تشكّل خطراً على السلم العالمي»، واضعاً مطالب الأمين العام للأمم المتحدة بتفعيل المادة 99 من ميثاق المنظمة، والدعوة إلى وقف إطلاق النار في غزة، في إطار «إظهار الدعم لمنظمة حماس الإرهابية». وبدوره، سارع مندوب كيان الاحتلال الدائم لدى الأمم المتحدة، جلعاد إردان، إلى اتهام غوتيريش بـ»الانحراف الأخلاقي»، و»التحيّز ضدّ إسرائيل»، داعياً إيّاه إلى «الاستقالة فوراً». ورأى إردان أن الأمم المتحدة بحاجة إلى «أمين عام يدعم الحرب على الإرهاب، وليس أميناً عاماً يتصرّف وفقاً للنصّ الذي كتبته حماس»، معتبراً أن غوتيريش «ارتضى لنفسه الاستمرار في أن يكون دمية في أيدي الحركة».
تلك المواقف الإسرائيلية، وظاهرها الغضب من مواقف غوتيريش، وجوهرها الانزعاج من تزايد الضغوط الدولية لوقف الحرب في غزة، تتزامن مع قرب موعد عرض مشروع قرار أممي جديد لوقف إطلاق النار في القطاع، وهو مشروع تعتزم الإمارات طرحه خلال الساعات المقبلة على التصويت في مجلس الأمن الدولي، باسم المجموعة العربية، وذلك على وقْع تصاعُد المطالبات من جانب «الجامعة العربية» بفتح المزيد من المعابر الحدودية مع قطاع غزة، بغرض تسريع وصول المساعدات الإنسانية، على أن تتولّى الأمم المتحدة سلطة التفتيش على تلك المعابر، بدلاً من الجانب الإسرائيلي، كما هو سائد حالياً. كما أنها تأتي عقب سلسلة من المباحثات الديبلوماسية، والجولات الخارجية التي أجرتها مجموعة الاتصال، المنبثقة عن «قمّتَي جدة» في تشرين الثاني الماضي، والمؤلفة من وزراء خارجية عدد من البلدان العربية والإسلامية، في عواصم الدول الخمس الدائمة العضوية في المجلس، محورها معالجة التطوّرات في غزة. وبعد مناشدات وجّهها أعضاء المجموعة، خلال لقائهم مع المدعي العام لـ»المحكمة الجنائية الدولية»، كريم خان، يوم الثلاثاء الماضي، لزيارة القطاع في أقرب وقت، بغية وقوف المحكمة على الأوضاع في الأراضي الفلسطينية المحتلّة، ودعوته إلى إجراء «تحقيق عاجل» في الانتهاكات الإسرائيلية هناك، بدا لافتاً أن يصرّح خان بعد الاجتماع، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بأنّ «عرقلة الإمدادات الإغاثية للمدنيين قد ترقى إلى جريمة حرب بموجب نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية».
وكمؤشّر إلى ما عدّه مراقبون غربيون، «استعراضاً تضامنيّاً» يُظهر حالة من الإجماع لدى البلدان العربية والإسلامية تجاه الوضع في غزة، وضرورة وضع حدّ للتصعيد الإسرائيلي هناك، وصل أعضاء مجموعة الاتصال العربية الإسلامية إلى العاصمة الأميركية أمس. وبحسب مصادر غربية، فإن المجموعة ستبحث مع المسؤولين الأميركيين سبل دفع الولايات المتحدة إلى وقف فوريّ لإطلاق النار في غزة، وحثّها على وقف دعمها للسلوكيات الإسرائيلية، ضمن مسار ينسجم مع مضمون ما جاء في رسالة غوتيريش الأخيرة إلى مجلس الأمن، وأبرز البنود الواردة في مشروع القرار الإماراتي، سواء لناحية التشديد على ضرورة «الوقف الفوري لإطلاق النار لأسباب إنسانية»، أو لجهة «الإعراب عن القلق البالغ إزاء الوضع الكارثي في قطاع غزة ومعاناة السكان المدنيين الفلسطينيين». وتأتي الزيارة بعد يوم واحد من مؤتمر صحافي عقده المندوب الفلسطيني لدى الأمم المتحدة، رياض منصور، بحضور جميع ممثّلي الدول العربية في المنظمة الدولية، جدّد فيه التشديد على الحاجة إلى وقف إطلاق النار في القطاع، ملمّحاً إلى بدء تبلور «تقاطعات» في هذا الصدد.
