هؤلاء للمغتربين: مصريّاتكن... وبسّ

لا يشبهُ المغترب اللبناني أيّ مغترب آخر في مختلف بقاع الارض... يغادر الأرض بالجسد فقط، ويترك الباقي هنا، كل الباقي...
تراه في كلّ فرصةٍ حاضرا، وفي كل مصيبة سندًا، وفي كلّ أغنيةٍ وطنية منشدًا... يتابع التطورات اللبنانية أكثر من المقيمين أنفسهم، متحمّسا لكل شاردة وواردة تخصّ بلده لكأنه لم يغادر، إنما يبحث عن أي تبدّل في المشهد يعيده إلى مكانه الاحبّ. فهل يجوزُ منعه عن أبسط حقوقه وواجباته بالاقتراع للنواب الـ128، ولإبعاد من نكّلوا بالبلاد، عن مراكز الحكم؟
في انتخابات 2018، أُقرّ مبدأ تخصيص 6 مقاعد للمغتربين، لكن تم تأجيل تطبيقه. وفي 2022، سمح لهم بالاقتراع لكامل المقاعد النيابية، اما اليوم، فعدنا إلى السيناريو نفسه لقطع الطريق امام المغتربين لممارسة حقهم بالاقتراع لنواب الامة لكأنهم لبنانيون درجة ثانية أو ثالثة. فهل يُعقل أن يُختصر مئات آلاف اللبنانيين المنتشرين في خمس قارات بستة نواب فقط؟
يشبّه البعض المغترب اللبناني بالحبل السري للبنان في زمن الانهيار، إذ ان التحويلات المالية منذ 2019 هي التي نفخت الروح في البلاد، وهي تُقدّر سنويا بحوالى 7 مليارات دولار... وبالتالي فإن حرمانه من المشاركة بالحياة السياسية عبر انتخاب النواب على غرار كل اللبنانيين، هو أشبه بقطع ذلك الحبل، وكأننا نقول له: "شكراً على تحويلاتك المالية، أما رأيك فلا يلزمنا".
طابخو عملية إبعاد المغتربين عن التصويت الفعّال للنواب الـ128، يتحجّجون حينًا بالقانون وحينا آخر بالتطورات السياسية الاخيرة التي جعلت فريقا من اللبنانيين عاجزا عن السفر إلى دول اجنبية وخصوصا اميركا من أجل المشاركة بالحملات الانتخابية ما يعني عدم وجود تكافؤ للفرص بين الافرقاء اللبنانيين... وهنا نسأل: "أين كان تكافؤ الفرص هذا حينما خضنا الاستحقاقات الانتخابية لسنوات طوال في ظلّ وجود فريق مسلّح؟ أين كان تكافؤ الفرص حينما كان ممنوعا حتى التفكير بالترشح للانتخابات في بعض المناطق وخصوصا في الجنوب والبقاع حيثما أطبق الحزب أمنيّا وسياسيّا على الأرض والعباد؟".
في الحقيقة، أن البعض في لبنان يخشى فعليا صوت المغترب لانه حرّ، لا يتأثر بزفت ولا بوظيفة، لا يخشى زعيما او مسؤولا، لا يقترعُ خوفا من التنكيل بعائلته او منعه من دخول بلدته... هو باختصار، اختبر الديمقراطية والحياة الحضارية عن قرب، يعرف أن الدولة هي في خدمة شعبها وليس العكس وأن الطريق إلى الازدهار يكون عبر بناء المؤسسات واحترام القوانين، لا عبر الالتفاف عليها والتهديد والوعيد...
لا يُبنى بلدٌ لا يتساوى فيه أبناؤه، مَن هم في الداخل تماما كما مَن هم في الخارج، فتقسيم 6 نواب على مئات الدول يبدو عبثيّا وغير تمثيلي... ولا يُبنى بلدٌ تُوجّه فيه العيون إلى جيوب المغتربين لا إلى آرائهم... ولن يُبنى بلدٌ لا يحاسَبُ فيه كلّ منكّل بنا وكلّ سارق للمال.. والحقوق