اخبار لبنان اخبار صيدا اعلانات منوعات عربي ودولي صور وفيديو
آخر الأخبار

بين رحيل أورتاغوس وزيارة عراقجي... لبنان "ساحة" لتبادل الرسائل؟!

صيدا اون لاين

فيما كان لبنان ينتظر زيارة مؤجَّلة لنائبة المبعوث الأميركي إلى المنطقة ​مورغان أورتاغوس​، استكمالاً لزيارتيها "الجدليتين" السابقتين، توالت "التسريبات" عن إقالة من صُنّفت "مسؤولة للملف اللبناني" في إدارة الرئيس دونالد ترامب، ليحطّ مكانها وزير الخارجية ال​إيران​ي ​عباس عراقجي​ في بيروت، في زيارةٍ بدا أنّ التخطيط لها حصل بصورة سريعة، ومن دون كثير من التحضيرات، لكنّها حملت عنوانًا كبيرًا من عبارتين: "صفحة جديدة".


لم تُلغَ زيارة أورتاغوس رسميًا بعد، وثمّة من يقول إنّها لا تزال قائمة، لكنّ التسريبات عن مغادرتها المشهد قريبًا، باتت شبه مؤكّدة، بعد قرار بإقالتها يدرجه البعض في سياق قرارات بحقّ عدد من المقرّبين من إسرائيل في الإدارة الأميركية، وهو ما أثار غضب إسرائيل، التي كان إعلامها أول من سرّب المعلومات، واصفًا إياها بـ"الخبر غير السار" لإسرائيل، وهي التي حصلت على "شكر" المبعوثة الأميركية على حربها ضدّ لبنان، من قلب القصر الرئاسي.


لكن ثمّة من يعطي القرار أبعادًا مختلفة، بعيدًا عن ربطه ب​العلاقات الأميركية الإسرائيلية​ التي يقول البعض إنّها تدهورت في الآونة الأخيرة، خصوصًا بعد "استثناء" الرئيس ترامب لتل أبيب من جولته في المنطقة، إذ يتحدّث البعض عن أسباب "مهنيّة" خلف القرار، نتيجة شكاوى ضدّ المسؤولة الأميركية، فيما لا يتردّد البعض الآخر في الحديث عن طموحات "شخصية" لأورتاغوس، بعيدًا عن الملفّ اللبناني "الجامد" في هذه الفترة.

وفي مقابل "ضبابية" مصير أورتاغوس، وهوية من سيخلفها، وإن تركّزت التسريبات على اسمين حتى الآن، تشكّل سوريا للمفارقة نقطة "التقاطع" بينهما، لفت الانتباه "وضوح" في المقاربة الإيرانية المتغّيرة إزاء لبنان، وقد عكستها زيارة عراقجي، مع ما انطوت عليه من تغيير في اللهجة، وربما الذهنية، ما يطرح سلسلة من علامات الاستفهام، فهل من "صفحة جديدة" إيرانية وأميركية في لبنان، وهل عاد الأخير "ساحة لتبادل الرسائل"؟!.
صحيح أنّ رحيل أورتاغوس وزيارة عراقجي يبدوان، في الشكل والمضمون، محطّتين "منفصلتين" لا نقطة وصل ولا تقاطع بينهما، ما يتطلّب قراءة كلّ منهما على حدة، بمعزل عن الآخر، إلا أنّ العارفين يتحدّثون عن "سياق عام" مشترك، يجدر التوقف عنده، بدءًا من الظروف المتغيّرة في المنطقة ككلّ، ولبنان من ضمنها، وصولاً إلى التطورات المثيرة للانتباه على خطّ العلاقة الأميركية الإسرائيلية، ومرورًا بالمفاوضات المفصليّة الأميركية الإيرانية.

هي باختصار ظروف دقيقة واستثنائية تمرّ بها المنطقة ككلّ، وفق ما يقول العارفون، وبالتالي ينبغي ربط كلّ ما يجري بها، سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة، فقرار "رحيل" أورتاغوس، بمعزل عن دوافعه الحقيقية، لا يمكن مقاربته بشكل "منعزل" عن كلّ ما يجري، علمًا أنّ المبعوثة الأميركية التي أثارت الجدل في زيارتيها السابقتين إلى بيروت، كانت قد "انخرطت" حتى الصميم في السياسة الداخلية اللبنانية، وصولاً إلى الخوض في "سجالات" مع بعض الأفرقاء.

بهذا المعنى، يرى كثيرون أنّ رحيل أورتاغوس له دلالاته في السياسة، تمامًا كما أنّ لتسميتها في المقام الأول دلالاته، وقد فُهِم حينها "تصعيدًا" من جانب إدارة الرئيس دونالد ترامب ضدّ "​حزب الله​"، وضمنًا إيران، وهو ما تجلّى في الزيارة الأولى لأورتاغوس إلى بيروت، حين أعربت عن "امتنانها" لإسرائيل على هزيمة الحزب، الذي لا يجب أن يكون له مكان في الحكومة اللبنانية، وفتحت "البازار" الذي لم يُقفَل بعد حول نزع السلاح.

