موجة من التفاؤل "تجتاح" لبنان...فهل تتركه إسرائيل يرتاح؟

مع من تحدّثت، سواء مع سياسي أو مع مواطن عادي، تخرج بانطباع بأن البلد يسير بخطوات ثابتة نحو الاستقرار بكل مستوياته السياسية والاقتصادية وحتى الأمنية على رغم خشية كثيرين مما يمكن أن تُقدم عليه إسرائيل من مغامرات متوقعة دائمًا من عدو لم يلتزم بما ورد من نقاط في اتفاق وقف إطلاق النار منذ اليوم الأول لإعلانه حتى تاريخه.
وهذا الانطباع يلاحظه المراقب الحيادي غير المتأثّر بما يحاول البعض ترويجه من "بروباغندا" معروفة الأهداف لـ "ضرورات" محلية بحتة مرتبطة بمصالح آنية. ويمكن أن يُسجّل في هذا المجال أكثر من واقعة قد يُستفاد منها للبناء عليها تأسيسًا للمرحلة المقبلة، والتي قد تشهدها المنطقة ولبنان، وهو المرتبط حكمًا بما يُرسم من مشاريع مستقبلية لا يغيب عنها بطبيعة الحال ما يجري من مفاوضات غير مباشرة بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران، التي أعلنت موافقتها على بدء المرحلة الرابعة من هذه المفاوضات، التي من المرّجح أن تتوصّل إلى تفاهمات معينة قد يكون لها التأثير المباشر على أزمات المنطقة، على رغم أن إسرائيل المستمرّة في انتهاج سياسة الاقتطاع الممنهج تتحفّظ على مسار هذه المفاوضات. وهذا ما انعكس من بعض توتر في العلاقات بين رئيس حكومة العدو
بنيامين نتنياهو والرئيس الأميركي دونالد ترامب.
وما قام به جيش العدو من تصعيد شامل قبل ثلاثة أيام وامتدّ حتى العمق الجنوبي وضعه المراقبون السياسيون في خانة ممارسة تل أبيب سياسة التهويل على مساعي "البيت الأبيض" لتهدئة الجبهة الجنوبية، وذلك استنادًا إلى الاتصالات الجارية على قدم وساق بين بيروت وواشنطن وباريس وبعض الدول العربية المؤثرّة وذات الثقل المعنوي بهدف تجنيب لبنان أي انتكاسة أمنية واسعة في ضوء ما يُبذل من مساعٍ حثيثة لنقل لبنان من ضفة الانهيار إلى ضفة التعافي الاقتصادي بعد سلسلة انتكاسات انعكست سلبًا على الحياة اليومية للبنانيين.
ويُتوقع أن يشهد هذا الصيف حركة سياحية ناشطة سيكون لها ترجمات عملية في استعادة لبنان تدريجيًا ما سبق أن فقده من ثقة داخلية وخارجية.
ويجمع الذين يميلون إلى التفاؤل بالنسبة إلى التحسّن التدريجي للوضع العام في لبنان على أن هذا التطّور لا يمكن أن يحدث بكبسة زرّ، بل يتطلب مثابرة وعملًا مشتركًا يوميًا بين القطاعين العام والخاص بالنسبة إلى تحسين مستوى الخدمات الضرورية لتسهيل الحركة الاقتصادية والحياتية والإنمائية. ويُرجَّح أن تشهد حركة النمو الاقتصادي تحسنًّا تدريجيًا ومتصاعدًا في حال لم تطرأ أي مفاجآت غير متوقعة كإقدام إسرائيل على مغامرة عسكرية مثلًا.
واستنادًا إلى هذا التفاؤل المشوب دائمًا بالحذر الاحتياطي والضروري في مثل هكذا حالات فإنه يمكن القول، على حدّ الانطباعات الأولية، التي كوّنها بعض اللبنانيين المغتربين الذين بكّروا في المجيء إلى لبنان، بأن الوضع هو أفضل نسبيًا مما كان عليه في السابق، وذلك نتيجة ما أحدثه انتخاب العماد
جوزاف عون رئيسًا للجمهورية من صدمة إيجابية لدى معظم اللبنانيين، الذين يراهنون على نجاح العهد الجديد في نقلهم من مرحلة اليأس والإحباط والقنوط إلى مرحلة استعادة الثقة بأن قيامة لبنان لا بدّ آتية على رغم كل الصعوبات والتحديات التي تواجهه.
وفي رأي كثيرين أن مسحة التفاؤل السائدة، والتي تنعكس في شكل خاص من خلال ما يبدو من مظاهر استعادة الحياة الطبيعية، ليست مجرد شعر أو ديوانية من ديوانيات ألف ليلة وليلة، بل هي واقع ملموس، مع الأخذ في الاعتبار ضرورة عدم الانجرار وراء العاطفة الجياشة، وعدم الافراط في مستوى التوقعات غير المستحبة، خصوصًا في وضع لبنان الحالي، على رغم المحاولات الحثيثة التي بُذلت خلال سنوات الفراغ الرئاسي من قِبل حكومة تصريف الأعمال برئاسة الرئيس نجيب ميقاتي، الذي عمل ما لا يُعمل من أجل الحدّ من تراكم الأضرار والسعي الحثيث للتخفيف من مفاعيلها بقدر ما كانت تسمح به الظروف والصلاحيات المحدودة المعطاة بموجب الدستور لحكومة تصريف الأعمال.
ولكن يبقى السؤال الكبير في ظل كل هذه المتغيّرات: هل ستتمكّن واشنطن من لجم إسرائيل لردّ أذائها عن لبنان؟