الذهب اللبناني على الطاولة: تأجيره يلوح كطوق نجاة... أم مقامرة خطيرة؟

عاد طرح مسألة تأجير الذهب إلى الواجهة مجددًا، كأحد الحلول الممكنة لإعادة أموال المودعين، خصوصًا في ظل الضغوط الدولية التي تُمارس على المسؤولين اللبنانيين لإقرار قانون إعادة هيكلة المصارف، وهو أمر غير ممكن من دون حل معضلة الودائع. لبنانيًا، تبقى هذه الفكرة جديدة نسبيًا، لكنها عالميًا وعربيًا تعدّ استثمارًا معروفًا، ليس فقط على مستوى الدول، بل حتى على مستوى الأفراد.
في لبنان، تُقدَّر قيمة الذهب بنحو 26.39 مليار دولار أميركي في شباط 2025، مقارنة بـ25.77 مليار دولار في كانون الثاني 2025، وفق ما كشفته بيانات موقع CEICDATA. في المقابل، يجمع العديد من الخبراء على أن استثمار مخزون الذهب يمكن أن يُدر عائدًا سنويًا يتراوح بين 0.3 و1.5 بالمئة عبر التأجير أو السواب، من دون التفريط بالملكية، أي ما يعادل 80 إلى 400 مليون دولار سنويًا. غير أن هذا الأمر يتطلب قانونًا يصدر عن مجلس النواب لإلغاء الحظر المفروض على استعمال الذهب بموجب القانون 42/1986، إضافة إلى ضرورة إرساء إطار حوكمة صارم يحدّ من المخاطر السيادية والسياسية.
شماس: يمكن استعمال الذهب لضمان فوائد القروض
يشرح الخبير الاقتصادي الدكتور غسان شماس لـ"ليبانون ديبايت" أن هناك ثلاث نقاط أساسية يجب أخذها بعين الاعتبار عند تأجير الذهب: أولًا، ما إذا كان المستأجر قادرًا على دفع التزاماته المالية لقاء تأجيره الذهب. ثانيًا، هل يستطيع إعادة الكمية المستأجرة بعد انتهاء مدة الإيجار. وثالثًا والأهم، أن تأجير الذهب يجعله سلعة عادية قابلة للحجز، بمعنى أنه في حال وجود طرف معين (دولة، شركة، شخص) لديه إشكال قضائي مع الدولة اللبنانية، يمكنه حجز الأموال المتأتية من تأجير الذهب، وهو أمر بالغ الحساسية.
وأشار شماس إلى أن الذهب هو ملك الدولة اللبنانية، ولا يمكن حجز أملاك الدول لأنها تعدّ امتيازًا سياديًا، إلا أن هذا الامتياز يلغى بعد تأجير الذهب ويصبح بالإمكان الحجز على الأموال الناتجة عن هذا التأجير، في حال وجود طرف ثالث لديه ديون على الدولة اللبنانية، كحاملي سندات اليوروبوند مثلًا. كما أوضح أن قيمة المردود من التأجير تختلف بحسب الجهة المستأجرة، فإذا تم تأجير الذهب إلى بلد تصنيفه الائتماني مرتفع مثل أستراليا أو ألمانيا، سيكون المردود منخفضًا لقلة المخاطر، ولا مصلحة للبنان في ذلك. أما إذا جرى تأجيره إلى بلد تصنيفه منخفض، فقد يصل المردود إلى 13 بالمئة، لكن المخاطر تكون مرتفعة.
ولفت إلى أن السؤال الجوهري يبقى: هل يمكن ضمان ألا يدخل هذا الذهب في إطار دعاوى قانونية من حاملي سندات اليوروبوند؟ وهل يمكن ضمان عدم حجز الإيجار؟ وما هي الضمانات التي يمكن أخذها من الدولة التي سيُؤجَّر إليها الذهب لضمان إعادته إلى لبنان عند انتهاء العقد؟
كما أشار شماس إلى إمكانية تأجير الذهب لمصارف عالمية، موضحًا أنه يمكن مثلًا تأجير جزء من الـ286 طنًا التي يملكها لبنان إلى مصرف عالمي لمدة معينة وبفائدة محددة. لكنه شدد في الوقت ذاته على أن لا ضمانة مطلقة، حتى مع المصارف الكبرى، مستذكرًا مثال مصرف LEHMAN BROTHERS الذي انهار في ثلاثة أيام عام 2008. وهنا يبرز دور بوالص التأمين الكبرى MEGA INSURANCE الخاصة بالودائع، لكنها تقلص المردود.
أضاف شماس أنه يمكن أيضًا استعمال الذهب كضمانة على دين خارجي، ليس على أصل الذهب بل على عائد الأموال المقترضة بواسطة البنك الدولي. والأفضل أن يتم ذلك عبر صندوق النقد أو البنك الدولي لضمان النزاهة ومنع أي تلاعب. وضرب مثالًا على ذلك بأن تقترض الدولة مبلغًا طويل الأمد بفائدة معينة، ويُرهن جزء من الذهب لضمان دفع الفائدة، فتطمئن الجهة المانحة لاسترداد أموالها حتى في حال تعثر الدولة.
وختم قائلًا: يمكن تأجير الذهب بالكامل والحصول على عائد بنسبة 2 أو 3 بالمئة يُستخدم لدفع فوائد قروض طويلة الأجل، مؤكدًا أنه يؤيد استعمال الذهب لضمان فوائد القروض وليس لضمان سداد القروض بحد ذاتها.
بطرس: الذهب ملك الشعب اللبناني
على الصعيد القانوني، أوضح المحامي راضي بطرس لـ"ليبانون ديبايت" أن هناك قانونًا صدر عام 1986 يمنع كليًا التصرف بالذهب بأي شكل كان، إلا بموجب قانون يصدر عن مجلس النواب. وأضاف أن تأجير الذهب يقتضي نقله من مكانه إلى آخر، ما يجعله خاضعًا لقاعدة "نقل الحيازة يجيز الملكية"، كما أن وضعه كضمانة قد يعرضه لخطر خسارته في حال عدم تسديد الدولة مستحقاتها.
وأكد بطرس أن أي قانون جديد للسماح باستعمال الذهب كضمانة يجب أن يتضمن شروطًا واضحة جدًا حول كيفية إدارة هذه العملية وتشكيل لجنة رقابية تسهر على التنفيذ، لأن الركون فقط إلى المراسيم التطبيقية غير كافٍ.
وختم بطرس مشددًا على أن الذهب ليس ملكًا للمودعين، بل للشعب اللبناني بأسره، وأن استخدامه لرد جزء من أموال المودعين قد يمس بحقوق جميع اللبنانيين، معتبرًا أن معالجة هذا الملف يجب أن تتم عبر إصلاح القطاع المصرفي أولًا، بما يفتح الباب لإعادة الأموال بطرق متعددة وليس عبر المساس بالذهب