قرار" حصر السلاح" إلى التنفيذ…والضغوط الاميركية تفتح المواجهة على المجهول

لم يعد ملف سلاح المقاومة في لبنان قضية مؤجّلة أو ورقة تفاوضية عائمة، بل تحوّل إلى مسار ضاغط يسير بخطوات متسارعة نحو التنفيذ الفعلي. فالمشهد لم يعد مجرّد جدل سياسي داخلي، بل مواجهة مفتوحة على توازنات الداخل وموقع لبنان في المنطقة.
قرار الحكومة اللبنانية بتكليف الجيش وضع خطة لحصر السلاح بيد المؤسسات الشرعية قبل نهاية العام، والموافقة على ما وُصف "بالأهداف العامة للورقة الأميركية"، مثّل منعطفاً سياسياً غير مسبوق منذ سنوات، إذ اعتبرته مصادر سياسية مطلعة محاولة مباشرة لنقل ملف سلاح المقاومة من خانة الحوار الوطني إلى خانة القرارات التنفيذية، وبذلك إدخاله في قلب الانقسام الداخلي في لحظة إقليمية شديدة الحساسية. وتشير المصادر إلى أنّ إخراج القرار بهذه الصيغة، وبأغلبية حكومية بعد انسحاب الوزراء
الشيعة، شكّل رسالة واضحة إلى الخارج بقدرة الحكومة على تبني ما تطالب به الاطراف الدولية الضاغطة، حتى وإن جاء ذلك على حساب التوازنات الداخلية. وقد لاقى القرار ترحيباً علنياً من واشنطن، التي سارعت إلى الإشادة بخطوة الحكومة، لكنها ربطت أي دعم مقبل بالشروع الفوري في التنفيذ وعدم الاكتفاء بإعلان النوايا.
وتوضح المصادر أن خطورة الموقف تكمن في أنّ إدخال القرار إلى مرحلة التنفيذ يعني الانتقال من سجال سياسي مهما اشتدّ، إلى واقع ميداني ستكون له انعكاسات مباشرة على ميزان القوى الداخلي والخارجي. فبالنسبة إلى "حزب الله"، هذا المسار ليس سوى محاولة لفرض وقائع على الأرض تحت سقف قرار حكومي شكليّ، لكنه في الجوهر يعكس خضوعاً لإملاءات خارجية تستهدف جوهر وظيفة السلاح في معادلة الردع مع إسرائيل. وفي هذا السياق جاءت تصريحات نائب رئيس المجلس السياسي في "الحزب" والوزير السابق محمود قماطي، التي وصفت القرار بأنه ذلّ وخضوع لقرار أميركي، وأكدت أنه لن يمرّ ولن يُنفّذ، ما يعكس إدراك "الحزب" لطبيعة المرحلة المقبلة واستعداده لاستخدام كل أوراق التعطيل السياسية والمؤسساتية لوقفه.
وتضيف المصادر أن قماطي، رغم حدّة موقفه، حرص على نفي أي نية للتصعيد الداخلي، وهو ما يفسَّر بأنه محاولة للفصل بين رفض القرار وبين إبقاء الاشتباك في الإطار السياسي والمؤسساتي، بما يضمن عدم انزلاق الوضع إلى مواجهة ميدانية غير محسوبة. غير أنّ تلويحه ببحث خيارات الاستمرار في الحكومة شكّل رسالة ضغط واضحة، مفادها أن "الحزب" مستعدّ للانسحاب من السلطة التنفيذية إذا تحولت هذه الأخيرة إلى منصة لتطبيق أجندات خارجية، وأن ورقة المشاركة في الحكومة لن تكون مضمونة إذا تم تجاوز الخطوط الحمراء المرتبطة بملف السلاح.
وتحذّر المصادر من أن الدخول في مرحلة التنفيذ، رغم وجود توافق داخلي شبه كامل باستثناء موقف المقاومة، ومن دون ضمانات على الجبهة الجنوبية، يفتح الباب أمام أخطر الاحتمالات، إذ قد يستغلّ العدو الإسرائيلي أي مرحلة انتقالية لفرض وقائع جديدة أو شن اعتداءات تحت ذريعة "دعم سلطة الدولة".
وتشير المصادر إلى أن هذا التوافق الواسع يعطي القرار الحكومي زخماً سياسياً وإعلامياً غير مسبوق، لكنه في الوقت نفسه يزيد من حدّة المواجهة مع "حزب الله" الذي يجد نفسه عملياً وحيداً في موقع الاعتراض، ما يرفع منسوب المخاطر ويحوّل المسار برمّته إلى اختبار مباشر لقدرة "الحزب" على تعطيله أو إعادة صياغته.
وتخلص المصادر إلى أن الإصرار الأميركي على الشروع بالتنفيذ الفوري، مقروناً باستعداد الحكومة للامتثال رغم حساسية الظرف الداخلي، يضع لبنان أمام لحظة سياسية بالغة الخطورة. فإما أن ينجح "حزب الله" في تعطيل المسار أو إعادة صياغته ضمن استراتيجية دفاعية متوافق عليها، وإما أن تدخل البلاد في مرحلة جديدة تُفرض فيها أجندة خارجية تحت غطاء الشرعية، ما قد يغيّر جذرياً شكل التوازنات الداخلية وموقع لبنان في المعادلة الإقليمية.
وفي الحالتين، يبقى المشهد مفتوحاً على احتمالات متباينة، إذ لا أحد يمكنه الجزم بطبيعة ردود الفعل المقبلة أو شكل المواجهة التي قد تفرضها التطورات، سواء بقي الاشتباك في الإطار السياسي أو انتقل إلى ساحات أوسع