ومع أنّ أورتاغوس خفّفت اللهجة نسبيًا في زيارتها الأولى، حين تجنّبت التصريح من المقار الرسمية، بعد الإحراج الذي أوقعت فيه رئاسة الجمهورية في زيارتها الأولى، إلا أنّها لم تتخلّ عن الجانب "الجدليّ" من مهمّتها، خلافًا لذلك "الدبلوماسي" الذي كان يمثّله سلفها، آموس هوكشتاين، وهو ما تجلّى في دخولها بسجالات لا طائل منها ولا جدوى مع بعض الأفرقاء، ولا سيما رئيس "الحزب التقدمي الاشتراكي" سابقًا وليد جنبلاط.
لكن، هل يعني ذلك أنّ رحيل أورتاغوس، ولو ارتبط بتنحية مقرّبين آخرين من إسرائيل، في إدارة ترامب، تغييرًا في السياسة الأميركية إزاء لبنان؟ قد تكون الإجابة وفقًا للعارفين، إيجابية وسلبية في آنٍ واحد، فالأكيد أنّ ما كُتِب قد كُتِب، ولا عودة للوراء، أيًا كان من سيخلف الدبلوماسية الأميركية في منصبها، إلا أنّ الثابت أيضًا أنّ الرسالة الأساسية وراء كلّ ذلك، تبقى أنّ الملف اللبناني ليس "أولوية أميركية" اليوم، وهنا بيت القصيد.

ولعلّ هذه الخلاصة بالتحديد، هي التي تسلّل اللاعب الإيراني من خلفها، ليقتنص ما يمكن توصيفه بـ"الوقت الضائع"، لتسجيل بعض النقاط، نقاط يرى البعض أنّه ينشد من خلال تعزيز العلاقة مع لبنان، التي أصيبت ببعض "الفتور" في الآونة الأخيرة، خصوصًا مع انطلاقة "العهد" وتراجع نفوذ "حزب الله"، ولكن أيضًا إيصال الرسائل إلى الغرب، بأنّه يعدّل من تكتيكاته واستراتيجياته، وقد طوى صفحة الماضي، وفتح صفحة أخرى عنوانها الاحترام المتبادل.
بهذه الذهنية، يمكن فهم "الصفحة الجديدة" التي تحدّث عنها وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي في تصريحاته للصحفيين على هامش لقاءاته مع المسؤولين اللبنانيين، وقد شملت رؤساء الجمهورية والحكومة ومجلس النواب، إضافة إلى وزير الخارجية، حيث كان لافتًا حديثه لا عن دعم إيران لاستقلال لبنان وسيادته ووحدة أراضيه فحسب، ولكن أيضًا عن "دعمها للحوار الوطني بين الطوائف والمجموعات والاتجاهات المختلفة"، وفق ما نُسِب إليه.

وإذا كان عراقجي تناغم في ذلك مع توجّه من التقاهم، وفي مقدّمهم رئيس الجمهورية الذي تحدّث صراحة عن تطلّعه إلى تعزيز العلاقات "من دولة إلى دولة"، فإنّه ذهب أبعد من ذلك في ترجمة "الصفحة الجديدة" حين دعم الجهود التي يبذلها لبنان "حكومة وشعبًا" لإخراج المحتلّ، من دون أن يأتي على ذكر المقاومة، وكذلك حين حرص على ربط استعداد إيران لدعم عملية إعادة الإعمار، بالحكومة اللبنانية حصرًا، بعيدًا عن أيّ قنوات أخرى.

وإذا كانت أميركا توجّه رسالة من خلال ​إقالة أورتاغوس​، حول "تراجع" لبنان في سلم الأولويات، فإنّ إيران أيضًا ترسل رسائلها إلى الغرب، والولايات المتحدة، من خلال ما تقول إنّها "صفحة جديدة" تفتحها في لبنان، "صفحة" يقول العارفون إنّها تبعث من خلالها برسالة "حسن نوايا" إلى المجتمع الدولي، على وقع المفاوضات "المتعثّرة"، عنوانها أنّ إيران جاهزة لترجمة انفتاحها، قولاً وفعلاً، وطريقة التعاطي مع لبنان قد تكون عنوانًا واضحًا في هذا السياق.

في النتيجة، يقول العارفون إنّ السياق العام المحيط بلبنان، والمنطقة ككلّ، من شأنه أن يرسم قواعد اشتباك "الصفحة الجديدة"، أميركيًا وإيرانيًا، "صفحة جديدة" قد يكون لبنان تحوّل معها مرّة أخرى إلى "ساحة لتبادل الرسائل"، لكنها رسائل تختلف جذريًا، عن تلك التي كان لبنان "صندوق بريدها" سابقًا، فالرسائل هذه المرّة تتناغم مع المتغيّرات التي طرأت على المشهد، وإن كان الحكم عليها نهائيًا يبقى مؤجّلاً حتى اكتمال المشهد ونضوج معطياته!.

تم نسخ الرابط