واشنطن محرجة «أممياً» وأوروبياً
ومع شروع الإمارات في توزيع مشروع قرار وقف إطلاق النار في غزة على أعضاء مجلس الأمن الدولي، أعرب نائب المندوبة الأميركية لدى الهيئة الأممية، روبرت وود، عن معارضة بلاده طرْح القضية على المجلس في هذه المرحلة، معتبراً أن هذا الأمر «لن يكون مفيداً»، وسوف يشكّل «عقبة في طريق الجهود الديبلوماسية المهمّة الدائرة» حالياً، على حد تعبيره. وفي السياق، رأت صحيفة «ذا غارديان» أنّ «إدارة بايدن أمامها مواجهة في مجلس الأمن، ذلك أنها قد تشعر، في خضمّ هذه المواجهة، بأنها مضطرّة إلى استخدام حق النقض (الفيتو) لحماية إسرائيل، برفض الدعوات إلى وقف إطلاق النار الإنساني الفوري في غزة». وأوضحت الصحيفة أنّ «الثمن الديبلوماسي الذي يتعيّن على الولايات المتحدة أن تدفعه مقابل استخدام حق النقض ضدّ دعوة وقف إطلاق النار، باهظ». وحذّرت الصحيفة البريطانية من أنّ رفض الولايات المتحدة الدعوات إلى وقف دائم لإطلاق النار في القطاع الفلسطيني المحاصر، قد يضعها على خلاف مع منسّق الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، الذي بادر، أسوة بمسؤولين أمميين، من بينهم المدير العام لـ»منظمة الصحة العالمية»، تيدروس غيبرييسوس، ومديرة برنامج الغذاء العالمي»، سيندي ماكين، إلى تأييد دعوة غوتيريش. وبحسب الصحيفة، فإن مشروع القرار الإماراتي حول غزة، والذي يحظى بتأييد البلدان العربية والإسلامية، سوف يفرض ضغوطاً ديبلوماسية على الولايات المتحدة لبذل المزيد من الجهود لِلَجم تصرّفات حكومة نتنياهو.
ردّ الفعل الإسرائيلي يستبق قراراً عربياً في مجلس الأمن
لم يتأخّر ردّ المسؤولين الإسرائيليين على ما جاء على لسان المسؤول الأممي، حيث اعتبر وزير الخارجية الإسرائيلي، إيلي كوهين، أن «فترة ولاية غوتيريش تشكّل خطراً على السلم العالمي»، واضعاً مطالب الأمين العام للأمم المتحدة بتفعيل المادة 99 من ميثاق المنظمة، والدعوة إلى وقف إطلاق النار في غزة، في إطار «إظهار الدعم لمنظمة حماس الإرهابية». وبدوره، سارع مندوب كيان الاحتلال الدائم لدى الأمم المتحدة، جلعاد إردان، إلى اتهام غوتيريش بـ»الانحراف الأخلاقي»، و»التحيّز ضدّ إسرائيل»، داعياً إيّاه إلى «الاستقالة فوراً». ورأى إردان أن الأمم المتحدة بحاجة إلى «أمين عام يدعم الحرب على الإرهاب، وليس أميناً عاماً يتصرّف وفقاً للنصّ الذي كتبته حماس»، معتبراً أن غوتيريش «ارتضى لنفسه الاستمرار في أن يكون دمية في أيدي الحركة».
تلك المواقف الإسرائيلية، وظاهرها الغضب من مواقف غوتيريش، وجوهرها الانزعاج من تزايد الضغوط الدولية لوقف الحرب في غزة، تتزامن مع قرب موعد عرض مشروع قرار أممي جديد لوقف إطلاق النار في القطاع، وهو مشروع تعتزم الإمارات طرحه خلال الساعات المقبلة على التصويت في مجلس الأمن الدولي، باسم المجموعة العربية، وذلك على وقْع تصاعُد المطالبات من جانب «الجامعة العربية» بفتح المزيد من المعابر الحدودية مع قطاع غزة، بغرض تسريع وصول المساعدات الإنسانية، على أن تتولّى الأمم المتحدة سلطة التفتيش على تلك المعابر، بدلاً من الجانب الإسرائيلي، كما هو سائد حالياً. كما أنها تأتي عقب سلسلة من المباحثات الديبلوماسية، والجولات الخارجية التي أجرتها مجموعة الاتصال، المنبثقة عن «قمّتَي جدة» في تشرين الثاني الماضي، والمؤلفة من وزراء خارجية عدد من البلدان العربية والإسلامية، في عواصم الدول الخمس الدائمة العضوية في المجلس، محورها معالجة التطوّرات في غزة. وبعد مناشدات وجّهها أعضاء المجموعة، خلال لقائهم مع المدعي العام لـ»المحكمة الجنائية الدولية»، كريم خان، يوم الثلاثاء الماضي، لزيارة القطاع في أقرب وقت، بغية وقوف المحكمة على الأوضاع في الأراضي الفلسطينية المحتلّة، ودعوته إلى إجراء «تحقيق عاجل» في الانتهاكات الإسرائيلية هناك، بدا لافتاً أن يصرّح خان بعد الاجتماع، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بأنّ «عرقلة الإمدادات الإغاثية للمدنيين قد ترقى إلى جريمة حرب بموجب نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية».
