اخبار لبنان اخبار صيدا اعلانات منوعات عربي ودولي صور وفيديو
آخر الأخبار

قاضٍ لم يتقاعد من قول الحقيقة… عويدات يتصدّى لاستدعائه في ملف المرفأ ويواجه البيطار والحجّار

صيدا اون لاين

رغم إحالته إلى التقاعد، ورغم الضغوط القضائية والإعلامية، أبى مدعي عام التمييز السابق غسان عويدات إلا أن يثبت مجددًا أنه رجل قانون لا يُساوم، وقاضٍ يتمسك بالدستور والأصول القضائية حتى الرمق الأخير. فبثباتٍ نادر وموقف دستوري صلب، واجه عويدات محاولات استدعائه أمام جهة يعتبرها فاقدة للصلاحية، رافضًا الاعتراف بشرعية المسار المتخذ في قضية انفجار مرفأ بيروت، ومتمسكًا بحقوقه، ومدافعًا بشجاعة عن نفسه وعن زملائه القضاة الذين وُضعوا في موقف غير قانوني.
في التفاصيل، وجّه المحقق العدلي القاضي طارق البيطار بتاريخ 11 تموز 2025 كتابًا إلى النائب العام لدى محكمة التمييز، طلب فيه تبليغ القاضي غسان عويدات وجوب الحضور إلى قصر عدل بيروت يوم الإثنين 21 تموز 2025 الساعة العاشرة صباحًا، لاستجوابه بصفته مدعى عليه في قضية انفجار المرفأ، وذلك بمواد جرمية تتعلّق بالقتل والإيذاء والتخريب والإحراق، معطوفة على القصد الاحتمالي، بالإضافة إلى الإخلال بالواجبات الوظيفية ومخالفة القوانين، بحسب ما ورد في نص الاستدعاء.
وبتاريخ ١٥ تموز، انتقل موظف من النيابة العامة التمييزية إلى بلدة شحيم لإبلاغ القاضي عويدات رسميًا بموجب مذكرة تبليغ، إلا أن عويدات رفض التوقيع على الورقة، مكتفيًا بتسلُّم نسخة عنها، وصرّح بوضوح أنه لا يعترف بصلاحية المحقق العدلي المكفوفة يده، ودوّن جوابه بخط يده مذيّلًا بتوقيعه على ورقة مستقلة أُرفقت بالمذكرة.
وفي الردّ الذي حمل توقيعه الشخصي، توجّه عويدات إلى المحقق العدلي قائلًا:
“عملًا بأحكام المادة 354 أصول محاكمات جزائية، وأحكام القانون رقم 129 تاريخ 26/10/1999، أنت غير ذي صفة، وغير ذي صلاحية، وغير ذي أهلية، فأنت ممنوع بحكم القانون عن القيام بأي عمل أو إجراء، فلا شرعية لك ولن نعطيك إياها… فأنت جهة غير صالحة، وبالتالي نكون قد تبلّغنا الادعاء المزعوم الباطل وتاريخ الجلسة من العدم”.
وفي موقف لا يقلّ حدّة عن رده على المحقق العدلي، توجّه القاضي غسان منيف عويدات برسالة مباشرة إلى النائب مدعي عام التمييز القاضي جمال الحجّار، عبّر فيها عن استهجانه الشديد لما اعتبره انخراطًا في تنفيذ قرارات “مجبولة بالخطأ الجسيم” ومجردة من الصلاحية القانونية.
وجاء في رده: “أما أنتم، يا حضرة النائب العام لدى محكمة التمييز، الذين ارتضيتم تنفيذ هكذا قرارات مجبولة بالخطأ الجسيم، مغلوطة ومخالفة للقانون، وقرارات ساحبة وسالبة لصلاحياتكم، فإني أطلب إليكم تصحيح المسار والادعاء عليّ أصولًا ومقاضاتي، والادعاء عليّ وعلى باقي القضاة الذين أجبرتموهم على المثول أمام جهة غير صالحة، وذلك عملًا بأحكام المواد 344 أصول محاكمات جزائية وما يليها، حرصًا على العدالة، واحترامًا للمركز الذي أنتم عليه مؤتمنون، وصونًا لدولة القانون التي تنشدون”
كلمات صريحة، حادة، وشجاعة، ختم بها القاضي عويدات موقفًا قلّ نظيره في سجل القضاء اللبناني، حيث رفض المساومة على الصلاحيات، وأصرّ على المحاسبة العادلة، حتى لو شملت نفسه ومن هم في مقامه، دفاعًا عن دولة القانون والمؤسسات، لا عن الأفراد والمزاجيات.
لكن، في ظل هذا المشهد الذي يزداد التباسًا وانقسامًا، يبقى السؤال المؤلم معلقًا أمام ضمير هذه الجمهورية: من سيتجرأ؟ من سيملك الشجاعة الأخلاقية والمؤسسية، من رئاسة الجمهورية إلى رئاسة الحكومة، من وزارة العدل إلى مجلس القضاء الأعلى، وصولًا إلى النيابة العامة التمييزية، ليقول كفى؟ كفى تجاوزًا للأصول، كفى تسييسًا للعدالة، كفى استثمارًا في دماء الشهداء.
من يعيد تصويب المسار القضائي قبل أن يفقد القضاء ما تبقى من هيبته؟ من يوقف هذه الممارسات التي حوّلت العدالة إلى أداة صراع بدل أن تكون مرجعًا للحق؟ متى يُحترم الدستور؟ متى يُفصل هذا الملف الجلل عن زواريب السياسة، ويُعاد إليه طُهره وإنسانيته، ويُكرَّم الشهداء لا باستحضارهم في السجالات بل بإحقاق العدالة باسمهم؟

تم نسخ الرابط