وكمؤشّر إلى ما عدّه مراقبون غربيون، «استعراضاً تضامنيّاً» يُظهر حالة من الإجماع لدى البلدان العربية والإسلامية تجاه الوضع في غزة، وضرورة وضع حدّ للتصعيد الإسرائيلي هناك، وصل أعضاء مجموعة الاتصال العربية الإسلامية إلى العاصمة الأميركية أمس. وبحسب مصادر غربية، فإن المجموعة ستبحث مع المسؤولين الأميركيين سبل دفع الولايات المتحدة إلى وقف فوريّ لإطلاق النار في غزة، وحثّها على وقف دعمها للسلوكيات الإسرائيلية، ضمن مسار ينسجم مع مضمون ما جاء في رسالة غوتيريش الأخيرة إلى مجلس الأمن، وأبرز البنود الواردة في مشروع القرار الإماراتي، سواء لناحية التشديد على ضرورة «الوقف الفوري لإطلاق النار لأسباب إنسانية»، أو لجهة «الإعراب عن القلق البالغ إزاء الوضع الكارثي في قطاع غزة ومعاناة السكان المدنيين الفلسطينيين». وتأتي الزيارة بعد يوم واحد من مؤتمر صحافي عقده المندوب الفلسطيني لدى الأمم المتحدة، رياض منصور، بحضور جميع ممثّلي الدول العربية في المنظمة الدولية، جدّد فيه التشديد على الحاجة إلى وقف إطلاق النار في القطاع، ملمّحاً إلى بدء تبلور «تقاطعات» في هذا الصدد.
واشنطن محرجة «أممياً» وأوروبياً
ومع شروع الإمارات في توزيع مشروع قرار وقف إطلاق النار في غزة على أعضاء مجلس الأمن الدولي، أعرب نائب المندوبة الأميركية لدى الهيئة الأممية، روبرت وود، عن معارضة بلاده طرْح القضية على المجلس في هذه المرحلة، معتبراً أن هذا الأمر «لن يكون مفيداً»، وسوف يشكّل «عقبة في طريق الجهود الديبلوماسية المهمّة الدائرة» حالياً، على حد تعبيره. وفي السياق، رأت صحيفة «ذا غارديان» أنّ «إدارة بايدن أمامها مواجهة في مجلس الأمن، ذلك أنها قد تشعر، في خضمّ هذه المواجهة، بأنها مضطرّة إلى استخدام حق النقض (الفيتو) لحماية إسرائيل، برفض الدعوات إلى وقف إطلاق النار الإنساني الفوري في غزة». وأوضحت الصحيفة أنّ «الثمن الديبلوماسي الذي يتعيّن على الولايات المتحدة أن تدفعه مقابل استخدام حق النقض ضدّ دعوة وقف إطلاق النار، باهظ». وحذّرت الصحيفة البريطانية من أنّ رفض الولايات المتحدة الدعوات إلى وقف دائم لإطلاق النار في القطاع الفلسطيني المحاصر، قد يضعها على خلاف مع منسّق الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، الذي بادر، أسوة بمسؤولين أمميين، من بينهم المدير العام لـ»منظمة الصحة العالمية»، تيدروس غيبرييسوس، ومديرة برنامج الغذاء العالمي»، سيندي ماكين، إلى تأييد دعوة غوتيريش. وبحسب الصحيفة، فإن مشروع القرار الإماراتي حول غزة، والذي يحظى بتأييد البلدان العربية والإسلامية، سوف يفرض ضغوطاً ديبلوماسية على الولايات المتحدة لبذل المزيد من الجهود لِلَجم تصرّفات حكومة نتنياهو.